مقدمة
في كتاب العقد الفريد «١»، يتحدّث ابن عبد ربه عن الأمثال فيصفها بقوله بأنها «وشي الكلام، وجوهر اللفظ، وحلي المعاني، والتي تخيّرتها العرب، وقدّمتها العجم، ونطق بها في كل زمان، وعلى كلّ لسان، فهي أبقى من الشعر، وأشرف من الخطابة، لم يسر شيء مسيرها ولا عمّ عمومها، حتى قيل: أسير من مثل» .. ويتابع ابن عبد ربه رأيه قائلا: «وقد ضرب الله ﷿ الأمثال، في كتابه، وضربها رسول الله ﵌ في كلامه.
قال الله ﷿: يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ
«٢» وقال: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ
«٣» . ومثل هذا كثير في القرآن الكريم» .
ولا غرو، فالأمثال لدى جميع الشعوب، مرآة صافية لحياتها، تعكس بكل دقة وجلاء الصورة النقيّة لمعظم عاداتها وتقاليدها وعقائدها، كما تعكس بالتالي سلوك أفرادها ومجتمعاتها، بحيث غدت أو كادت أن تغدو، الميزان الرقيق لتلك الشعوب، في رقيها وانحطاطها وبؤسها ونعيمها وآدابها ولغاتها.
في هذا المجال، يقول الحسين بن وهب، في كتابه البرهان في وجوه البيان «٤»:
«وأمّا الأمثال، فإن الحكماء والعلماء والأدباء، لم يزالوا يضربون الأمثال ويبينون للناس تصرّف الأحوال، بالنظائر والأشباه والأمثال، ويرون هذا النوع من القول أنجح مطلبا،
1 / 5
وأقرب مذهبا.. ولذلك جعلت القدماء أكثر آدابها وما دوّنته من علومها، بالأمثال والقصص عن الأمم. ونطقت ببعضه على ألسن الطير والوحش. وإنّما أرادوا بذلك أن يجعلوا الأخبار مقرونة بذكر عواقبها، والمقدّمات مضمونة إلى نتائجها.. ولهذا بعينه، قصّ الله علينا أقاصيص من تقدّمنا ممن عصاه وآثر هواه فخسر دينه ودنياه، ومن اتبع رضاه فجعل الخير والحسنى عقباه، وصيّر الجنّة مثواه ومأواه.
فالأمثال، لها دلالة واضحة على حياة الأمة، فما بالنا بالأمثال العربيّة التي نمت بين أفياء أمتنا، وتناهت إلى أسماع الناس جيلا بعد جيل. إنها بلا شك تكشف عن طبيعة حياة العرب والمسلمين، وتجلي كثيرا من مظاهر هذه الحياة البسيطة أو المعقّدة، والتي لم يهتمّ بها الشعر كثيرا، عنيت بذلك صور الحياة اليوميّة المعاشة، التي يحياها الغني والفقير، والرجل والمرأة، وما ينهل بها من أسباب وأعمال وما يتداول فيها من حرف وما ينشأ عن ذلك من آلات وأدوات تطلبها ظروف العمل والكدح بصورة متعاقبة في البيئة الواحدة والبيئات المتجاورة.
حقّا إن العرب، بلغت شأوا لا يدرك في ضرب الأمثال، فسلكوا فيها كلّ مسلك، حتى أنه لم يخل كلام لهم من مثل في تضاعيفه. وكذلك زينوا بالأمثال فنون القول وتصاريفه. وهذا ما حدا باللغويين العرب، أن يجمعوا لنا منها قدرا كبيرا، منذ فجر التأليف في العربيّة. وقد تناولوها بالشرح والتفسير، كما جمعوا لنا قصصها التي حدثت بالفعل، أو حيكت حولها. فبينوا لنا موردها ومضربها، ورتبوها في ضروب متنوعة، ترتيبا وتبويبا.
فقد وجد الرواة والمؤرخون المسلمون الأوائل، أن الأمثال، لها قيمة عظيمة على صعيد التربية والتعليم والتثقيف والأخذ بالكلام البليغ والفصيح. ولذلك كانوا يحثّون تلامذتهم على حفظها، لأنهم كانوا يجدون فيها الأنغام اللغوية الصغيرة لأبناء جلدتهم أو دينهم، ينعكس فيها الشعور والتفكير، وعادات الأفراد وتقاليدهم على وجه العموم.
وكذلك يظهر فيها نموّ الحياة الاجتماعية في شرائح وطبقات، تمثل صعد مجتمعهم كافة.
وقد كان المفضل الضبيّ مربيا من جهة، وعالما لغويا من جهة أخرى. فهو مؤدب الخليفة العباسي المهدي بناء لطلب من أبيه أبي جعفر المتصور «١» .
1 / 6
وهو أيضا الرواية واللغوي ورأس المدرسة الكوفية «١» . ومن هنا فإن كتابه: أمثال العرب، يندرج في إطار هاتين المهمتين اللتين كان موكلا بهما.
إلى ذلك، فإن الأمثال كما يعرفها لنا أبو عبيد القاسم بن سلام (ت ٢٢٤ هـ/ ٨٣٨ م)، هي «حكمة العرب في الجاهلية والإسلام. وبها كانت تعارض كلامها، فتبلغ بها ما حاولت من حاجاتها في المنطق، بكتابة غير تصريح، فيجتمع لها بذلك ثلاث خلال:
إيجاز اللفظ، وإصابة المعنى وحسن التشبيه» «٢» .
فالحكمة تنتج عن التجربة. ولذلك نجد مجموعة الأمثال عند العرب، هي حصيلة تجاربهم في الحياة، التي كانوا يخوّضون فيها بكل قوة. أمّا أسلوب الكتابة للتعبير غير المباشر، فلم يكن إلّا صيغة من الصيغ الأسلوبية المستعملة في التمثيل للابتعاد عن السردية المتصلة عادة بالتقرير المباشر.
