وانفجرنا ضاحكين.
قطعا هو لا يبدو مختل العقل وإن كان واضحا أنه في طريقه لاختلال عقله. وبوجه جاد صارم يحمل كل ما في هذا العالم من ندم يقولها. نام مع نملة. وانفجرنا ضاحكين.
وإلى الصباح التالي ظللنا نضحك. ونتذكر ملامحه وهو ينطقها فتصاب معداتنا بالمغص من فرط ما ننحني ونضحك.
وعلى رأي كليلة ودمنة، قلنا له في الصباح التالي، وكان تقريبا لا يزال على نفس جلسته وقرفصته وانكماشه على نفسه: وكيف كان ذلك يا أستاذ؟
لم يكن تبدو عليه سيما المعتقلين السياسيين. معظمهم كانوا مثقفين، حليقي اللحية والشارب، خريجي أو طلبة جامعات. هذا كان له شارب، أصفر وغزير ومتهدل على شفته العليا يكاد يلامس السفلى. وجهه خشن لا بد من كثرة مزاولته عمله خارج المكاتب والمنازل في الخارج حيث الريح والتراب ولفح الشمس. في الحقيقة لم نفاجأ حين قال لنا إنه عمدة. حين تستخرجها من الحالة التي كان عليها، والسكينة التي آلت إليها ملامحه وقوامه، وتفرده، وتوقفه، وقصيرة سيرته الأولى ويتبدى لك على حقيقته، تجد أنه حقا وصدقا لا بد كان واحدا من أولئك العمد من طراز: اخرس يا ولد. شهم كريم، يذبح للضيف خروفا إذا رأى، ويسافر إلى آخر الدنيا تلبية لنداء مستغيث. عمدة ومعتقل سياسي. جديدة جدا هذه المرة. والنكتة أن يكون شيوعيا مثلا ومن منظمة «ح.م» المغالية في شيوعيتها واتهامها لكل الشيوعيين الآخرين أنهم عملاء للبوليس السياسي. الأقرب للمعقول أن يكون واحدا من أعضاء الهيئة الوفدية، فليس هناك عمد في تنظيم الإخوان المسلمين، ولكن، لا تعجب أبدا إذا اتضح في النهاية، أنه ماركسي يؤمن بالمادية التاريخية، وربما قد قرأ رأس المال واللينينية.
في الليلة التالية ساءت حالته وارتفعت درجة حرارته وأصبح نبضه 140، وبدا وارم الوجه مختنق السحنة وكأنه سينفجر بعد قليل، انهلنا عليه بالأسئلة لنعرف منه ذلك الذي وصفه بأنه أوحش ما في الدنيا.
وتكلم ...
متقطع الأنفاس.
أخرج من صديريه البلدي الداخلي علبة سجائر «كرافن أ» عشرين سيجارة كاملة، وعزم علينا، ولم نصدق أنفسنا ونحن ننفث دخان الكرافن وبكل ما نملك وما أصبح لنا من طول بال نصبر على كلماته التي تخرج بعد عناء، ولهاثه بين الكلمات.
تكلم ...
Halaman tidak diketahui