جالت فاليري وروبرتا في البيت، ومعهما زجاجة من النبيذ البارد وكأسان كانتا من أغراض جدة فاليري. تعتقد روبرتا أن بيت فاليري هو الصورة التي تخطر بخلد الناس إذ يعربون باشتياق عن رغبتهم في «بيت في الريف» أو تحديدا «بيت في مزرعة من الطوب العتيق»؛ الطوب الأحمر الباهت الذي يبعث على الدفء ويحده طوب أفتح لونا، وأشجار العنب والدردار، والأرضيات الرملية والسجاد المعلق والجدران البيضاء، والإبريق المكسورة حافته فوق خزانة أدراج ضخمة أمام مرآة معتمة. بالطبع استغرق الأمر من فاليري 15 عاما كي تجلب كل هذه الأشياء؛ فقد اشترت هي وزوجها هذا البيت لتمضية الصيف، وبعد أن مات زوجها باعت بيتها بالمدينة، وانتقلت للعيش في شقة، وكرست مالها وجهدها لهذا البيت. وكان جورج قد اشترى بيته وأرضه قبل عامين بعد أن عرفته فاليري بهذه البقعة من الريف، ومنذ 14 شهرا ترك مهنة التدريس وانتقل للعيش هنا إلى الأبد. وإثر انتقاله إلى الريف مباشرة، التقى لأول مرة بروبرتا. وانتقلت هي للعيش معه في ديسمبر الماضي. وظنت أن إصلاح المكان سيستغرق عاما كاملا، وبعدها يستطيع جورج أن يزاول هواية النحت. كان جورج يريد أن يمسي نحاتا فعلا؛ ولذلك أراد التخلي عن التدريس وعيش عيشة الكفاف في الريف - حيث زراعة الكثير من الخضراوات وتربية الدجاج. لكنه لم يشرع في تنفيذ فكرة تربية الدجاج بعد.
قررت روبرتا أن تشغل وقتها برسم الصور الإيضاحية للكتب، ولكن لماذا لم تفعل ذلك بعد؟ لأنها لا تجد الوقت الكافي ولا المكان المناسب؛ لا المكان ولا الإضاءة الكافية ولا الطاولة الملائمة. كما أنه لا توجد لحظات تسيطر فيها بالكامل على مجريات الأمور بعد أن تمكنت منها الحياة وهيمنت على مقدراتها.
جل ما أنجزاه حتى الآن - ما أنجزه جورج تحديدا بينما قامت روبرتا بالتنظيف والطهي - هو تركيب سقف جديد للبيت، ونوافذ ذات إطار من الألومنيوم، وصب كيس تلو الآخر من مادة عازلة مغبرة شبيهة بالحصى في المساحة الموجودة وراء الجدران، ووضع ألواح من ألياف زجاجية صفراء شبيهة بالصوف لتدعيم سقف العلية، وتنظيف جميع مداخن المواقد واستبدال بعضها، وترميم جزء من المدخنة، واستبدال حواف السطح البارزة المتعفنة. وبعد كل هذه الإصلاحات الجوهرية المرهقة، لم يزل شكل البيت منفرا من الخارج، بكسوته من الطوب الأحمر الداكن غير الأصلي، ورواقه الذي لم يعد فيه موطئ لقدم بسبب ألواح الخشب الجديدة المجففة والقديمة المستعملة، وألواح الألياف الزجاجية الفائضة عن الحاجة وغير ذلك من الركام المفيد. ومن الداخل، تسود الظلمة وتفوح رائحة عطنة. تود روبرتا أن تنزع مشمع الأرضية وتزيل ورق الحائط الكئيب، لكن كل شيء يجب أن ينجز بنظام، وكان جورج قد استقر على هذا النظام؛ فلا طائل من وراء نزع المشمع وإزالة ورق الحائط سوى بعد الانتهاء من تركيب الأسلاك والطبقة العازلة، وإعادة ترميم هيكل البيت. ومؤخرا، شدد جورج على أنه قبل أن يشرع في تجديد البيت من الداخل أو وضع ألواح الجدران الخارجية للبيت، يجب أن يقوم بعملية إصلاح شاملة للحظيرة؛ فإذا لم يدعم هيكل العوارض الخشبية ويعززه، فمن المحتمل أن ينهار البيت كله تأثرا بعواصف فصل الشتاء القادم.