وإذا تأملنا الخلال الثلاث التي أشار إليها أبو عبيد القاسم بن سلام في صفة المثل وهي: الإيجاز وإصابة المعنى وحسن التشبيه، فهي توجز لنا التعريف الرقيق للمثل من الناحية الفنيّة.
«فإيجاز اللفظ» تعبير مصيب، لأن التعبير بالمثل عن تجربة أو موقف معين، أسهل في الصياغة من الناحية اللغوية، وأكثر اختصارا من التعبير التجريدي المباشر الخالي من التصوير. وإذا كان أبو عبيد يعدّ حسن التشبيه من سمات الأمثال، فإنه دون ريب، لا يفكّر إلّا في الأمثال التصويرية، على الرغم من أنه ملأ كتابه «الأمثال»، بمجموعة ضخمة من الحكم الصائبة من حيث معانيها «٣» .
والسؤال الذي يطرح نفسه باستمرار على الباحث، هو تقدير البعد التاريخي للأمثال العربيّة القديمة. وقد ذهب كثير من الباحثين العرب والأجانب، إلى إمكانية تقدير المسافة الزمنية للقصص وأمثالها، من خلال الحوادث التاريخية التي تشير إليها.
وعلى الرغم أن «فرايتاج» كان قد صنع جداول، رتب فيها الأمثال مع «قصصها»
1 / 7
ترتيبا تاريخيا، غير أنه سارع إلى القول في الفصل الذي عقده بعنوان: «العصر الذي نشأت فيه الأمثال» عن كتابه «أمثال العرب» فقال: «... لأن مثلا كهذا، لم يقل- كما هو واضح- قبل هذه الحادثة، كما أنه لم يستعمل بعدها زمنا طويلا. ولكن من يجرؤ على تحديد الزمن، الذي انتشر فيه هذا المثل» «١» .
وهناك من يشير إلى أن تكون مثل هذه الأمثال التاريخيّة مخترعة اختراعا، فنسجت خيوطها على ضوء هذه الأمثال، تماما كما ترتبط القصص التبريرية، ببعض أبيات الشعر العربي. وهي إشارة واضحة إلى إمكانية أن تكون هذه الوقائع التاريخية التي تحكيها هذه القصص المتصلة بالأمثال، وقائع حقيقية، أو وقائع مزيفة. وقد شكّ أكثر من باحث من المستشرقين بصحة نسبة هذه الأمثال إلى تاريخ العرب قبل الإسلام، وقالوا إنما هي دونت مع الشعر في العصر العباسي «٢»، بعد ما كانت قد جمعت في العصر الأموي.
فالأمثال وحكاياتها، كانت تشكل جزءا مهما من أدب المسامرة عند العرب في العصر الأموي. هذا الأدب الذي كان يتكوّن من أقاصيص القرآن الكريم والكتاب المقدّس وحكايات جنوبي الجزيرة العربية وأخبار السيرة النبويّة الشريفة والفتوحات الأولى وأيام العرب.
ولم يكن أدب المسامرة ولا الأمثال وحكاياتها أو الأيام وأخبارها، من صنع الخيال الشعبي، أو من صنع أعراب البادية، بل كان رواتها رجالا مشهورين مثل غسان بن ذهيل السليطي ومحمد بن كعب القرظي ودغفل وعبيد بن شرية، الذين كانوا يشكلون همزة الوصل بين أسماء البدو القدماء وأندية البلاطات الأموية.
وقد ذكر أن عبيد بن شرية الجرهمي حضر من الرقة إلى دمشق ليقص على الخليفة معاوية تاريخ العرب وقصص الأولين. وقد وضع كتابا في الأمثال ذكره كل من ابن النديم «٣» وياقوت الحموي «٤» .
1 / 8
ومن المؤلفين في الأمثال في العصر الأموي، صحار بن العباس أو «عيّاش» العبدي «١»، وكان مثقفا واسع الشهرة في عصر معاوية. كذلك تحدّث أصحاب التراجم عن «علاقة بن كريم» وهو عند البكري كرشم وعند ياقوت الحموي كرسم الكلابي «٢» .
وبرأينا أن هذه الكتب من الأمثال التي صنعت في العصر الأموي، لم تكن لتختلف كثيرا في ترتيبها ومضمونها وحجمها عن كتاب الأمثال الذي ألّفه المفضّل الضبيّ الذي يفيض بالقصص التعليليّة للأمثال.
ففي كتاب أمثال العرب للمفضل الضبيّ، تتجلّى لنا صورة الأديب والمربي، الذي يهتمّ بالقصص المسليّة. فنحن نجد في هذا الكتاب أجمل الأقاصيص والخرافات والأساطير. وهي تنتهي بعبارة مأثورة لأحد أبطالها، وهم عادة ما يكونون من زعماء القبائل والعشائر والشيوخ، أو من جماعة الشعراء والحكماء، أو من الحمقى والمغفلين.
كذلك فنحن نجد قصصا من أخبار أيام العرب، تتعلّق بشخصيّة تاريخيّة معروفة، ولكنها على العكس تماما من أيام العرب، فإنها ذات طابع قصصي محض. فالمكان والزمان غير واضحين. أمّا الجوّ العام للقصّة فهو غامض أيضا، ولا يتّضح وضوحا تاما أيضا.
ولذلك لم يجد فيها المؤرخون قيمة تاريخيّة، اللهم إلّا بالنسبة للأسماء والهيكل العام للحوادث.
وقد حذّر (كاسكل Quellen:ص ٣٣٣ من اعتماد المؤرخين عليها في التاريخ الحضاري، لأنها ليست دقيقة «٣» .
