Harapan dan Utopia dalam Falsafah Ernst Bloch
الأمل واليوتوبيا في فلسفة إرنست بلوخ
Genre-genre
وأخيرا لا بد من التنويه إلى أنه لا يمكننا أن نتفهم مقولات بلوخ إلا إذا تصورناها متعلقة بالوجود في حالة الصيرورة، وفي هذه الحالة وحدها - أي في حالة تعلقها بالوجود الواقعي المتحول - يمكن أن تعبر عن نماذج موضوعية، وذلك بانخراطها في خضم العملية الجدلية التي تتكون فيها أشكال الوجود، وبتقدمها عليها. وهي لا تكتفي في بحثها عن هذه الأشكال الموضوعية بأن تعبر عن شيء أو تعكسه، وإنما تقوم كذلك بتكوين أو تشكيل نفسها بصفة مستمرة كأشكال موضوعية لعالم الصيرورة التاريخية في مجموعها المتكامل. بهذا المعنى وحده يمكن أن نتلافى سوء الفهم الذي يمكن أن نقع فيه عندما نتصور أن المقولات أشكال ثابتة أو ساكنة، فكلما فهمناها فهما جدليا أمكننا كذلك أن نتصور غناها بالمضمون وقدرتها على أن تقول لنا الشيء الكثير عن نفسها وعن الوجود المتحرك نحو الجديد اليوتوبي.
الفصل الثاني
البناء الأنثروبولوجي للأمل
إن جوهر فلسفة بلوخ وبناءها النظري يقومان على جانبين أساسيين، أحدهما أنثروبولوجي والآخر أنطولوجي، ويعد الأول الجذر الأساسي الذي يقوم عليه الثاني، ويرتكز الجانب الأنثروبولوجي على مقولة ال «ليس-بعد» التي يستشعرها الإنسان في وعيه بالاحتياج والافتقار إلى شيء لم يملكه ولم يوجد بعد. كما يقوم الجانب الأنطولوجي المترتب عليه على مقولة الإمكان وما تكشف عنه من إمكانات كاملة في الواقع ولم تتحقق بعد، ولكن كيف يمكن التعرف على هذا الذي لم يوجد بعد؟ وكيف يتسنى له أن يتحقق في الواقع حتى الآن؟ وكيف يتيسر إمكان تحقيقه تحقيقا عينيا ؟ إن هاتين المقولتين «الليس-بعد والإمكان» تكمنان في الذات الإنسانية والعالم الطبيعي معا. فكيف يمكن التعرف عليهما؟ وكيف يتم الوعي بهما في هذين المجالين؟
يتضح هذا عندما نعرف أن العالم الموضوعي يتصف دائما بأنه عالم لم يكتمل بعد. وينعكس هذا على الذات الإنسانية في صورة سخط على الواقع ورغبة في تجاوز المعطى الذي لم يصل بعد إلى حد إرضاء الذات وإشباع رغباتها. فهناك علاقة جدلية بين الذات الإنسانية وذلك العالم الموضوعي، وهذه العلاقة التي يدور حولها مبدأ الأمل، هذا المبدأ الذي تطور عن جذرين أساسيين أحدهما أنطولوجي والآخر أنثروبولوجي. ويتطلب عرض البناء النظري لفلسفة بلوخ البداية بتناول البناء الأنثروبولوجي لأنه الأساس الذي يقوم عليه البناء الأنطولوجي. ونعود الآن إلى السؤال كيف يمكن معرفة ما لم يوجد داخل الذات البشرية؟ وكيف يكتشف ما يطلق عليه اسم الوعي بال «ليس-بعد» داخل الوعي؟
واصل بلوخ عمله حتى اكتشف في باطن الإنسان عالم «الرغبة» الذي انبثق منه ما سماه الوعي بال «ليس-بعد» أو «ما لم يصبح بعد»، ثم وضع يده على الأساس الأنطولوجي لتفسيره الجدلي المادي للعالم فيما سماه بمقولة «الإمكان» أو «ما لم يتحقق بعد».
