قال: «أتذكر حديثك في قصر المنصور لما سألتك عن القتال بيني وبين أخي فبشرتني بالنجاح؟»
فأطرق كأنه يفكر ثم قال: «لو راجع مولاي ما قلته يومئذ لتحقق صدق قولي؛ فقد قلت إن العلم يدلني على أن الفئة التي فيها الفضل هي الغالبة، فهل ذهب الفضل في تلك الحملة؟»
فانتبه الأمين لذلك وقال: «نعم لم يذهب، وقد أردت أن أرسله مع الحملة الثانية فتنصل، ولما ألححت عليه خاف التبعة فاختفى ولم أعد أراه ولا أعلم أين هو.»
فهز سلمان رأسه متعجبا، ثم أطرق هنيهة وهو يحك جبينه بسبابته وقال: «بل أرى المندل قد صدقني أيضا؛ فإن وزير أخيك في خراسان اسمه الفضل، وهو أقوم على نصرته من قيام هذا الفضل على نصرة أمير المؤمنين. إني واثق من صحة ما أعلمه، وإذا ظهر خطأ فإنما يكون في فهم ما يظهر لنا من النتائج.»
فصدق الأمين قوله وزادت ثقته به وقال له: «والآن لا أخفي عليك أني قد فرغت يدي من الرجال وخزانتي من الأموال، حتى ضربت ما في قصوري من آنية الذهب والفضة نقودا وأعطيتها لرجالي، وبعت الآنية الثمينة وفرقتها فيهم، وجمعت ما استطعت جمعه من أموال التجار لأسترضي جندي، ولكن هذا كله لم يفدني شيئا وأصبحت كما ترى.» قال ذلك وغص بريقه. ورأى سعدون دمعتين تتلألآن في عينيه فلم تتحرك شفقته أو حنوه، وإن أظهر ذلك احتيالا للوصول إلى غرضه. وكان يود استفحال الأمر بين الأخوين حتى لا تذهب مساعي الفرس عبثا، فأبدى أسفه لما سمعه من حال الأمين وقال: «ألم تبحث عن المال في قصر أخيك، فقد علمت بمال حفظه نوفل خادم القصر من أيام مولانا الرشيد؟»
فقطع الأمين كلامه قائلا: «كان عند نوفل هذا ألف ألف درهم أخذناها مع الضياع والغلات.»
فأطرق سعدون وقد سره تضعضع الأمين، ثم قال: «أنت تطلب المال لإرضاء الجند، وفي بغداد جند يحارب بلا عطاء ويأخذ عطاءه مما يغنمه.»
قال: «أظنك تعني العيارين والشطار؟»
قال: «نعم، فهؤلاء يحاربون عراة وسلاحهم المقاليع ومخالي الخوص يحملون بها الحصى يرمون بها الناس فتؤذيهم أكثر مما تؤذيهم السيوف والرماح. وفي بغداد اليوم من هؤلاء نحو خمسين ألفا فأمر زعيمهم أن يجندهم.»
قال: «أتظنني غافلا عن ذلك؟ كان الهرش عندي الساعة وقد أمرته بإعدادهم فوعدني بأن يفعل، وأظنه سيجمع من تصل إليهم يده من باعة الطريق وأهل السجون والأوباش والطرارين وأهل السوق. وهؤلاء إذا قاموا خربت المدينة، ولكن ...» وسكت.
Halaman tidak diketahui