أما ما يجدر ذكره، فهو انتقال معظم قصص الأمثال التي أوردها المفضل الضبيّ، وإن لم تكن بكامل تفاصيلها- إلى مؤلفات اللغويين القدامى، من الكوفيين والبصريين. وقد أضيفت إليها تلك القصص التي رواها ابن الكلبي بأسلوبه البارع في صناعة الخرافات والأحاديث. وكذلك عمدته في أخباره الشرقي القطامي ويعرف بأبي المثنى الوليد بن
1 / 9
الحسين الكلبي الشامي الأصل. ولا ننسى عوانة بن الحكم الذي كان يقوم بدور مماثل لدور الشرقي بن القطامي، في رواية القصص «١» . وقد وضع كتاب سيرة معاوية بن أبي سفيان. ناهيك عن دور ابن دأب وهو عيسى بن يزيد بن بكر بن دأب (ت- ١٧١ هـ/ ٧١٧ م) الذي كان يضع الشعر وأحاديث السمر والأمثال وقصصها «٢» .
إننا إذ نقدّم هذا الكتاب: أمثال العرب للمفضل الضبي اليوم، إنما نعتبره الأصل الذي بنى عليه فيما بعد مصنفوا الأمثال كتبهم ومجاميعهم. وما دام الأمر كذلك باعتراف جميع الباحثين والمؤرخين، فحريّ بنا أن نعيره الاهتمام البالغ صنعة وتحقيقا وتدقيقا وفهرسة وتبويبا. حتى نتمكن من إخراجه بحلة علمية راقية ونفيسة معا في آن.
وأرجو أن يوفقنا الله إلى ذلك إنه نعم المولى ونعم النصير المحقق
1 / 10
المفضل الضبي في مدونات المترجمين
بالعودة إلى مدونات القدماء الكثيرة، وما كتبوه عن حياة المفضل الضبي، ارتأينا الاستئناس بما أورد كل من ياقوت الحموي في معجم الأدباء، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، وابن النديم في الفهرست.
أما من مدونات المترجمين المحدثين، فقد أوردنا ما كتبه كل من خير الدين الزركلي في كتابه الأعلام، وعمر رضا كحالة في معجم المؤلفين، وجرجي زيدان في تاريخ الآداب العربية، والمستشرق رودلف زلهايم في كتابه الأمثال العربية القديمة، والدكتور عبد المجيد قطامش في كتابه الأمثال العربيّة.
وقد آثرنا تقديم النصوص مع حواشيها ضنا بالفائدة التي يمكن أن تجتنى منها.
١- ياقوت الحموي. معجم الأدباء ١٩/١٦٤ «١» .
(المفضّل بن محمّد بن يعلى) أبو عبد الرّحمن الضّبّيّ، الرّواية الأديب النّحويّ اللّغويّ، كان من أكابر علماء الكوفة، عالما بالأخبار والشّعر والعربيّة. أخذ عنه أبو عبد الله بن الأعرابيّ، وأبو زيد الأنصاريّ، وخلف الأحمر وغيرهم وكان ثقة ثبتا. قال ابن الأعرابيّ: سمعت المفضّل الضّبيّ يقول: قد سلّط على الشّعر من حمّاد الرّاوية ما أفسده فلا يصلح أبدا، فقيل له
1 / 11
وكيف ذلك؟ أيخطىء في روايته أو يلحن؟ قال: ليته كان كذلك، فإنّ أهل العلم يردّون من أخطأ إلى الصّواب، ولكنّه رجل عالم بلغات العرب وأشعارها ومذاهب الشّعراء ومعانيهم، فلا يزال يقول الشّعر يشبّه به مذهب رجل ويدخله في شعره، ويحمل ذلك عنه في الآفاق فتختلط أشعار القدماء ولا يتميّز الصّحيح منها إلّا عند عالم ناقد، وأين ذلك؟
وعن إبراهيم بن المهديّ قال: حدّثني السّعيديّ الرّواية وأبو إياد المؤدّب قالا «١»: كنّا في دار أمير المؤمنين المهديّ بعيساباذ، وقد اجتمع فيها عدّة من الرّواة والعلماء بأيّام العرب وآدابها وأشعارها ولغاتها إذ خرج بعض أصحاب الحاجب فدعا المفضّل الضّبيّ الرّواية، فدخل فمكث مليّا ثمّ خرج إلينا ومعه حمّاد والمفضّل جميعا، وقد بان في وجه حمّاد الانكسار والغمّ، وفي وجه المفضّل السّرور والنّشاط، ثمّ خرج حسين الخادم فقال: يا معشر من حضر من أهل العلم، إنّ أمير المؤمنين يعلمكم أنّه قد وصل حمّادا الشّاعر بعشرين ألف درهم لجودة شعره، وأبطل روايته لزيادته في أشعار النّاس ما ليس منها، ووصل المفضّل بخمسين ألفا لصدقه وصحّة روايته، فمن أراد أن يسمع شعرا جيّدا محدثا فليسمع من حمّاد، ومن أراد رواية صحيحة فليأخذها عن المفضّل. فسألنا عن السّبب فأخبرنا أنّ المهديّ قال للمفضّل لمّا دعا به وحده: إنّي رأيت زهير بن أبي سلمى افتتح قصيدته بأن قال:
«دع ذا وعدّ القول في هرم»
ولم يتقدّم له قبل ذلك قول، فما أمر نفسه بتركه؟ فقال له المفضّل: ما سمعت يا أمير المؤمنين في هذا شيئا إلّا أنّي توهّمته، كان يفكّر في قول يقوله أو يروّي في أن يقول شعرا، فعدل عنه إلى مدح هرم وقال: دع ذا، أو كان مفكّرا في شيء من شأنه فتركه وقال: دع ذا فأمسك المهديّ عنه، ثمّ دعا بحمّاد فسأله عن مثل ما سأل عنه المفضّل فقال: ليس هكذا قال زهير يا أمير المؤمنين، قال فكيف قال؟ فأنشد:
لمن الدّيار بقنّة الحجر ... أقوين مذ حجج «٢» ومذ دهر
قفر بمندفع النّجائب من ... ضفوى أولات الضّال والسّدر
دع ذا وعدّ القول في هرم ... خير البداة وسيّد الحضر
1 / 12
قال فأطرق المهديّ ساعة ثمّ أقبل على حمّاد فقال له: قد بلغ أمير المؤمنين عنك خبر لا بدّ من استحلافك عليه، ثمّ استحلفه بأيمان البيعة وكلّ يمين محرجة ليصدقنّ عن كلّ ما يسأله عنه، فحلف له بما توثّق منه، فقال له: اصدقني عن حال هذه الأبيات ومن أضافها إلى زهير؟ فأقرّ له حينئذ أنّه قائلها، فأمر له وللمفضّل بما أمر به من صلة وشهرة أمرهما وكشفه. وللمفضّل من التّصانيف: كتاب الألفاظ، كتاب العروض، المفضّليّات وهي أشعار مختارة جمعها للمهديّ وفي بعض نسخها زيادة ونقص، وأصحّها الّتي رواها عنه أبو عبد الله بن الأعرابيّ.
