إن معارف التجربة والاطلاع زرع في حقله ينتظر الحصاد والجمع والتخزين، ولا فائدة للحرث والسقي والرعاية ما لم تأت بعد ذلك ساعة التخزين ...
وهي ساعة الفراغ ...
ساعة هي ألزم لنا من ساعات العمل؛ لأن العمل كله موقوف عليها في النهاية، فلا ثمرة لأعمال الحياة بغير فراغ الحياة.
ولولا أننا نخشى أن يقدس الناس الفراغ لقلنا إن تاريخ الإنسانية من أوله إلى عهده الحاضر مدين لساعات الفراغ.
لقد عرف التاريخ الإنساني أقواما فارغين جنوا عليه بفراغهم أشنع الجنايات، ودفعوا به إلى الحرب تارة وإلى الفتنة تارة أخرى؛ لأنهم وجدوا أمامهم متسعا من الفراغ يعيشون فيه.
ولكننا - حتى مع هذا - لا نستغني عن ثمرات ذلك الفراغ جميعا دون أن نجازف بالجانب الصالح النافع من تاريخ الإنسان.
ماذا يبقى من تاريخ الإنسانية لولا الفارغون الذين اتسعت أوقاتهم للبذخ والترف بين الحلي والحلل في ظلال القصور؟
من كان يجوب الأرض ويمخر عباب البحر ليجلب الحرير والبهار، والحجر النفيس، والحجر الذي تبنى به الصروح؟
من كان يتعلم الملاحة؟ من كان يتعلم صناعة السفن؟ ومن كان يتعلم النسيج؟ من كان يستخرج اللآلئ، أو يبحث عن شذور الذهب والفضة؟ من كان يرسل القوافل، ويحذق فنون التجارة؟ من كان يرصد النجوم، ويدرس حركة الأفلاك في السماء؟
من كان يعرف هذه الأعمال التي يعيش عليها الملايين لولا ذلك الفراغ الذي تقدم به الزمن في تواريخ الأمم!
Halaman tidak diketahui