Aqeedah of Loyalty and Disavowal - Al-Muqaddim
عقيدة الولاء والبراء - المقدم
Genre-genre
الرابطة الحقة بين المسلمين هي: لا إله إلا الله
إن الرابطة الحقيقة التي تجمع المفترق وتؤلف المختلف هي رابطة (لا إله إلا الله)، فهذه الرابطة تجعل المجتمع الإسلامي كأنه جسد واحد، وتجعله كالبنيان يشد بعضه بعضًا، هذه الرابطة لا لتربط فقط بين المسلمين في الأرض، وبين بعضهم البعض، وإنما عطفت أهل السماء على أهل الأرض، وهم ملائكة حملة العرش، ومن حول العرش من الملائكة، فهم يستغفرون الله لبني آدم في الأرض، قال ﷿: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [غافر:٧ - ٩].
فبين الله ﷾ أن هذه الرابطة: لا إله إلا الله، ربطت سبيل المؤمنين في الأرض، وبين الملائكة في السماء، وبين حملة العرش، فجعل العلة في هذا الدعاء قوله ﷾ في حق الملائكة: (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا)، أي: فاغفر للذين آمنوا، فربط الإيمان بين أهل السماء وأهل الأرض، وهذه هي أعظم الروابط التي ربطت كل من في هذا الكون بعضه ببعض.
ومما يوضح أن الرابطة الحقيقية هي دين الإسلام، قول الله ﷾ في أبي لهب وهو عم النبي ﷺ ﴿سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ﴾ [المسد:٣]، وقابل موقف أبي لهب من الإسلام وما نزل فيه من القرآن، وبغض النبي ﷺ له لكفره وصده عن سبيل الله؛ بما لـ سلمان الفارسي من الفضل والمكانة عند النبي ﷺ، حتى جاء في حقه حديث: (سلمان منا أهل البيت)، وإن كان بعض العلماء يضعفون الحديث، ولقد أجاد من قال: لقد رفع الإسلام سلمان فارس وقد وضع الكفر الشريف أبا لهب وأجمع العلماء على أن الرجل إن مات وليس له من الأقارب إلا ابن كافر فإنه لا يرثه، ويكون إرثه للمسلمين بأخوة الإسلام، ولا يكون لولده من صلبه الذي هو كافر، والميراث دليل القرابة، فدل على أن الأخوة الإيمانية أقرب من الأخوة النسبية، هذه الأخوة التي لا يحدها الزمان والمكان، قال الله ﷾ بعدما ذكر المهاجرين وامتدحهم، ثم ذكر الأنصار وامتدحهم: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحشر:١٠].
إذًا: لا خلاف بين المسلمين أن الرابطة التي تربط بين أهل الأرض والسماء هي رابطة: لا إله إلا الله، فلا يجوز النداء بأي رابطة غيرها، ومن والى الكفار محبة لهم، ورغبة فيهم يدخل في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ [المائدة:٥١]، وقوله تعالى: ﴿إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾ [الأنفال:٧٣]، فلما غاب هذا المعنى، وزال من قلوب المسلمين، ولم يعد الدين والإيمان هو الحد الذي يعتمده قلب المؤمن في موالاته للمؤمنين وعدائه للكافرين؛ اختلط الحابل بالنابل في موضوع الولاء والبراء، ووقع ما أخبر الله به: ﴿إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾ [الأنفال:٧٣].
3 / 12