٢- الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد: ١٣/١٢١ «١» .
(المفضل بن محمد الضبي) المفضل بن محمد بن يعلى، الضبي الكوفي. سمع سماك بن حرب، وأبا إسحاق السبيعي، وعاصم بن أبي النجود، ومجاهد بن رومي، وسليمان الأعمش، وإبراهيم بن مهاجر، ومغيرة بن مقسم. روى عنه أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء، ومحمد بن عمر القصبي، وأبو كامل الجحدري، وأبو عبد الله محمد بن زياد بن الأعرابي وأحمد بن مالك القشيري، وغيرهم. وكان علامة راوية للآداب والأخبار، وأيام العرب، موثقا في روايته، وفد بغداد في أيام هارون الرشيد وأخبرنا الحسن بن أبي بكر أخبرنا مكرم بن أحمد القاضي، وأخبرنا محمد بن عمر النرسي أخبرنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي. قال: حدثنا صالح بن محمد الرازي حدثنا محمد بن عمر القصى حدثنا مفضل بن محمد النحوي حدثنا سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس. قال قال رسول الله ﵌: «إن من الشعر حكما، وإن من البيان سحرا» أخبرني الحسين بن محمد بن جعفر الخالع- فيما إذن أن نرويه عنه- أخبرنا علي بن محمد بن السرى الهمذاني. قال: قال لنا جحظة قال الرشيد للمفضل الضبي: ما أحسن ما قيل في الذئب ولك هذا الخاتم الذي في يده وشراؤه ألف وستمائة دينار؟ فقال قول الشاعر:
ينام بإحدى مقلتيه ويتقى ... بأخرى المنايا فهو يقظان هاجع
فقال: ما ألقى هذا على لسانك إلا لذهاب الخاتم، وحلق به اليه. فاشترته أم
1 / 13
جعفر بألف وستمائة دينار وبعثت به إليه وقالت: قد كنت أراك تعجب به. فألقاه إلى الضبي وقال خذه وخذ الدنانير، فما كنا نهب شيئا فنرجع فيه. أخبرنا عبد الكريم بن محمد بن أحمد المحاملي أخبرنا علي بن عمر الحافظ قال: المفضل بن محمد بن يعلى بن عامر بن سالم بن أبي سلمى بن ربيعة بن زبان بن عامر بن ثعلبة بن ذؤيب بن السيد بن مالك بن بكر بن سعد بن حنبة. الرواية العلامة الكوفي. وجده يعلى بن عامر كان على خراج الري وهمذان والماهين «١» يروى المفضل عن عاصم بن أبي النجود القراءات والحديث، وعن أبي إسحاق السبيعي وسماك بن حرب وغيرهم. روى عنه علي بن حمزة الكسائي، ويحيى بن زياد الفراء وغيرهما.
٣- ابن النديم. الفهرست: ٧٥ «٢» .
أخبار المفضّل الضبّى أبو العباس المفضل بن محمد بن يعلى بن عامر بن سالم بن أبي الريال من بني ثعلبة بن السيد بن شبّه ويقال ابن أبي الضبي؛ هذا من خط اليوسفي. ويكنى أبا عبد الرحمن؛ من خطّ ابن الكوفي. ويقال إنه خرج مع إبراهيم بن عبد الله بن حسن، فظفر به المنصور فعفا عنه وألزمه المهدي. وللمهدي عمل الأشعار المختارة المسماة المفضليّات. وهي مائة وثمانية وعشرون قصيدة. وقد تزيد وتنقص وتتقدّم القصائد وتتأخر بحسب الرواية عنه.
والصحيحة التي رواها عنه ابن الأعرابي قال: وأول النسخة لتأبّط شرا:
يا عيد مالك من شوق وأبراق ... ومرّ طيف على الأهوال طرّاق
وتوفي المفضل سنة ... وله من الكتب؛ كتاب الاختيارات. وقد ذكرناه. كتاب الأمثال. كتاب العروض. كتاب معاني الشعر. «كتاب الألفاظ» .
1 / 14
٤- خير الدين الزركلي الأعلام ٧/٢٨٠ «٣»
(المفضّل الضّبّي (٠٠٠- ١٦٨؟ هـ ٠٠٠- ٧٨٤ م» المفضل بن محمد بن يعلى بن عامر الضبي، أبو العباس: رواية، علامة بالشعر والأدب وأيام العرب. من أهل الكوفة. قال عبد الواحد اللغوي: هو أوثق من روى الشعر من الكوفيين. يقال: إنه خرج على المنصور العباسي، فظفر به وعفا عنه. ولزم المهدي، وصنف له كتابه «المفضليات» وسماه الاختيارات. قال ابن النديم: «وهي ١٢٨ قصيدة وقد تزيد وتنقص وتتقدم القصائد وتتأخر بحسب الرواة عنه، والصحيحة التي رواها عنه ابن الأعرابي» . ومن كتبه «الأمثال» و«معاني الشعر» و«الألفاظ» و«العروض» «١» .
