وتنبهت إلى قوله كما يتنبه الحالم إلى صوت يوقظه، كان التأثر باديا عليه وصوته يتهدج وعيناه تلمعان، فذكرني بأيام التلمذة عندما كان يتدفق في حماسته للفكرة التي يقتنع بها، وبدأت أسأل نفسي أسئلة كثيرة وأنا أعبث بأصابعي كما كنت أفعل دائما إذا كنت مرتبكا أو سابحا في أفكار حائرة.
ولم أجرؤ بالطبع على أن أحدثه عن الامتحان الذي جئت إليه من أجله.
فاستأذنت بعد قليل وقمت لأنصرف.
فقال لي باسما: متى أراك يا سيد؟ أشكرك على هذه الزيارة وأرجو ألا تكون الأخيرة.
فقلت ضاحكا: ستراني أكثر مما تحب يا عبد الحميد.
فضغط على يدي قائلا: مرحبا بك دائما، وحاول إذا استطعت أن تكثر من زياراتك حتى أضيق بها.
الفصل السادس
انصرفت من عند عبد الحميد وذهني متقد بأفكار شتى، وكأن رأسي يدور وقلبي يشبه عصفورا في أسر طفل غرير يقذف به في عنف ويجذبه في قسوة.
كنت أسأل نفسي مئات الأسئلة التي لا أجد لها جوابا شافيا، وأخذت أسخر من الفكرة التي دفعتني إليها حيرتي، فهل أعود أدراجي لأكون مرة أخرى تلميذا وأتقدم للامتحان في البكالوريا؟ أهناك برهان أقوى من هذا على أني وقفت حقا عن النمو كل هذه السنين كأني فلاح مسكين في حقله والقطار السريع يمر به من بعيد؟
وأخذت أعيد على نفسي ما قلته وما قاله عبد الحميد. ليس الزمن سوى خرافة من صنع عقولنا نحن والحركة هي الحقيقة الوحيدة. كل شيء يتحرك حتى الحجارة، وأما أنا فإني لم أتغير وإن كان عبد الحميد يقول لي إني لا بد تغيرت.
Halaman tidak diketahui