وكانت صدمة شديدة ذكرتني بالتحقيق الذي بدأ فيه الضابط في دمنهور، ولم أملك نفسي من الضحك قائلا: أهي اللعبة المعروفة؟
فصاح غاضبا: أرجو أن تزن ألفاظك يا أستاذ.
فقلت مندفعا: أظن أني أعرف كيف أزنها؛ لأني أقصد ما قلته تماما: هي لعبة قديمة؛ لأن هذه ليست المرة الأولى التي أسمع فيها مثل هذه القصة، إننا نكتب للقائمين بالحكم ولسنا نقصد من وراء هذا أن نخاطب الملك، الملك لا يحكم كما هو نص الدستور، فماذا يدعوكم إلى تأويل قولي على أني أقصد الملك؟ فهل كلمة العهد لا تقال حقا إلا إذا قصد منها الملك؟
لو كنا في بلد تقول في صراحة: إن الملك يحكمها حكما مطلقا. لكان هذا القول الذي تقوله يا سيدي المحقق معقولا، ولكنا في بلد يزعم أن له حكومة دستورية مسئولة تعود عليها كل تبعات الحكم إذا كان فاسدا، الملك يحكم بواسطة وزرائه، ولا يعفي الوزير من المسئولية أن يوجه إليه الملك أمرا كتابيا يخالف القانون. أليس هذا هو الدستور؟ سلني إذا شئت عن البراهين التي تدل على أن هذا العهد تعس حقا تجد عندي من الأدلة ما يكفي للبرهان على أنه تعس قذر نجس. إن الأولى بالمحاكمة هم هؤلاء الجالسون في مقاعد الحكم، فلا تحاورني بالتعريج على ناحية العرش فإنها لعبة قديمة كما قلت.
فضحك المحقق ساخرا وقال: يظهر أنك قديم العهد بالتحقيق في معنى كلمة «العهد».
متى كان ذلك التحقيق؟
فوثبت على قدمي قائلا: هل دعيت إلى هنا لأسمع سخرية؟ ما تهمتي حتى أعرف في أي موضوع تسألني؟ أم هو تحقيق غير محدد يشمل كل تحقيق سابق لا علاقة له بالوقت الحاضر؟ أحب أن تثبت في هذا المحضر أني محتج على سؤالي في موضوع سابق لا تعرف عنه شيئا إلا من كلمة عارضة قلتها.
فقال في جمود: لك أن تقول كل ما تحب، وهذا الكاتب يثبت كل ما تجيب به، فقل لي الآن ماذا كان موضوع تهمتك الأولى.
فقلت في تحد: لم توجه إلي تهمة.
فقال: ألم تقل إنها لعبة قديمة، وإن مثل هذه التهمة وجهت إليك من قبل.
Halaman tidak diketahui