٥- معجم المؤلفين لعمر رضا كحّالة: ١٢/٣١٦ «٢» .
(المفضّل الضّبّي) (٠٠٠- ١٦٨ هـ/ ... - ٧٨٤ م) المفضل بن محمد بن يعلى بن عامر بن سالم الضبي (أبو العباس) أديب، نحوي، لغوي، عالم بالشعر وأيام العرب، من أهل الكوفة. لزم المهدي العباسي، وعمل له الأشعار المختارة المسماة المفضليات. من آثاره: معاني الشعر، الأمثال، الألفاظ، العروض، والمفضليات.
(خ) فهرس المؤلفين بالظاهرية.
1 / 15
(ط) ابن النديم: الفهرست ١: ٦٨، ٦٩، الأنباري: نزهة الألبا ٦٧- ٦٩، ياقوت: معجم الأدباء ١٩: ٦٤- ١٦٧، ابن حجر: لسان الميزان ٦: ٨١، ابن الأثير:
اللباب ٢: ٧١: البغدادي: هدية العارفين ٢: ٤٦٨، المامقاني: تنقيح المقال ٣: ٢٤٣، البغدادي: إيضاح المكنون ٢: ٢٧١، ٥٠٦، ٥٣٠.
Lichtenstadter:Encyclopedie de lislam III:٧٦٦، ٨٦٦، Brockelmaon:g،.I:٦١١، s، I:٦٣، ٨، ٩٧١
٨، ٦٣:I، s، ٦١١:L.
٦- جرجي زيدان. تاريخ الآداب العربية ٢/٤١٢ «١» .
(٢- المفضل الضبي توفى سنة ١٦٨ هـ) هو المفضل بن محمد الضبي، كان ثقة من أكابر الكوفيين أخذ عنه أبو زيد الأنصاري من البصريين لثقته. وقد أدرك المهدي العباسي فقربه وأدناه، فجمع له الأشعار المختارة التي سماها المفضليات كما جمع أبو تمام ديوان الحماسة. لكن هذا جمع الحماسة من كتب مدونة، وأما المفضل فأخذ أكثرها عن الألسنة. وهو غير المفضل بن سلمة اللغوي الآتي ذكره. وهذه مؤلفاته الباقية:
١- المفضليات وتسمى الاختيارات: وهي عبارة عن مائة وست وعشرين قصيدة، وقد تزيد أو تنقص حسب الروايات. طبعت في ليبسك سنة ١٨٨٥ وفي مصر. ولها شرح خطي في المكتبة الخديوية لأبي بكر بن الأنباري.
٢- كتاب الأمثال: طبع في الآستانة سنة ١٨٨٢.
وتجد أخباره في طبقات الأدباء ٦٧، والفهرست ٦٨، والعقد الفريد ١٣١ ج ٣.
٧- المستشرق رودلف زلهايم الأمثال العربيّة القديمة: ٧٢ «٢» .
1 / 16
(المفضل بن محمد يعلى الضبّي) وأقدم مؤلف لكتاب في الأمثال، من هذا النوع، هو المفضل الضبي الكوفي، (الذي سبق أن ذكر في صفحة ٢٩ وما بعدها) . انظر «بروكلمان.١٧٩ Gal ٨١١ ;SI: «وقد اشترك المفضل هذا في عام ١٤٥ هـ/ ٦٧٢ م، في الثورة التي قام بها «إبراهيم بن عبد الله بن الحسن»، أحد العلويين، ضد الخليفة المنصور «١» (١٣٦ هـ/ ٧٥٤ م- ١٥٨ هـ/ ٧٧٥ م) . ودخل المفضل السجن، بعد وفاة إبراهيم، وهزيمة الثوار، [٦٤] غير أن الخليفة عفا عنه، وعهد إليه بتأديب ولده المهدي، الذي صار خليفة بعد ذلك؛ فجمع المفضل لهذا الأمير مختارات من القصائد العربية القديمة، اشتهرت فيما بعد باسم «المفضليات» . وكان المفضل أديبا، ولم يكن لغويا؛ فكان يهتم بأيام العرب، وأنساب البدو، وعلى الأخص الشعر العربي. ولم تكن تعنيه قضايا النحو واللغة. وكان من بين تلامذته، من علماء الكوفة: ربيبه ابن الأعرابي (١٧) وأبو عمرو الشيباني (١٠)، ومن البصريين: أبو زيد الأنصاري (١٢) وخلف الأحمر. ولا يعلم بالضبط متى توفي المفضل، ولعله مات حوالي سنة ١٧٠ هـ/ ٧٨٦ م (الفهرست ٦٨ والخطيب البغدادي ١٣/١٢١ والمزهر [الطبعة الثانية] ٢/٤٠٥ و«فلوجل ١٤٢ Flugel «وغير ذلك.)
وقد نشر كتاب الأمثال، للمفضل الضبي في سنة ١٣٠٠ هـ في القسطنطينية (مطبعة الجوائب، في ٨٦ صفحة، وهي النشرة التي استخدمناها هنا)، ثم طبع عن هذه النشرة مرة أخرى في القاهرة، سنة ١٣٢٧ هـ/ ١٩٠٩ م. ويحتوي هذا الكتاب على مجموعة من الحكايات، والنتف التاريخية، والخرافات، التي تنتهي دائما بعبارة على لسان بطل القصة أو خصمه؛ فتصير هذه العبارة مثلا (يعبر عن ذلك بعبارات: «فأرسلها مثلا» أو «فذهبت مثلا» أو «فذهب قوله مثلا» أو «فصار مثلا» وما شابه ذلك) .
واعتاد المفضل الضبي أن يقدم لقصصه، بالعبارة العامة: «زعموا»، غير أنه يترك أحيانا هذا التقديم (ص ١٧ في الوسط)، أو يذكر المثل، ثم يذكر قصته (ذيل صفحة
1 / 17
٢٣؛ ص ٥٥ في الوسط) . ولا يروي المفضل في الكتاب عن غيره إلا نادرا، وممن روي عنهم فيه: أبو النجم حبيب بن عيسى (ص ٢١ في الوسط؛ ص ٢٢ في الوسط؛ ذيل ص ٤٤؛ ص ٦٧ في أعلى الصفحة)، وأبو عبد الله يزيد (ص ١٢ في الوسط) .
