Amin Khuli dan Dimensi Falsafah Pembaharuan
أمين الخولي والأبعاد الفلسفية للتجديد
Genre-genre
التفكير العلمي
والعلاقة بينه وبين الاستنارة الدينية
1
مهما تمخضت مسالك العلماء في النهاية - أو في تطبيقاتها - عن إنجازات تلغي الزمان والمكان، كالسفر بسرعة الصوت والتواصل بسرعة الضوء، وغزو الفضاء والذرة وتحويل مجاري الأنهار، اخضرار الصحاري، ومقاومة الأمراض، ومداواة العاهات الجسدية والنفسية والاجتماعية، تتابع أجيال الحاسوب، ثورة الهندسة الوراثية واستنساخ الكائنات الحية، مهما تحققت إنجازات تتضاءل بجوارها معجزات الأساطير، فسيظل المغزى الأعظم لمسلك العلماء أنه بلورة مستصفاة وتجسيد متعين لتعقيل السير نحو الهدف، لطريقة التفكير المثمرة السديدة الملتزمة بالواقع والوقائع، والتي تعرف باسم التفكير العلمي.
وكل لحظة تشهد بتصديق مستديم على أن التفكير العلمي هو أنجح وسيلة امتلكها الإنسان للسيطرة على واقعه. إنه السبيل إلى الظفر المبين في خضم عالم الواقع ومشكلاته.
لذلك نلاحظ أن التفكير الرياضي ينعت أساسا بأنه تفكير منطقي، أما التفكير العلمي بألف ولام التعريف، فهو أسلوب التفكير المتعين والمتجسد في العلوم التجريبية؛ أي العلوم الإخبارية التي هي منظومة متوالية من الأبحاث الممنهجة، تنتج وتعيد إنتاج وتصوب وتنقح وتدقق وتعمم ... المعرفة التي تضطلع بالوصف والتفسير والتنبؤ ثم السيطرة على ظواهر العالم الواقعي المعاش والمشترك بين الذوات أجمعين. هذا العالم الواقعي المعاش هو المعامل الأولي للحضارة، ولمجرد حضور الإنسان في هذا الكون، لكن تتوالى في إثره سائر الأبعاد والخصوصيات والعموميات والآفاق الحضارية.
العلوم الإخبارية التي تضطلع بهذا العالم الأولي الفيزيقي عديدة، فيزيوكيماوية وحيوية وإنسانية، فروعها شتى ومناهجها أو أساليبها التجريبية التخصصية تعد بالعشرات، ثم يأتي التصور الفلسفي العام لصلب التفكير العلمي ليقف على المعالم المحورية والثوابت البنيوية في شتى متغيرات الممارسات العلمية، ليعطينا الأساس العام أو خلاصة التفكير العلمي وفحواه، فيما يعرف بالعقلانية التجريبية. •••
التفكير العلمي هو العقلانية التجريبية، هو - كما ذكرنا - تجسيد لطريقة التفكير المثمرة السديدة الملتزمة، للعقل حين يرسم سبلا موجهة ناجحة، حين ينطلق بمجمل طاقاته وقدراته أقصى انطلاقة في محاولاته الجسورة لوضع الفروض العلمية، لكنها دونا عن كل انطلاقات العقل ملتزمة بالواقع - بما تنبئ به التجربة - لتتعدل الفروض أو تقبل أو تلغى وفقا له ... أسلوب التفكير العلمي التجريبي ينصت لشهادة الحواس ومعطيات الوقائع، فتعين موضع الخطأ والكذب في الفرض حين يتعارض معها، يتم تصحيحه والبحث عن فرض جديد متلاف لذلك الخطأ، يعرض بدوره على محكمة التجريب، ويتم تعديله بفرض جديد. وهكذا دواليك في متوالية لتقدم لا يتوقف أبدا، حتى ليكاد يكون البحث العلمي هو التمثيل العيني لمقولة التقدم.
كل إجابة يتوصل إليها العلم تطرح تساؤلات أبعد، فيؤدي كل تقدم إلى تقدم أعلى. ومهما علونا في مدارج التقدم لن تغلق المعامل أبوابها، ولن ينتهي البحث العلمي أبدا، بل يزداد حمية ونشاطا في سعيه الدءوب المتخطي دوما لحاضره، مغيرا إياه.
فليس العلم بناء مشيدا من حقائق قاطعة، بل هو نسق من فروض ناجحة، كل يوم فروض أنجح من سابقتها، أجدر وأقدر على الوصف والتفسير والتنبؤ والسيطرة. كل يوم جديد يتلافى أخطاء وقصورات القديم، فيلغيه أو على الأقل يستوعبه ويتجاوزه، ويقطع في طريق التقدم خطوة أبعد منه، في صيرورة تغير مستمر إلى الأقرب من الصدق، الأفضل والأقدر.
Halaman tidak diketahui