علاوة على ذلك، كان ثمة إصلاحات يجب إنجازها في الحديقة؛ حيث أشجار التفاح والكرز التي تم تقليمها، وقصب التوت الذي تم تنظيفه، والحديقة التي أعيد نثر بذورها بعد إنقاذها من رقع الأعشاب البرية الطويلة وأجزاء عارية في التربة، والدبش الموجود أسفل ظل بعض أشجار الصنوبر المهملة. في البداية، رسمت روبرتا صورة للمكان بأسره في مخيلتها، كل الأشياء التي أنجزت، والجاري إنجازها، والتي لم تنجز بعد. لكنها لا تفكر في العمل بهذه الطريقة الآن - ولا تتصورها بصفة عامة - بل استقرت في المطبخ تنجز الأعمال بحسب ما يستجد منها؛ فقد استغرق منها أمر معالجة محصول الحديقة - من صنع صلصلة الفلفل الحريفة وإعداد الطماطم والفلفل والفول والقمح تمهيدا لإيداعها في المجمد، وصنع عصير الطماطم ومربى الكرز - وقتا طويلا. وأحيانا ما تلقي نظرة على المجمد وتتساءل عمن سيتناول كل هذا الطعام إضافة إلى جورج؛ فهي تشعر بأن مطالبها في تضاؤل. •••
كانت الطاولة موضوعة في الشرفة الطويلة - المنعزلة عن الخارج بحاجز سلكي - التي تقع في الجزء الخلفي من البيت. خرجت فاليري وروبرتا من الباب الموجود في نهاية الشرفة، ونزلا على سلم المسافة بين درجاته غير طويلة وصولا إلى منطقة صغيرة جدرانها وأرضيتها من الطوب، أقامتها فاليري صيف هذا العام لكنها لا تحب أن تسميها فناء مرصوفا؛ فهي تزعم أن المرء لا يستقيم أن يكون لديه فناء مرصوف في بيت بمزرعة. ولم تستقر على اسم لهذه الباحة بعد. ولم تقرر أيضا ما إذا كانت ستجلب كراسي حديقة خشبية ثقيلة يروق لها شكلها، أم كراسي خفيفة ومريحة مصنوعة من مزيج من المعدن والبلاستك كتلك التي جلبها جورج وروبرتا.
صبت كلتاهما النبيذ ورفعتا كأسيهما القديمتين الواسعتين اللتين تعشقان ارتشاف النبيذ منهما، وتناهى إلى مسامعهما ضحكات روث وإيفا وأنجيلا من غرفة روث. كانت روث قد قالت إن عليهما مساعدتها في ارتداء ملابسها أيضا ... ستفكر في شيء تتفوق به عليهم جميعا. وكان أيضا بإمكانهما سماع حفيف منجل جورج الذي جلبه معه لقطع بعض الحشائش الطويلة ونبات الأرقطيون المحيط بمصنع الألبان الصغير الحجري خاصتها.
قالت فاليري: «مصنع الألبان يليق بأن يكون استوديو رائعا. حري بي أن أؤجره لفنان. جورج؟ أنت؟ أنا على استعداد أن أؤجره لقاء قص الأعشاب الضارة وإعداد قالب توت العليق. وبإمكان جورج أن يؤسس استوديو له في الحظيرة، أليس كذلك؟»
قالت روبرتا: «بلى، في نهاية المطاف.» في الوقت الراهن، كان جورج ينجز كل أعماله في الجزء الأمامي من البيت، وتحديدا في الردهة القديمة. فثمة بعض القطع المنحوتة لم ينته إلا من نصفها، والبعض الآخر كاد ينجزها - وكانت تغطيها ملاءات مغبرة - وبعض الكتل الخشبية أيضا (إذ يعمل جورج باستخدام الخشب وحسب)؛ فتجد كتلة ضخمة من البلوط المعالج، وقطعا من شجر جوز الأرمد المجفف في الفرن، وخشب الكرز. كما أن منشار الشق الخاص به، وأزاميله، والأزاميل المقعرة، وزيت بزر الكتان، وزيت التربنتين، وشمع العسل، والمواد الصمغية ؛ كلها موجودة وأغطيتها مغبرة ومربوطة بإحكام. وقد اعتادت إيفا وأنجيلا الذهاب إلى هناك والوقوف على أطراف أصابعهما بين الدبش والأعشاب واختلاس النظر من النافذة الأمامية على الأشكال المغطاة.
قالت إيفا لجورج: «يا للبشاعة! تبدو مرعبة. كيف شكلها تحت هذه الملاءات؟»
قال جورج: «كعكة خشبية؛ إنها منحوتة شهيرة.» «حقا!» «ثمرة بطاطس وطفل رضيع برأسين.»
Halaman tidak diketahui