عكفت على نادر تحيطه بكل نفسها؛ فما كان لها إلا نادر، وقد أرادت عن عمد أن يحس أن الحياة كلها هي أمه ولا حياة له إلا هي. عن عمد أحاطت به لتفصله عن أبيه. وعن فراغ أحاطت به لأنها أصبحت ولا شاغل لها إلا هو. حتى أخته لم تنل من رعايتها إلا أهون نصيب؛ فإن نادرة لن تصبح ناظرة للوقف، ونادر سيصبح ناظرا للوقف؛ فنادر هو كل شيء في حياتها، أو هو حياتها وهو مستقبلها.
تمر سنتان مثلما مرت السنوات الثلاث ويصبح نادر في السن التي لا بد معها أن يبدأ تعليمه.
ويصدر نامق أمره إلى صالح أن يتولى الإشراف على تعليم نادر.
وتحس نازك أن شخصا آخر سيشاركها في نادر ولكنها لا تستطيع أن تصنع شيئا، إلا أنها عزمت في دخيلة نفسها أن تلقى هذا الإنسان الذي سيشاركها ابنها مهما يكن الثمن، ولماذا يكون هناك ثمن؟ إنها ستدير الأمر، إنها فرصة رائعة لتلقاه وستلقاه. •••
كان ضمن موظفي الوقف رئيس حسابات كان يعمل مدرسا للحساب بمدارس الفرير ثم أحيل إلى المعاش، وكان صالح يثق فيه فعهد إليه أن يكون مدرس الحساب لنادر. - هل هناك ما يمنع أن أحضر ابني يأخذ معه الدرس ويتعرف به؟ - اسأل الباشا. ••• - لقد عهدت للأستاذ ميخائيل أن يدرس الحساب لنادر بك. - فكرة لا بأس بها. ولا تبخل عليه في المكافأة. - يريد أن يحضر ابنه ليأخذ الدرس مع نادر بك ويتعرف به. - وما البأس؟ إن نادر لا يكاد يعرف إلا أقاربه. •••
ويجتمع شمل نادر ونعيم.
ويختار ميخائيل بإشراف من صالح المدرسين الآخرين.
وتمضي الدروس في طريقها. كان نامق يريد لابنه أن يكون مثقفا لا متعلما، فكان كثيرا ما يسأل صالح عن سير الدروس، وكان من الطبيعي أن يقول المدرسون جميعا إن نادر نابغة عصره، فما كان يمكن لابن ناظر الوقف إلا أن يكون نابغة عصره. •••
تطلب نازك تليفون صالح في القصر، وما تكاد تقول له اسمها حتى يتولاه الهلع: لحظة يا هانم من فضلك.
ويهرع إلى الأبواب يسألها إن كانت تنصت، ويدور بالحجرة يتلمس الجدران، حتى إذا أصاب بعض الاطمئنان: تحت أمرك يا هانم. - أريد أن أسأل عن سير الدروس مع نادر. - عظيمة يا افندم، عظيمة، الكراريس دائما عندي وأراجع عليها يوميا. - أنا لا يكفيني هذا، أريد أن أرى كراريسه. - أرسلها يا افندم. - بل أريد أن أراك وهي معك لأناقشك في شأنها. - يا افندم. - هذا خير لك. - أفندم؟ - ألم تسمع؟ - بل سمعت تماما. - إذن؟ - أنا تحت أمرك. - وخل خديجة تزورني، إني أحب أن أراها. - أمرك يا افندم. - حين أجد الوقت مناسبا سأطلبك وأحدد مكان الزيارة وموعدها. - داخل السراي يا افندم؟ - أنت تعرف أنني لا أخرج. - أتقدرين خطورة هذا يا افندم؟ - مستقبل ابني أهم من أي خطورة. - أليس هناك طريقة أخرى؟ - لو كانت هناك ما لجأت إلى هذه. - أمرك يا افندم. •••
Halaman tidak diketahui