ويبدو أن كتاب الأمثال، للمفضل الضبي (حسب المطبوع منه بين أيدينا) قد دخلته إضافات، وتغييرات متأخرة. وعلى أية حال، فقد زاد فيه المتأخرون بعض الشروح، وتعرف أمثال هذه الزيادات بوضوح، في الأماكن التي يذكر فيها لغويون متأخرون عن المفضل؛ مثل: الكسائي (انظر فيما يلي ص ٢٧)، وابن الأعرابي (١٧): (ذيل ص ٩؛ ذيل ص ١٩ وانظر أيضا أعلى صفحة ٢٦ ووسط صفحة ٥٦ وذيل صفحة ٨٢) . كما يظن أن التفسيرات اللغوية الموجودة في صفحات: ٥؛ ١٢؛ ١٦؛ ٢٥؛ ٢٦ لم يكتبها المؤلف بنفسه.
ويحتوي الكتاب على مائة وستين مثلا تقريبا «١»، يمكن أن تقسم بقصصها، على النحو التالي: [٤٧] .
وضع المفضل الضبي- بوصفه من قبيلة بني ثعلبة بن السّيد بن ضبة (انظر:
«قستنفلد - (Tab.I: «في مقدمة كتابه، ثلاثة أمثال بقصصها، لضبة بن أدّبن طابخة بن إلياس بن مضر بن معد. وهناك أمثال أخرى، لقبيلة ضبة، في صفحات ٤- ٦؛ ١٤؛ ٧٧. كما روى المفضل كثيرا من الأمثال، وقصص الأمثال، لقبيلة تميم بفروعها الكثيرة (انظر: «قستنفلد (Tab.KundL: «في علاقاتها مع القبائل الأخرى وملك الحيرة (انظر فيما مضى ص ٩٣)، في صفحات: ٥- ٢٥؛ ٤٨؛ ٨١. وهو يذكر بالتفصيل أمر «داحس» وما يتعلق بها من أمثال وقصائد (ص ٢٦- ٤٤ الميداني ٢/٤٩- ٥٦)، وقد استغرق ذلك في طبعة الجوائب، فصلا كاملا مستقلا (وربما كان إضافة متأخرة) . وفيما عدا ذلك، توجد أمثال وقصص للأمثال، لبني ذبيان (ص ٤٤- ٤٦؛ ٤٨- ٤٩) وبني وائل (ص ٥٤- ٦١؛ ٦٢ وبعضها يتعلق بحرب «البسوس» انظر: «كاسكل Quellen: «ص ٣٣٦) وإياد (ص ٤٥- ٤٦؛ ٦١) وطيء (ص ٥٠: ٥٢- ٥٣) وقضاعة (ص ٥٤؛ ٦٢؛ ٧٩) وجحينة (ص ٥٤) وكلاب (ص ٦٢؛ ٧٨؛ ٨٠) وطسم (ص ٧٤) وكلب (ص ٧٤- ٨٢)
1 / 18
وقريش (ص ٨٠) وخزيمة (ص ٨٠) . ويورد المفضل الضبي كذلك، أمثالا وقصصا للأمثال، للزّبّاء وجذيمة (ص ٤- ٦٨)، ولقمان وقبيلته عاد (ص ٦٩- ٧٦) واللخميّين: (انظر فيما مضى ص ٩٣) والمنذر بن ماء السماء (ص ٨؛ ٢٠؛ ٥٠؛ ٥٢؛ ٦٨؛ ٧٩) وابنه عمرو (ص ٨٢) وحفيده امرىء القيس بن عمرو (ص ٨٢) وابن حفيده النعمان بن المنذر (ص ٧؛ ١٢؛ ١٥؛ ٧٦- ٧٧) والغسانيين:
غسان (ص ٥٤) والحارث بن جبلة (ص ٤٨؛ ٥٠؛ ٥٤؛ ٧٩) ورجل من الغساسنة لم يسمه (ص ٦٣) . هذا إلى بعض الأمثال، التي ترجع إلى الشعراء: امرىء القيس (ص ٥٢- ٥٤) وطرفة والمتلمس (صحيفة المتلمس ص ٨٢- ٨٤ وانظر:
«بلوخ» ص ١٨٥ هامش ١٣) والنمر بن تولب (ص ١٨) ومسافر بن أبي عمرو (ص ٧٧) والحطيئة (ص ٦٢) . ويندر أن يورد المفضل الضبي أمثالا (وقصصا للأمثال) لرجال أو نساء، لم يسمهم (ص ٤٧؛ ٤٨؛ ٥٢؛ ٥٣؛ ٧٦؛ ٧٨؛ ٧٩؛ ٨٠؛ ٨١؛ ٨٢؛ ٨٤؛ ٨٥)، أو لم يذكر قبائلهم (ص ٨١ دغة) .
وهكذا نرى أن المفضل الضبي، قد جمع في كتابه قصصا تماثل أخبار أيام العرب (انظر؛ «كاسكل Quellen: «ص ٣٣٥)، التي دارت رحاها في شرقي الجزيرة العربية، ووسطها على الأخص. [٤٨] والحصيلة التاريخية لهذه القصص، ضئيلة جدا، كما سبق أن ذكرنا ذلك في صفحة ٣٠، وفي كثير من الأحيان، تبدو بوضوح الخاصية التبريرية (atiologischer Charakter) في هذه القصص. وعلى ذلك، فكتاب المفضل الضبي، عبارة عن مجموعة من القصص، تفسر الأمثال وما يحيث بها. وترجع بعض الحكايات إلى مصدر أجنبي، غير عربي؛ مثل؛ قصة الزّبّاء (زنوبيا)، وقصة زواج لقيط بن زرارة (ص ٢٠ وانظر كذلك: الأغاني ١٩/١٣٠)، وقصة ولادة عمرو بن عدي (انظر: «كاسكل»: جمهرة ابن الكبي ٢/١٦٨) العجيبة (وكيف أن الجن أغوته في شبابه، ثم ملك تاج الحيرة فيما بعد- ص ٦٧ وما بعدها)، وأخيرا حكاية المتلمس وطرفة (صفحة المتلمس- ص ٨٣ وما بعدها) .
