وحمل عامل المتجر ما اشتريت إلى السيارة، فنفحته بربع ريال ثم ركبت حتى وصلت إلى مدخل حارة الشيخ مصطفى، ولم تهمني نظرة السائق عندما أمرته بالوقوف هناك أمام حارة ضيقة قذرة، وطلبت منه في تعال أن يعود إلي قبل منتصف الساعة التاسعة من المساء.
ولم أجد صعوبة في حمل الربط التي اشتريتها؛ لأنها لم تكن ضخمة، وعرجت على بقال قريب من المنزل، فاشتريت منه رغيفا وبعض الجبن وعلبة من الفاكهة المحفوظة، وسرت إلى المنزل وأنا أتأمل في تفاهة الجنيهات المائة التي أحمل ما اشتريته بها في يدي اليمنى وتحت إبطي.
وقضيت بعد ظهر اليوم في الاستعداد للحفلة، فحلقت ذقني واستحممت وأكلت واسترحت إلى قريب من ساعة الغروب، ثم بدأت ألبس ملابسي من تحتانية وفوقانية، وشعرت بوقع خطوات فطومة خارج الباب، ولست أدري ما الذي جعلها تأتي إلي في تلك الساعة وأنا في ملابسي الأنيقة، فقد خجلت من الظهور بها أمامها.
ولما رأتني الفتاة وقفت أمامي تحملق في وجهي مندهشة، ثم شهقت وضربت صدرها بيدها، واندفعت نحوي تطوق عنقي بذراعيها قائلة: مبروك!
ولم أعرف كيف أرد هذه التحية العنيفة، وتمنيت لو كنت تذكرتها لأشتري لها هدية تفرح بها، وخطر لي بعد لحظة أن أهديها أحد المناديل الحريرية التي اشتريتها، فأخرجته من ربطته وقلت لها كاذبا: هذا المنديل هدية اشتريتها لك يا فطومة.
فمسحت يديها في ثيابها، وأخذت المنديل وهي تصيح في فرح قائلة: الله!
وجعلت تنظر إلى المنديل بعد أن نشرته أمام عينيها، وأخذت تصيح في فرحة عظيمة: «الله يخليك يا سيد أفندي.» ونفضته وثنته ونظرت إلى ألوانه معجبة، ثم جعلته حول كتفيها، وأمسكت طرفيه بيدها فوق صدرها، وتمايلت في تأنق إلى اليمين والشمال وهي تضحك قائلة: ألست أعجبك هكذا؟
وأخذت تسير متمايلة في الغرفة في زهو، ثم رفعت المنديل وشمت رائحته، وقالت في دهشة: الله!
رائحة الست هدى! ألا تعرفها؟
ولم أعرف من هي الست هدى؛ لأن فطومة كانت تغمرني في أحاديثها بأسماء لا حصر لها، ووددت لو انصرفت عني حتى أستعد للخروج، ولكني لم أجرؤ أن أطلب منها أن تخرج.
Halaman tidak diketahui