قالت فاليري: «لقد كان مملا. هكذا كان دائما. وأنت لست بمسئولة عن كل شيء.» «أفكر في الأمر لأنني أتساءل إذا كان هذا هو بالضبط سلوك جورج تجاهي؛ فهو يريد التخلص مني، ثم لا يحاول فعل ذلك، ثم يحاول، ثم لا يقدر على أن يعترف بذلك ولو حتى لنفسه؛ إنه يتعمد اختلاق إحباطات جديدة. أشعر بأنني أعرف ما كان يمر به آندرو. لا يعني هذا أنني قد أرجع إليه. مطلقا. لكنني أرى ما كان يشعر به.» «أشك أن الأمور تحدث بهذا التناظر الشديد.» «لا أعتقد ذلك أيضا. لا أعتقد أن العقاب ينزل بك بهذه الطريقة البسيطة. أليس من الغريب كيف أتعلق - وهذه هي حالي فعلا - بفكرة وجود نمط كهذا؟ أعني أن الفكرة جيدة؛ فكرة وجود هذا التوازن. ولكن، التجربة نفسها ليست جيدة. وإنني أريد أن أتجنبها.» «إنك تنسين كم كنت سعيدة خلال لحظات السعادة التي عشتها.» «والعكس صحيح. الأمر أشبه بالولادة.» •••
انتهى جورج من قص الأعشاب الضارة، وانشغل بتنظيف نصل المنجل. كان بإمكانه سماع صوت البيانو عبر النوافذ المفتوحة ببيت فاليري، ويحس بالهواء البارد الجميل المتدفق من ناحية النهر. وكان يشعر بتحسن كبير الآن، إما بسبب المجهود البسيط الذي بذله أو إحساسه بالارتياح أن أحدا لا يراقبه؛ ربما أنه من الرائع أن يبتعد وحسب عن المتطلبات المهولة لبيته. تساءل ما إذا كانت روبرتا هي التي تعزف على البيانو؛ فالموسيقى تتوافق على نحو رائع مع الأعمال التي يقوم بها؛ أولا مقطوعة «المسيرة التركية» البهيجة المناسبة لأعمال قص الأعشاب، والآن، بينما يقف لتنظيف نصل منجله وشم الحشائش المجزوزة، تتسلل إلى مسامعه التهاني الرقيقة لمقطوعة «موسيقى ليلية صغيرة»، مع أن أنغامها عزفت بشيء من التردد. وكالعادة كلما يشعر بتحسن مزاجي، وعندما تنقشع غمة الكآبة، يتوق للبحث عن روبرتا ليطوقها بين ذراعيه ويطمئنها - ويطمئن نفسه - أنه ما من ضرر حقيقي قد وقع. كان يأمل أن يفعل ذلك ليلة أمس عندما كانا يحتسيان الخمر، لكنه لم يستطع؛ شيء ما منعه.
استرجع جورج زيارة روبرتا الأولى لبيته. كانت تلك الزيارة في أواخر أغسطس أو بداية سبتمبر منذ زهاء عام مضى. خلال هذه الزيارة، رتبا لنزهة خلوية مبتكرة نوعا ما، فطهيا الولائم، واستمعا إلى أسطوانات موسيقية، وأخرجا الفراش إلى الفناء الخارجي. قضى ليالي صافية مع روبرتا وهي تشرح له الطرق المستبعدة التي ترتبط بها النجوم بمجموعاتها في السماء، وكان كل يوم معها لا يقدر بثمن. قالت روبرتا حينئذ إنه يجب أن يعرف كل شيء عنها الآن بمنتهى الصراحة؛ فهي في الثالثة والأربعين من عمرها؛ أي أكبر منه بست سنوات، ولقد هجرت زوجها لأن كل ما بينهما بدا مصطنعا، لكنها تكره أن تقر بذلك لأن اعترافها قد يبدو محض رياء، فهي لا تدري ما تعنيه، والأهم من ذلك أنها لا تعرف مدى قدراتها بالكامل. بدت في عينيه شجاعة وصادقة ومتواضعة؛ ولذا لا يتخيل كيف تفرز كل هذه الصفات مثل هذه الحدة والبكاء والملل والشعور بالخطر من الانهيار.
لكنه يحدث نفسه بأن الانطباع الأول يستحق الاحترام. •••
زينت إيفا وروث طاولة الطعام في الشرفة. كانت روث ترتدي قميصا أبيض اللون استعارته من أخيها، وسروال منامته المخطط وعمامة سوداء ضخمة؛ فبدت أقرب شبها بسيخ هندي متباه طيب المعشر.
قالت روث: «أعتقد أن الطاولة بحاجة إلى نثر أشياء عليها؛ لا مجال للرقة هنا يا إيفا.»
وعلى فترات متقطعة، وضعتا عليها البرتقال، وزهور الأضاليا الذهبية، وقرع البلوط المزدان بخطوط بديعة، وقرعا صيفيا، ويقطينا أصفر، وذرة هندية.
ووراء ستار الموسيقى، قالت إيفا: «أنجيلا لديها مشكلات تتعلق بالحياة هنا تتجاوز مشكلاتي؛ فهي تعتقد أن الأمر يتعلق بها كلما تشاجرا.»
سألت روث بصوت هامس: «وهل يتشاجران؟» ثم أردفت قائلة: «هذا ليس من شأني.» كانت قد وقعت في حب جورج عندما بلغت الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة من عمرها. وخلال تلك الفترة، كانت أمها على علاقة صداقة مع جورج. وكانت روث تكره زوجته، وسرها انفصالهما. وتذكرت أن زوجته كانت ابنة طبيب أمراض نساء، وهو السبب الذي ساقته أمها لعجزه عن الانسجام مع زوجته. فلعل ثراء الأب هو الذي كانت تقصده أمها، أو الأسلوب الذي تربت عليه الابنة. لكن كلمة «طبيب أمراض نساء» بالنسبة لروث بدت حادة ومرعبة، وتخيلت ابنة هذا الطبيب ترتدي حلة معدنية باردة ومسننة. «تقع بينهما مناوشات صامتة. يمكننا الجزم بذلك. أنجيلا مهتمة جدا بتلك الشجارات، وتعتقد أن الكون كله يدور في فلكها. هذا ما يحدث عندما يصبح المرء مراهقا. ولا أريد أن ينالني ما نالها.»
توقفت أنجيلا عن العزف مؤقتا، وقالت إيفا بحدة: «أوه، لا أريد أن أرحل! فأنا أكره الرحيل.» «حقا؟» «أكره أن أترك ديانا. لا أعرف ماذا يمكن أن يحل بها. لا أعرف هل سأراها مجددا أم لا. ولا أعتقد أنني سأرى الغزال مرة أخرى. أكره اضطراري لترك الأشياء.»
Halaman tidak diketahui