ولو كانت كريمة رجلا لأصبحنا اثنين. ماذا أفعل؟ لو أبيت؟ لو قبلت؟
أيمكن؟ مستحيل، ولماذا لا؟ لا يمكن، مستحيل، لو فعلت لما تغير الوضع. إن إعلان الخطوبة سيربط اسمها بي، وتستطيع حينئذ أن تجد الفرصة أوسع في التشهير بي. ولكن هذه المرأة لا تخاف، ألا تخشى، كيف تقبل أن تتزوجني بالتهديد، إنها داهية. لقد قدرت أنني لو أسأت معاملتها فسيرميني الناس بالوحشية، إنها ستصبح زوجتي، لها علي حق الرعاية، ولا بد أيضا أن تكون دائما موضع الإجلال والاحترام، فإنها ستصبح حرم الباشا ناظر الوقف، طبعا الباشا، فكل من أصبح ناظرا على هذا الوقف نال الباشوية. أيمكن أن تكون حرم الباشا مهانة ذليلة؟ إنها داهية، ولكن الزواج، هذه الرابطة العجيبة التي لا تماثلها رابطة في العالم، كيف يمكن أن تقوم على تهديد؟ على غير رغبة من الطرفين؟ كم من زيجات تمت في مصر ولم يكن للزوجة رأي فيها، فليكن الزواج في هذه المرة والرجل مرغم، ولكن الرجل هو الذي يملك الأمر، يستطيع أن يجعل حياة زوجته قاتمة مريرة لا تحتمل، هذا ممكن إذا لم تكن الزوجة حرم الباشا ناظر الوقف.
ولكن ناظر الوقف يظل مع هذا رجلا، وللرجل سلطان أي سلطان، ماذا لو استعملت هذا السلطان؟ وهي على كل حال لم تهب نفسها لغيري، ولكن ابني، أي ابن؟ المفروض أن يكون لي منها أبناء، هذا الابن سيصبح ناظر الوقف من بعدي، كيف تكون أمه نازك؟ إن لم أتزوجها فلن يكون هناك وقف على الإطلاق وإن تزوجتها فلن تكون هناك رجولة على الإطلاق. عجيبة هذه الحياة، هل كنت أتصور أن أفكر أنا في زواج فتاة أسلمتني نفسها وكأنها تقدم لي كوب ماء؟ لا يستطيع الرجل أن يحافظ على المبادئ في حياته، لماذا لا يستطيع؟ أليس هو طمعي في نظارة الوقف الذي يرغمني على هذا الموقف؟ إنني أنا الذي أختار بين أن أكون رجلا أو أكون ناظر الوقف. هل أستطيع بعد ذلك أن أدعي أنني صاحب مبادئ؟ المبادئ لا تتجزأ، إما أن أحافظ عليها جميعا أو لا أحافظ عليها جميعا، ولكن من سيدري أنني لم أحافظ عليها، كريمة. كريمة لا تهم؛ فهي لن تفتح فمها، الوقف يضمن سكوتها، ولكن هل المبادئ هي التي يراها الناس أم التي أراها أنا؟ إنني أبحث عن نفسي أمام نفسي، لقد سمحت لنفسك أن تقيم هذه الصلة بينك وبين نازك فعليك أن تتحمل المسئولية. وهل أتحمل المسئولية لأنني أقمت معها هذه الصلة أم لأنها هي ترغمني على الزواج، وترغمني من أجل نظارة الوقف لا من أجل مسئوليتي، أستطيع أن أقول لنفسي أنني ... وهل تقبل نفسي، وهل أقبل أن ... أليس الأجدر بي أن أكون صادقا مع نفسي على الأقل، وما البأس أن يكون السبب هو هذا الواقع؟ ولكن، الوقف، أخي ، الوقف عظمة ورفعة، ولكن الرجولة وشعوري بالكرامة واطمئناني على بيتي، هذا هو الاختيار، عليك أن تختار بين الوقف بما فيه من جلال وعظمة وسلطان، وبين اطمئنانك على بيتك، مجرد اطمئنانك على بيتك، جيهان، إلهام، نديرة، الوقف. خيل العربة، لا بد أن أشتري خيلا للعربة، هل أشرب من نفس الكأس الذي سقيته لإلهام، ونديرة ما ذنبها؟ طلقت أمها، إنها هي التي رفضت أن تعيش معي بعد حكاية جيهان، أترى إن لم تكن إلهام متزوجة كانت تقبل أن تعود إلي الآن وأنا ناظر وقف؟ إلهام كانت تحب نامق؛ نامق الرجل، ولن تغريها نظارة الوقف، لقد حطمت معبودها ولن تعود للمعبود المحطم حتى وإن كان ناظر الوقف، نظارة الوقف لا تستطيع أن تصلح ما تحطم، وكم إنسان في الدنيا مثل إلهام، ونديرة، قد يسرها أن أصبح ناظر الوقف ولكن هذا لن يزيد حبها لي. خيل العربة، لا بد أن أشتري للعربة خيلا. نازك، كم أكرهك، أكرهك، أكرهك إلى درجة أني أحبك، أحبك، لماذا تجعلين من نفسك إرغاما لي؟ لماذا ترمين بنفسك إلى أتون محرق من الكراهية وأنت حبيبة، حبيبة؟ كيف سأحبك؟ وكيف سأكرهك؟ أي نوع من الحياة ستقوم بيننا؟ وهل ستقوم بيننا حياة؟