فالرغبة، وهي الصفة التي يشترك فيها كل البشر - لم يتم بحثها، ولم يتم الوعي بها، على الرغم من أنها تملأ وجدان الناس جميعا، كما تملأ أفق كل موجود. لقد عجزوا حتى الآن عن إدراك مفهومها ومعناها، هذه المنطقة المزدهرة بالأسئلة والمشكلات لم تزل حتى الآن خرساء في تاريخ الفلسفة. فالحلم المتجه إلى الأمام لم يتأمله أحد بصورة كافية، والقادم المنتظر بأسره قد ظل - في رأي بلوخ - حتى عهد ماركس لا يسترعي انتباه العالم، ولا يجد له مكانا، مع أنه يستحق أن يشغل وضع المركز فيه.
الواقع أن الوعي الإنساني (بما في ذلك اللاوعي وما قبل الوعي)، بوصفه تأمل المادة لنفسها، هو أول ما يعكس مجال الإمكان لما لم يوجد بعد. ومظاهر الانعكاس ثلاثة عند بلوخ؛ وهي التوقع، واليوتوبيا، والفانتازيا الموضوعية. وهذه المظاهر الثلاثة ليست مفتعلة ولا من قبيل الأوهام التي يقع فيها أو يسترسل فيها التفكير الحالم، ولكن لها أساسها في العالم الموضوعي - كما سيتبين بعد قليل - كما يمكن تعقب أصلها في الذات البشرية.
ينطلق البناء الأنثروبولوجي لفلسفة الأمل من نظرية هامة من نظريات علم النفس، ألا وهي نظرية الدوافع التي يرى بلوخ أنها الأصل في السلوك البشري، وكذلك يهتم بإبراز الوعي الذي يظهر وراء الدوافع. والجوع من أهم هذه الدوافع، فأول ما يعيه الإنسان هو الإحساس المؤلم بالعوز والحاجة، لأنه لا يملك ما يجب أن يملكه لكي يعيش راضيا. وفلسفة بلوخ تتعرف على آثار الوعي الماضي بهذا الافتقار، وتتبعه في تقدمه للأمام. ويبدأ هذا منذ اللحظة الأولى للميلاد مع الطفل الرضيع، الذي يشعر بالجوع فيصرخ متلهفا على ثدي الأم لكي يسد حاجته الملحة، وكلما امتد به العمر شعر شعورا متجددا بما لا يملكه، وازداد إحساسا بأنه لم يكتمل بعد.
نعود إلى السؤال الأول مرة أخرى: كيف يستشعر الإنسان أو يدرك ما لم يملكه بعد؟ لقد بدأت رحلة بلوخ من البذور الأولى لهذا الإدراك، وذلك لكي يتحسس خطى الوعي البشري منذ بدايته الأولى، أي قبل أن يكتمل الوعي ويتطور وينضج ويظهر للنور، كما اقتفى آثار الحلم البشري ليكتشف أن الحلم بحياة أفضل يداعب خيال الطفل منذ اللحظات الأولى للوعي والإدراك. والحلم هنا ليس هو الحلم الذي يراه النائم أثناء الليل، ويتناوله علماء النفس بالتحليل والتفسير، فهذا النوع من الأحلام التي يغيب عنها الوعي والإرادة ليست من قبيل الأحلام التي تسترعي انتباه بلوخ. بل إن ما يعنيه هو الحلم كمقولة معرفية، أي الحلم الذي يتم في وضح النهار ويعي واقعه ويتسلح بإرادة تغييره. إنه الحلم المبدع الخلاق الذي يؤدي فيه الخيال البشري والإرادة البشرية دورا أساسيا في كل عصور التغيير، وكل الإنجازات العظيمة التي تمت في التاريخ البشري سبقتها أحلام كثيرة رسمت ملامح هذا التغيير ووضعت خطوط تلك الإنجازات.
Halaman tidak diketahui