وأومن بالرغبة في الوجهة التي يتجه إليها الناشئ، والعمل الذي يختاره، ويحس من نفسه القدرة عليه، والاستعداد له مع الاجتهاد، والتذرع بالوسيلة الناجعة.
أومن بها مجتمعات، ولا أومن بها متفرقات.
أومن بالتشجيع والظروف والرغبة تتلاقى معا، وتتوافق في الخطوات الأولى ... ولا أومن بها متفرقة يتيسر بعضها ويتعذر سائرها في مستهل الطريق.
فكلمات التشجيع إذا امتنعت الظروف المواتية قلما تفيد، وكلمات التشجيع مع مؤاتاة الظروف تضيع كلها عبثا إذا امتنعت الرغبة في نفس الناشئ، ودل امتناعها على نقص الاستعداد أو على الرغبة في عمل آخر يضل عنه حتى يهتدي إليه في ظرف من الظروف.
واتجاهي إلى الصحافة - أو إلى الكتابة على الأصح - قد تلاقت فيه كلمات التشجيع مع مؤاتاة الظروف، والرغبة الكامنة في الطوية من أيام الطفولة، ولا أقول من أيام الصبا أو الشباب؛ لأنني عرفت أنني أحب الكتابة، وأرغب فيها قبل العاشرة، ولم أنقطع عن هذا الشعور بعد ذلك إلى أن عملت بها، واتخذتها عملا دائما مدى الحياة.
كان أستاذنا في اللغة العربية والتاريخ الشيخ فخر الدين محمد الدشناوي يعرض كراساتي التي أكتب فيها موضوعات الإنشاء على كبار الزوار لمدرسة أسوان، وكان كبار الزوار لهذه المدرسة أكثر عددا وأعظم شأنا من كبار الزوار لمدارس القطر كله؛ لأن أسوان كانت قبلة العظماء والكبراء من جميع الأرجاء في موسم الشتاء.
واطلع الأستاذ الإمام الشيخ «محمد عبده» على إحدى هذه الكراسات، فقال: «ما أجدر هذا أن يكون كاتبا بعد! ...»
فكانت هذه الكلمة أقوى ما سمعت من كلمات التشجيع، ولكنها جاءت بعد سنوات في القراءة، ومحاولة الكتابة، وإصدار الصحف التي تطبع على «البالوظة» ... ولا يقرؤها أحد غيري وغير تلميذين أو ثلاثة من الزملاء ...
كان والدي - رحمه الله - من أنصار الحركة العرابية، وتعلمت الأبجدية وكتابة الحروف الأولى وأنا أرى بين يدي أعداد مجلة «الأستاذ»، وغيرها من مجلات عبد الله نديم، ومعها أعداد قليلة من «أبو نضارة»، والعروة الوثقى، ونشرات الثورة التي كانت توزع في الخفاء.
وكنت أسمع على الدوام أخبارا في سير الكتاب الذين يصدرون هذه الصحف، ولا سيما عبد الله نديم.
Halaman tidak diketahui