فالحق أننا بين أمرين اثنين، لا ثالث لهما: فإما أن تكون الحياة جديرة بأن نحياها، وإما أن يكون الموت جديرا بأن نموته ... ولا خيار بعد هذا الخيار ...
وأحسب أن إيماني بالحياة لم يتبدل منذ نظمت تلك الأبيات، وقد كان إيمانا جديرا بالتقدير والتكرير في غاشية الضعف التي رانت على زملائنا من أبناء الجيل كله أو جله؛ لأنهم كانوا يتباكون، ويظنون أن البكاء علامة الظرف والذوق؟ ويشكون الحقيقة ويظنون أن جهاد الحياة شيء لا يليق بأصحاب المزاج «الرقيق».
وليس معنى هذا أننا لا نشكو من حالة من الحالات، فإن الدنيا ما خلت قط، ولن تخلو أبدا من أسباب الشكاية بسبب معقول أو غير معقول ... ولكننا نعني أن شكوى الطفل لأمه غير شكوى الرجل لنفسه، وأن الحياة حياتنا ... فنحن مسئولون عنها، ونحن نصلحها، ونعالج نقصها، ونجعلها أهلا لنا، أو جديرة بأن نحياها، وقولنا إن الحياة غير جديرة بأن نحياها مرادف لقولنا إننا نحن غير جديرين بالحياة ...
فلا نقل هذا ولا ذاك، ولنقل إن الحياة جديرة بأن نحياها فنراها كذلك ...
الفصل السابع
(1) طفت العالم من مكاني
أعتقد أن كبار الرحالين الذين تستحوذ عليهم رغبة ملحة في الطواف بين أرجاء العالم تملكهم على الرغم منهم «ملكة شخصية» يصح أن تسمى عبقرية السياحة، ويصح أن تتجاوز الحد فتسمى هوسة السياحة ...
وأعتقد أن هذه الملكة الشخصية مستمدة من ملكة قوية أصيلة في الأمة التي يخرج منها أولئك الرحالون المنقطعون للسياحة ...
لأن معظم الرحالين الكبار خرجوا من أمم قد تعود أبناؤها الرحلة، وشقت عليهم الإقامة الطويلة، كالعرب لأنهم من أبناء البادية، والفينيقيين والإغريق لأنهم يقيمون على الشاطئ، ويحتاجون إلى الملاحة، وكالبنادقة والبرتغاليين والإنجليز في العصور المتأخرة؛ لأنهم جميعا بحريون وملاحون ...
وأكثر الرحالين الكبار الذين اشتهروا في التاريخ، ونسب إليهم الفضل في الكشوف الجغرافية، هم من أبناء هذه الأمم، أو أبناء أمم تشبهها في البداوة والاشتغال بالملاحة ...
Halaman tidak diketahui