ماذا عن فينسنت؟ لم تستطع ليديا أن تتخيله بنفس السهولة التي تخيلت بها الآخرين، بصخبهم وحركاتهم وأكتافهم العارية وبشرتهم الدافئة الممتعة، وقوتهم، ومجهوداتهم، ولحظات ضعفهم. كانت تخجل من التفكير في أي من هذه الأمور تجاهه. ومع هذا كان الوحيد الذي استطاعت التفكير فيه الآن باهتمام حقيقي. فكرت في لطفه وتحفظه وحس دعابته، وعجزه عن تحسين قدره. أعجبها لنفس الأسباب التي جعلته مختلفا عن لورانس، بل وكانت متأكدة أنه سيظل طوال عمره يعمل لحساب لورانس - أو لشخص مثل لورانس - وليس العكس. أعجبها أيضا للأسباب التي جعلته مختلفا عن يوجين: سخريته، وصبره، واستقلاليته. كان ذلك النوع من الرجال الذي صادفته في طفولتها وهي تعيش في مزرعة لا تختلف كثيرا عن مزرعته، ذلك النوع من الرجال الذي لا بد وأنه كان أحد أفراد عائلتها لمئات السنين . عرفت حياته. ومعه تستطيع التنبؤ بأبواب تفتح على ما كانت تعرفه ونسيته؛ غرف تفتح ومناظر طبيعية تتجلى؛ «هناك». أمسيات ممطرة، وريف به الجداول الصغيرة والمقابر، وبرقوق فرجينيا وعصافير الحسون عند أركان السور. كان عليها أن تتساءل إن كان هذا ما قد حدث، بعد سنوات الشهوة والطمع: هل ينجرف المرء إلى خيالاته الرقيقة؟ أم كانت هذه مجرد الحقيقة عما كانت تحتاجه وتريده؟ هل كان الأفضل لها أن تحب وتتزوج رجلا مثل فينسنت، منذ أعوام مضت؟ هل كان الأفضل لها أن تركز على ذلك الجانب منها الذي كان سيقنع بهذا الترتيب، وينسى الباقي؟
بمعنى: هل كان من الأفضل لها أن تبقى في المكان الذي خلق فيه الحب لأجلها، بدلا من الذهاب إلى المكان الذي عليها أن تصنعه فيه، ثم تعيد تصنيعه، دون أن تعرف أبدا ما إن كانت هذه الجهود كافية؟ •••
تحدث دانكن عن عشيقاته السابقات: روث البارعة، وجودي الجريئة، وديان المفعمة بالحيوية، ودولوريس الأنيقة، وماكسين التي تليق بدور الزوجة، ولورين الشقراء الجميلة ممتلئة الصدر، وماريان متعددة اللغات، وكارولين العصابية، وروزالي التي كانت شرسة وشبيهة بالغجر، ولويز الموهوبة السوداوية، وجين الهادئة المعروفة في الأوساط الاجتماعية الراقية. والآن، ما الوصف الذي ينطبق على ليديا؟ ليديا الشاعرة. ليديا العابسة، الفوضوية، غير المرضية. الشاعرة غير المرضية.
ذات يوم من أيام الأحد، بينما كانا يقودان سيارتهما في منطقة التلال المحيطة ببيتربورو، تحدث دانكن عن وقع جمال لورين عليه؛ ربما ذكره بها الريف المبهج. لكنه قال إن الأمر يكاد يكون مزحة. وقد كان شيئا سخيفا؛ إذ توقف من أجل التزود بالوقود في مدينة صغيرة، وعبرت ليديا الشارع لتدخل متجرا يقدم بضاعة بأسعار مخفضة ويفتح أيام الأحد. اشترت مساحيق الزينة في عبوات جاهزة، وداخل الحمام القذر البارد في محطة الوقود حاولت تغيير هيئتها، فقذفت بسائل أصفر برتقالي على وجهها، ودهنت معجونا أخضر فوق جفنيها.
قال لها بعد عودتها إلى السيارة: «ماذا فعلت بوجهك؟» «إنها مساحيق زينة. لقد وضعت بعضا منها لكي أبدو أكثر ابتهاجا.» «بإمكانك أن تري الخط الذي انتهيت عنده من وضع المساحيق على رقبتك.»
في مثل تلك الأوقات كانت تشعر بالاختناق. كان إحساسا بالإحباط، هكذا أخبرت الطبيب لاحقا. إنها الفجوة بين ما أرادته وما بوسعها الحصول عليه. كانت تؤمن أن مشاعر الحب لدى دانكن - حبه لها - مختبئة في مكان ما بداخله، وأنها عن طريق محاولاتها الهائلة لإرضائه، أو نوبات حزن تمحو بها جميع هذه المجهودات، أو حيل اللامبالاة، ستستطيع نبشها واستخراجها أو استدراجها.
ما الذي أوحى لها بهذه الفكرة؟ إنه هو. على الأقل أشار إلى أنه يستطيع أن يحبها، وأنهما يمكن أن يكونا سعيدين لو استطاعت أن تحترم خصوصيته وألا تطالبه بشيء، وأن تحاول تغيير تلك الجوانب في شخصيتها وسلوكياتها التي لم يكن يحبها. لقد حدد هذه الجوانب بدقة. بعضها كان شخصيا جدا بطبيعته، وقد صرخت من الخجل وغطت أذنيها وتوسلت إليه أن يتراجع عما قال أو يتوقف عن الكلام.
قال لها: «ما من طريقة لمناقشتك.» وقال إنه يكره الشخصيات الهستيرية، والاستعراض العاطفي، أكثر من أي شيء آخر، ولكنها اعتقدت أنها قد لاحظت شيئا من الرضى، أو الشعور المثير بالراحة العميقة، سرى في بدنه عندما انهارت في نهاية المطاف تحت وطأة اعتراضاته التفصيلية والهادئة.
قالت للطبيب بلهفة: «هل هذا ممكن؟ هل من الممكن أن يريد الاقتراب من امرأة وفي نفس الوقت يكون خائفا من هذا القرب لدرجة أنه يحاول تحطيمها؟ هل الأمر بهذه البساطة؟»
سألها الطبيب: «ماذا عنك أنت؟ ماذا تريدين؟» «لكي يحبني؟» «لا لكي تحبيه؟»
Halaman tidak diketahui