فمن أخباره أنه قال: أخبرني أبو الفضل الرياشيّ، قال: سمعت الأصمعيّ يقول: كان سخط هارون الرشيد على عبد الملك بن صالح بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطَّلب، ﵁، في سنة ثمان وثمانين ومائة، ولقد كنتُ عند الرشيد وقد أُتي بعبد الملك يرفل في قيوده، فلما نظر الرشيد إليه قال له: هيه يا عبد الملك، كأني والله أنظر إلى شُؤوبها قد هَمَعَ، وإلى عارضها قد لمع، وكأني بالوعيد قد أقلع عن براجم بلا معاصم، ورؤوس بلا غلاصم، مهلًا وهلًا بني هاشم، فبي والله سهلَ لكم الوعر، وصفا لكم الكدر، وألقتْ إليكم الأمور أثناء أزمَّتها، فخذوا حذاركم مني قبل حدوث داهية خَبوط باليد والرِّجل، فقال له عبد الملك: أفَذا أتكلَّم أَم توأمًا؟ فقال: بل تَوأمًا، فقال: اتَّق الله يا أمير المؤمنين فيما ولاَّك، راقبها في رَعَاياك التي استرعاك، فقد سَهَّلْتُ والله لك الوعور، وجمعتُ على خوفك ورجائك الصُّدور، وكنتُ كما قال أخو بني جعفر بن كلاب " من الرمل ":
ومقامٍ ضيِّقٍ فَرَّجتُه ... بلسانٍ وَبَيَانٍ وَجَدَلْ
لوْ يقومُ الفيلُ أو فَيَّالُهُ ... زَلَّ عَن مثلِ مقامي وَزَحَلْ
قال: فأراد يحيى بن خالد البرمكيّ أن يَضَعَ من مقدار عبد الملك عند الرشيد فقال له: يا عبد الملك بلَغَني أنك حقود، فقال له: أصلح الله الوزير، إن يكن الحقد هو بقاء الخير والشرِّ عندي، فإنهما لباقيان في قلبي.
قال الأصمعيّ: ثم التفت الرشيد إليّ وقال: يا أصمعيُّ حرِّرها، فوالله ما احتجّ أحد للحقد بمثل ما احتجّ به عبد الملك، ثم أمَرَ به فرُدَّ إلى محبسه.
قال الأصمعيّ: فالتفت الرشيد إليَّ وقال: يا أصمعيّ والله لقد نظرتُ إلى موضع السيف من عنقه مرارًا، ويمنعني من ذلك إبقائي على قومي في مثله.
قال يموت بن المزرَّع: قال لنا الجاحظ: ما غلبني أحد قط إلا رجل وامرأة، فأما الرجل فإني كنت مجتازًا في بعض الطرق، فإذا برجل قصير بطين كبير الهامة طويل اللحية مُتَّزرٍ بمئزر وبيده مُشْطَ يسقي به شقةً ويمشطها بها، فقلت في نفسي: رجل قصير بطين ألحى فاستزريته فقلت: أيُّها الشيخ! قد قلتُ فيك شعرًا؛ فتحرك المشط من يده وقال: قل. فقلتُ:
كأنكَ صَعْوَةٌ في أصلِ حُشٍّ ... أصاب الحشَّ طشٌّ بعد رشٍ
فقال لي: اسمع جواب ما قلت، فقلت: هات فقال:
كأنك كُندُرٌ في ذَنْبِ كبشٍ ... يُدَلدَلُ هكذا والكبش يمشي
وأما المرأة فإني كنت مجتازًا ببعض الطرقات، فإذا أنا بامرأتين وكنتُ راكبًا على حمارة فضرطت الحمارة، فقالت إحداهما للأخرى: حمارة الشيخ تضرط، فغاظني قولها فأعنَنْتُ ثم قلت لها: إنَّه ما حملتني أُنثى قطٌّ إلاَّ وضرطتْ، فضربت بيدها على كتف الأخرى وقالت: كانت أُمُّ هذا منه تسعة أشهر على جهدٍ جهيدٍ.
قرأت بخط رشأ بن نظيف، وأنبأنيه أبو القاسم، وأبو الوحش عنه، أنا الحسن ابن إسماعيل بن محمد بمصر، نا الحسن بن رشيق، نا يموت بن المزرَّع، نا أبو مسلم عبد الله بن مسلم، حدثني أبي، حدثني مشايخ من مشايخ الحي، قالوا: وجَّه مصعب بن الزبير إلى عزة المدينية مولاة بَهز، وكانت من أعقل النساء، فأتتهُ، فقال لها ... يا عَزَّة، قد اعتزمتُ على تزويج عائشة، يعني ابنة طلحة، وأنا أحبُّ أن تصيري إليها متأملة لخلقها، مؤدية لخبرها إليَّ، فقالت: يا جارية، عليَّ بمنقلي فلبسته، ثم صارت إلى منزل عائشة؛ فلما دخلت عليها، قالت عائشة: مرحبًا بالحبيبة، كيف نشطتِ لنا؟ قالت: جئتُ في حاجة؛ قالت: إذن تُقضى، قال: ارمِ عنك جلبابك، قالت: إذًا أفعل، ففعلت: ثم قالت لها: أعوذ بالسميع العليم من الشيطان الرجيم، الله جارك. ثم رجعت إلى مصعب، فقال: ما الخبر يا عزة؟ قالت: رأيتُ وجهًا أحسن من العافية، ولها عينان نجلاوان هما مسكن هاروت وماروت، من تحت ذلك أنف أقنى وخدَّان أسيلان، وفم كفم الرُّمَّانة، وعنق كإبريق فضة، تحت ذلك صدرٌ فيه حُقَّا عاج، تحت ذلك بطن أقبٌّ، ولها عجز كدعص الرمل، وفخذان لفَّاوان، وساقان ريَّاوان، غير أني رأيت في رجلها كبرا، وهي تغيب عنك في وقت الحاجة. فلما توَّجها مصعب ودخل بها، دعتْ عائشة عزَّة ونسوانًا من قريش، فلما أصبن من طعامها، غنَّتهنَّ، ومصعب قائم في دهليز الدار " من المتقارب ":
1 / 15