فقالت دنانير: «إذا لم يأت غدا أرسلنا في طلبه من المدائن.»
فقالت ميمونة: «غدا أذهب إليها مع جدتي وأرجو أن نجده في منزله.»
قالت دنانير: «ستتحملان المشقة في هذا الأمر، و...»
فقطعت عبادة كلامها قائلة: «لا مشقة علينا في ذلك، ولا نظن أحدا يعرف مكانه مثلنا؛ لأننا نعرف البلدة ونعرف بيته فيها، فإذا لم يأت الليلة أو صباح غد، ولم يأت سلمان بخبر عنه، ذهبت أنا وميمونة للبحث عنه هناك.»
قالت دنانير: «بارك الله فيكما، سننتظر إلى غد والاتكال على الله، فإذا لم يكن بد من ذهابكما فليكن ذلك في بعض سفن القصر ومعكما النوتية والخدم. ولولا إصرار مولاتنا على الاستشفاء بدواء هذا الطبيب لكان لنا غنى عن هذه المشقة ببعض أطباء القصر.»
وأصبحوا في اليوم التالي وزينب أحسن حالا، أما ميمونة فألحت على جدتها أن تصر على الذهاب إلى المدائن قياما بخدمة أهل القصر لقاء حسن وفادتهم، فأطاعتها جدتها وألحت على دنانير أن تأمر بإعداد حراقة تسيران بها إلى المدائن، فأمرت قيم القصر بإعدادها فأعدت عند الظهيرة وفيها النوتية وبضعة من غلمان القصر، فركبتاها وأشارت عبادة إلى الربان أن يسير جنوبا فأدار الدفة ونشر شراع الحراقة فسارت وميمونة جالسة في مقعد تشرف منه على الشاطئ الأيسر لعلها ترى بهزاد مارا على جواده في البر، بينما وجهت عبادة التفاتها إلى النهر لعلها تراه في سفينة.
وظلت الحراقة سائرة بهم يساعدها مجرى النهر أكثر مما يساعدها الشراع على الإسراع.
على أن ميمونة كانت تستبطئها وتكاد تحسبها واقفة لفرط رغبتها في الوصول. وكانت عبادة جالسة بالقرب منها صامتة، وكل من في الحراقة سكوت لا يسمعون غير صوت ارتطام الماء بمقدم السفينة. ثم سمعوا ضوضاء وجلبة وراءهم فالتفتت ميمونة فرأت حراقة تسير في أثرهم مسرعة، فتفرست فيها فرأتها جميلة الصنعة عليها نقوش مذهبة ومقدمتها على شكل الفيل بخرطومه ونابيه، فاستغربت منظرها ولفتت نظر جدتها إليها، فقالت هذه: «إنها حراقة الخليفة الأمين. وللأمين خمس حراقات على صورة الأسد والفيل والعقاب والحية والفرس أنفق فيها مالا كثيرا.»
فخفق قلب ميمونة وتصاعد الدم إلى وجهها فتوردت وجنتاها ثم ذهب الاحمرار فجأة وامتقع لونها وصاحت: «ويلاه ... إني أرى أصحاب الحراقة سائرين في أثرنا، ماذا يريدون منا؟»
فأشارت عليها جدتها أن تستتر بالسارية، وأسرعت إلى ربان حراقتهم فأمرته أن يحل الشراع ويسير على مهل متجها إلى الشاطئ ويفسح الطريق للحراقة التي خلفهم. فأدار الرجل الدفة والتفت عبادة بنقابها وانزوت بجانب ميمونة. وكانت حراقة الأمين قد دنت منهم فعرفتا أنها تحمل جندا وعيارين، وسمعت رجلا يقهقه قهقهة السكارى ويقول: «هذه غنيمة باردة!»
Halaman tidak diketahui