ومثل ذلك قصة «بيت الحائض»، المذكورة في صفحة ٢٤/٢٠ فإنها ترجع هي الأخرى إلى مصدر أجنبي (انظر: «كاسكل Qullen: «ص ٣٣٣ وكتاب «سميث W.Robertson Smith «بعنوان DieReligionen der Semiten توبنجن ١٨٩٩) . وقد رويت بعض القصص بضمير المتكلم، في بعض أجزائها (ص ٤٩/١؛ ص ٥٩/١٦) . وكثير من هذه القصص محشو بالأشعار، لشعراء معروفين أو مجهولين. كما
1 / 19
تبدأ بعض الحكايات بذكر بيت من أبيات الشعر (انظر «كاسكل Aiyam: «ص ٦٦ وما سبق في صفحة ٣٤ وما بعدها)، ولا يعلم إلى أي حدّ نصيب المفضل الضبي، في ذلك كله.
والقصص التي جمعها المفضل الضبي، في كتابه الأمثال (بالإضافة إلى الأمثال نفسها) قد نقلها عنه المتأخرون، من المؤلفين في الأمثال، وإن لم تكن بتفاصيلها، فيما عدا حوالي ٣٠ مثلا بقصصها، لا توجد في كتب الأمثال، حتى ولا في مجمع الأمثال للميداني. وفي كتاب أبي عبيد الضخم، في الأمثال، الذي ألف عقب وفاة المفضل الضبي، توجد قصص المفضل المعروفة «١»، إلى جانب أخرى تروى عنه، ولا وجود لها في كتابه «٢» . ولا يرجع سبب ذلك- فيما أعتقد- إلى أن نص المفضل قد وصل إلينا مختصرا؛ بل إلى أن المفضل [٤٩] أراد أن يضمن كتابه، مختارات مما جمعه. ولا بد أن حكاياته كانت محبوبة ومعروفة. هذه الحكايات التي ربما كان أبو عبيد يرى في بعضها، النسبة الكاذبة إلى المفضل الضبي. ولعل ما يدل على ذلك، تلك العبارة المتغافلة، التي يقدم بها أبو عبيد، للقصص التي يحكيها عن المفضل؛ مثل: حكي عن المفضل؛ روي عن المفضل؛ ما بلغنا عنه ... وما أشبه ذلك.
وهو مع الرواة الآخرين، أكثر دقة في تبيين طرق الرواية.
وكان كتاب الأمثال، للمفضل الضبي، موضع دراسة علماء الكوفة في مجالسهم؛ فقد قرأه (كما في طبعة الجوائب ص ٤) الطوسي، على ربيب المفضل وتلميذه:
محمد بن زياد الأعرابي. وكان ابن الأعرابي (١٧) قد ولد بالكوفة، لرجل من موالي عباس بن محمد الهاشمي، أصله من السند، واشتهر هناك فيما بعد بأنه لغوي بارع ورواية ثقة (توفي ٢٣١ هـ/ ٨٤٥ م عن ٨١ عاما. انظر طبقات الزبيدي ٢١٥ وابن الأنباري
1 / 20
٢٠٧ وابن خلكان ٣/٢٣ و«بروكلمان (GALI ٩١١): «ويظهر اهتمامه بالأمثال، لا في أنه روى أمثال المفضل فحسب، بل في أنه ألف كتابا، لم يصل إلينا، واسمه:
«تفسير الأمثال» والفهرست ٩٩: «تفسير القبائل» وحاجي خليفة ١/١٥٠) . وكثيرا ما يذكر ابن الأعرابي أيضا، لدى جماع الأمثال المتأخرين، عند تفسير بعض الأمثال، وكذلك عند الأدباء؛ مثل القالي في كتابه الأمالي ١/١٩٥. أما علي بن عبد الله بن سنان التيمي، الملقب بالطوسي (الفهرست ٧١ وياقوت ٥/٢٢٩ و«فلوجل «١٥٦ و«بلاشير» ١١٣) فكان أكثر تلامذة ابن الأعرابي، أخذا عنه، كما روى كذلك عن أبي عبيد. وقد دبت العداوة بينه وبين ابن السكيت (١٩)؛ لأنهما اختلفا بعد وفاة شيخهما: «نصران الخراساني» (الفهرست ٧) في رواية كتبه اختلافا كبيرا.
وقد احتفظ لنا ابن خير الإشبيلي (انظر فيما يلي ص ٨٦) في فهرسته (ص ٣٨٤) بسلسلة أخرى مفصلة، لرواية كتاب الأمثال، للمفضل الضبي، تبدأ من ابن الأعرابي، عن طريق الأحول (انظر فيما يلي ص ٤٨ هامش) وثعلب (٢٨) ونفطويه (٢٩) وأبي بكر بن شذان (انظر فيما يلي ص ٨٤ هامش) وأبي ذر عبد بن أحمد الهروي، وأبي سعيد الوراق، وعبد الله بن محمد، حتى تصل إلى عبد الملك بن محمد بن هشام، شيخ ابن خير. [٥٠] .
٨- الدكتور عبد المجيد قطامش. الأمثال العربية «١»: ٤٨.