5
يضع الطربوش مستقيما على رأسه كأنه الطريق الذي يجب أن يسيره في الحياة، أبيض الوجه؛ ذلك البياض الذي ينم على تدخل العنصر التركي في أصوله، يميل إلى القصر بعض الشيء ويميل إلى السمنة بعض الشيء أيضا، عيناه بسيطتان لا عمق فيهما وإنما فيهما صراحة، يعرف طريقه تماما لأنه طريق لا التواء في ظاهره. دخل إلى مدرسة الحقوق؛ لأن طبقته كلها يجب أن تدخل إلى مدرسة الحقوق، سمع ناظر المعارف يقول لوالده: تصور أنني وجدت الموظفين عندي يقيدون اسم ابن أخيك في كلية الطب فنهرتهم وأمرتهم بتحويل أوراقه إلى كلية الحقوق، بلا كلام فارغ. ولم يكن محتاجا إلى هذا الحديث لتذهب أوراقه إلى كلية الحقوق، ولو كان قد ترك أوراقه لشأنها لاتجهت من تلقاء نفسها إلى كلية الحقوق. وحين تخرج اتجهت أوراقه من تلقاء نفسها إلى المحكمة المختلطة. طريق مرسوم وضحت معالمه منذ أعلنت الحاضنة أنه ولد، ولم يكن أبوه مختار بك صبحي محتاجا أن يرسم هذا الطريق؛ فالطريق مرسوم بطبيعة مولده، وهو يسير فيه لأنه لا يجد في نفسه رغبة أن يسير في طريق آخر، ولأنه يجده طريقا جميلا مفروشا بالتوقير والاحترام والمكانة اللائقة به وبمولده.
هذا كله عظيم، ولكن يبقى أنا بعد ذلك، جميل أن يحف بي التوقير والاحترام، وأن يستقيم الطربوش، ولكن أنا، يسري مختار، أحب النساء وأحب الكأس وأحب أن يمرح شبابي ويهنأ بما يهنأ به شباب الناس، أنا يسري مختار لا أمانع مطلقا أن يستقيم طربوشي ما دمت أسير بهذا الطربوش في الشارع، ولكن هنا في هذه الغرفة مع سميحة أحب أن أخلع الطربوش وأن أنسى المحكمة المختلطة و... - تأخرت البوسة. - الليل طويل. - ومع ذلك تأخرت البوسة. - أكمل كأسك. - أيمنع الكأس؟ - بالعكس. - لماذا المناقشة؟ - إن لم نتكلم فماذا نفعل؟ - ألا تعرفين ماذا نفعل؟ - الليل طويل. - أنقضيه في الكلام؟ - نقضي بعضه. - خلي الكلام للمحكمة. - أريد أن أتكلم. - خلي الكلام للمحكمة. - أليس لي الحق أن أريد؟ - رجعنا للكلام. - لا بد أن أتكلم. - أكره الكلام، أكره الكلام. - الكلام مهم. - كلام فارغ. - مهم. - قولي. - ماذا تنوي؟ - آخذ بوسة. - لا تهرب. - سألت وجاوبت. - لا أصدقك. - آخذ بوسة. - لا أصدقك. - وكيف أجعلك تصدقين؟ - لا أعرف. - ألا يمكن أن تعطيني بوسة إلى أن تعرفي؟ - لا تريد أن تكلمني جادا. - أقسم لك أن البوسة أعظم من أي كلام يقوله البشر. - ومصيري؟ - مرتبط بالبوسة. - ألهذا تأتي إلي؟ - وهل هذا قليل؟! - قد تزهد في. - لا تجعليني أزهد. - خائفة. - أنا لم أكذب عليك أبدا. - الوضع سيختلف. - أنا لم أكذب عليك أبدا. •••
حين كان نامق بك في مكتبه كانت عيناه شاخصتين إلى الجريدة لأنه لا بد أن يقرأ الجريدة، ولكن، ماذا سأفعل، سأراها اليوم، ولا بد اليوم أن أقول.
مختار بك صبحي بالخارج يريد أن يلقى سعادتك، نعم طلب مني موعدا، ماذا يريد هو الآخر؟ كالديك الرومي هو ، قل له يتفضل.
أقسم لك أن البوسة أعظم من أي كلام يقوله البشر. - أهلا سعادة البك. - أهلا نامق بك.
ماذا يريد، منتفخ كعادته، مؤدب كعادته، ذلك الأدب البغيض، إكسلانس، بغيض، لماذا تريد أن تتزوج مني رغم أنفي؟ الرجل يتكلم، اسمع ما يقول، طبعا لا بد من مقدمات، لا بد من كلام في السياسة؛ فأمثالنا لا بد أن يتكلموا في السياسة إذا ما التقوا، طبعا سيتكلم بعد ذلك في البورصة، بدأت البورصة، ثم الزراعة، لم ينته من البورصة، حديثها طويل، إكسلانس، البورصة ما تزال، ثم الزراعة، وبعد، وبعد الزراعة؟ - إكسلانس، جئت أخطب ابنتك نديرة لابني يسري.
Halaman tidak diketahui