فقال في تحد: كأنك تريد الثورة.
فقلت في غيظ: أتريد أن ترهبني بهذا السؤال؟ نعم أريد الثورة ولا شيء غير الثورة.
فهز رأسه قائلا: أنا أخالفك هنا. الثورة الشعبية تدمر ولا تفكر، ولو فرضنا أن الثورة نجحت فإنها لن تجد الشعب الذي يحسن الاستفادة منها. قد نرضى عن الثورة التي تدمر إذا جنينا من ورائها خيرا، ولكن الثورة التي لا يستفاد منها لا تكون إلا شرا محضا.
فقلت في عناد: وماذا يمنع من أن نستفيد من الثورة؟ لقد قرأت كثيرا عن ثورات التاريخ، وتعلمت من ذلك حقيقة واحدة خالدة، نحن جميعا من البشر وفينا جميعا عناصر الخير والشر، وفينا عناصر القوة والضعف، في نفوسنا الأنانية والتضحية، وفينا الشجاعة والجبن، وفينا العدل والطغيان، نحن ننطوي في الوقت عينه على السماحة واللؤم وعلى السمو والإسفاف، من الممكن أن تتغلب علينا عناصر الشر التي فينا، كما أنه من الممكن أن تتغلب علينا عناصر الخير، العبرة بالقوة التي تثير هذه العناصر أو تلك.
فقال في هدوء: عظيم يا سيدي، ولكن هل نسيت أنك تجعل كل الأمور متوقفة على شرط غير موجود؟ أين هذا المحرك الذي يبعث عناصر الخير؟ هذا المحرك لا وجود له إلا في داخلنا، وعلينا أن نخلقه في الناس بالأدب والتربية.
فقلت في عناد: المسألة مثل الحلقة المفرغة، لن نستطيع أن نصلح داخلنا ما دامت السيادة في أيدي الأنذال والأشرار والسفلة.
ولا نستطيع أن نصلح أمورنا إلا إذا أصلحنا داخلنا، حلقة مفرغة لا نعرف أين طرفاها.
ليس أمامنا إلا أن نثور على هؤلاء السادة المفسدين لنخلع عنا نيرهم ونحل في محلهم من يثير في الناس عناصر الخير، نحن الشعب، نحن العبيد المحطمون، علينا أن نثور إذا شئنا أن ننجي أنفسنا من العار ونحمي ظهورنا من ضرب السياط، الثورة ولا شيء غير الثورة!
فقال صاحبي في نغمة حزينة: قد أوافقك إذا أمكن أن تكون الثورة عاقلة لا تهدم بل تبني وتضع الأمور في أيدي الحكماء لا الحمقى، ولكن هيهات!
فقلت في تبرم: هادئ مثل الملائكة!
Halaman tidak diketahui