كتاب الأمثال للمفضل بن محمد الضبي المفضل الضبي راوية أديب، من علماء الكوفة الأفذاذ، كان عالما بالأخبار والشعر والعربية «٢»، وهو أوثق من روى الشعر من الكوفيين «٣»، ويذكر ابن النديم أنه خرج مع إبراهيم بن عبد الله بن حسن، فظفر به المنصور فعفا عنه، وألزمه المهدي، فعمل له
1 / 21
الأشعار المسماة «المفضليات» «١» وكانت وفاته نحو ١٧٠ هـ.
ومن حسن حظنا أن كتابه في الأمثال قد أفلت من قبضة الضياع فوصل إلينا، فكان بذلك أول كتاب نقرؤه في الأمثال العربية «٢» .
والكتاب صغير الحجم إذا قيس بما ظهر بعده من كتب الأمثال، إذ يشتمل على مائة وسبعين مثلا فقط، منها ثمانية على وزن (أفعل من) .
.. وأهم ما لا حظناه عليه أنه مفعم بالوقائع والأحداث الجاهلية التي تدور حول سادة القبائل والعشائر وشيوخها وشعرائها، والتي يتصل بعضها بأيام العرب في الجاهلية.
وقد أحصى المستشرق الألماني «زلهايم» هذه القبائل والعشائر وهؤلاء الشعراء في كتابه القيم عن الأمثال العربية القديمة «٣» .
ويبدأ الكتاب بقصة ضبّة بن أدّبن طابخة وابنيه سعد وسعيد، وما أرسله ضبة خلالها من الأمثال الثلاثة المشهور (أسعد أم سعيد؟ إن الحديث ذو شجون، سبق السيف العذل: «٤» وينتهي بخرافة «الحية والفأس» التي قيل فيها المثل السائر (كيف أعاودك وهذا أثر فأسك) «٥» .
وبين بدايته ونهايته تفصيل واف لبعض أيام العرب في الجاهلية، والوقائع التي حدثت فيها، وما قيل فيها من أمثال وأشعار، كحروب داحس والغبراء، وحرب البسوس.
وبينهما كذلك تفصيل دقيق لقصة الزبّاء وجذيمة الأبرش، تتخلله الأشعار والأمثال التي بلغت اثني عشر مثلا. وينطوي الكتاب كذلك على أخبار شتى عن لقمان العادي، تساق خلالها الأمثال التي أطلقها أو التي تتصل بهذه الأخبار. وفيه أخبار عن الشعراء:
1 / 22
امرىء القيس، وطرفة، والمتلمّس، والسّليك بن سلكة، والنّمر بن تولب، والحطيئة.
وإذا قرأت الكتاب أحسست، لأول وهلة، أنه كتاب أخبار وأشعار وأنساب قبل أن يكون كتاب أمثال، ووجدت فيه قرابة المائة حادثة، سردت سردا قصصيا، يجيء خلاله، أو عقبه، المثل أو الأمثال، والبيت من الشعر أو الأبيات.
وقد اعتاد المفضل أن يقول عقب كل مثل عبارة من تلك العبارات المأثورة، وهي «فأرسلها مثلا» أو «فذهبت مثلا» أو «فصارت مثلا»، وهذا يشعر بأن الحادثة هي الأصل عنده، وفي أثناء سردها يجيء ما يتصل بها من أمثال وأشعار.
وهذا المسلك يذكرنا بما جاء في كتب الأخبار والتاريخ والأنساب من وقائع وأحداث، لم ينس مؤلفوها أن يذكروا معها ما يتصل بها من أمثال سائرة وأشعار.
ونضرب لذلك مثالا قوله في «حروب داحس والغبراء»: «وكان من أمر داحس وما قيل فيه من الأشعار والأمثال أن أمه كانت فرسا لقرواش بن عوف بن عاصم بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، يقال لها: جلوى، وأن أباه ذا العقال كان لحوط بن أبي جابر بن أوس بن حميري بن رياح بن يربوع بن حنظلة بن مالك، وإنما سمي داحسا أن بني يربوع احتملوا ذات يوم سائرين في نجعة ...» «١» ثم يذكر سبب التسمية، وينتقل إلى ذلك السبب في هذه الحروب، ووصف وقائعها التي استمرت أربعين عاما، ذاكرا خلال ذلك ما قيل فيها من أشعار وأمثال، إلى أن يقول: «تمّ حديث داحس، والحمد لله رب العالمين» «٢» .
وهذا المنزع في تناول الأمثال العربية يتفق وطبيعة المفضل ومواهبه، إذ كان بارعا في الرواية، ماهرا في معرفة أشعار العرب وأخبارهم القديمة، ولم يكن رجل غريب ولا نحو ولغة «٣»، ومن ثم لم نجده يفسر كلمة غريبة واحدة من كلمات أمثاله التي تبلغ المائة والسبعين.
وكل هذا يجعلنا لا نتردد في أن نضع هذا الكتاب إلى جانب كتب: صحار وعبيد
1 / 23
وعلاقة والشرقي، ونسلكها في سلك واحد، فتصبح لدينا خمسة كتب تتشابه في طريقة تناولها للأمثال العربية.
ولم يلبث كتاب المفضل أن صادف قبولا كريما لدى العلماء، فأقبلوا على قراءته، واعتمد عليه كثير ممن أتى بعده من مدوني الأمثال، واقتبسوا منه قصص الأمثال وأخبارها وأوائل من قالها.
ويكفي أن نذكر من المتقدمين الذين اعتمدوا عليه القاسم بن سلام، الذي نقل عنه في سبعة وخمسين موضعا، ومن المتأخرين أبا الفضل الميداني، الذي صرح في مقدمة كتابه بأنه رجع إليه فقال: «ونظرت فيما جمعه المفضل بن محمد، والمفضل بن سلمة» ثم نقل عنه في مواضع كثيرة من كتابه.
وكما انتشر الكتاب في المشرق انتشر في الأندلس، إذ يذكر أبو بكر محمد بن خير الإشبيلي (ت ٥٧٥ هـ) أن كتاب المفضل كان معروفا في الأندلس «١» .
1 / 24