سارت الأمور مع أبي سريع كما يشاء، وفي فترة قصيرة استولى على أرض البناء الفضاء بعد أن رشا الخبير الذي خصص لمعاينة الأرض بخمسين ألف جنيه، ورشا الشهود الأربعة الذين دبر أمرهم محروس بأربعين ألفا.
ولم تكن الأرض مبتغاه؛ فهو يقول لابنه مفتتحا معه الحديث: البقية في حياتك في حميك. - الله يرحمه، لقد مات منذ اللحظة التي قبض فيها على رجاله.
ولم يشأ أبو سريع أن يخبر ابنه أنه هو السبب الأساسي في كل ما حدث لعيدروس وعصابته، وإنما قال: لقد أصبحت أنت الوارث الحقيقي؛ فسعدية لا تعرف عن الأرض شيئا. - كله لأولادها. - المهم ماذا لو طلبت سلفة على الأرض بضمان أرض البناء؟ - بكم الأرض؟ - يتراوح ثمنها بين ستة وسبعة ملايين جنيه. - وإذا حققت لك ما تريد، ما نصيبي؟ - نصيبك؟! - طبعا أنا الآن والد وصاحب أسرة قابلة للتضخم. - على فكرة، لماذا أسميته سامي؟ - وماذا كنت تريدني أن أسميه؟ - أبو سريع أو عيدروس. - يابا هذه أسماء لا تصلح لعصر الولد.
على أي خيبة أسميه أبو سريع، وأنا لم أر منك ومضة حنان، أنا إن كنت أعاونك الآن فلنفسي ولأسرتي، ومن أجل هذا فقط، وكم أتوق أن تطلع على ما يدور في رأسي الآن ... وأيقظه صوت أبيه من سرحته: هيه، ماذا قلت؟ - فيم؟ - في سلفة على الأرض. - لم تقل ما نصيبي! - أي نصيب؟ أليس كل مالي لك؟ - أطال الله عمرك، ولكن أليس من الطبيعي أن أعيش كما أشتهي وأنت على قيد الحياة؟ - لا بأس، كم تريد؟ - النصف. - حقا إنك أهبل، ماذا تظنني فاعلا بالسلفة التي سيمنحها لك البنك؟ - أتنوي أن تفعل؟ - طبعا أتراني مجنونا لدرجة أن أترك ملايين لا تعمل. - ماذا تنوي؟ - أعمل بها في السوق. - أي سوق؟ - إنني صراف ومثلي يكون خبيرا في كل مناحي المال. - ففي أي مجال ستعمل؟ - أفضل شيء أراه أن أعمل في المقاولات. - عظيم، ولكن لا بد لك من مهندس. - بل قل مهندسين. - ولا بد أن يكونوا طوع أمرك. - الفلوس تعمل كل شيء، قل لي أولا كم أستطيع أن آخذ من البنك؟ - بل قل لي أنت أولا ماذا ستعطيني؟ - أجعلك شريكا لي في كل أعمالي. - بكم قدر الخبير الأرض؟ - الخبير لم تكن وظيفته تقدير الثمن، وإنما كان عمله أن يثبت ملكيتي للأرض. - إذن فالبنك هو الذي سيقدر ثمنها، وعلى أساس هذا التقدير تكون السلفة. - كم تستطيع أن تجعل البنك يعطيني؟ - عشرة ملايين على شرط. - اشرط. - ليس الشرط لي. - فلمن إذن؟ - للخبير الذي سينتدبه البنك. - ماذا تقدر له؟ - المسألة لم تصبح تقديرا، إنها مبالغ محددة معروفة. - كم؟ - نصف مليون. - نصف مليون؟! - ومثلها لزملائي الذين سيسهلون الائتمان. - أليس لك خاطر عندهم؟ - في مثل هذه الأمور لا خواطر.
وقبل أن يتكلم أبو سريع دق جرس الباب في بيت لطفي، وقام لطفي إلى الباب، وفوجئ بوجدي واقفا عليه، وتولته الدهشة وهو يصيح: أهلا سعادة البك تفضل. - أهلا بك، عرفت عنوانك من البنك. - وماله تفضل. - مبروك البيت، أنا أريد أن أعرف عنوان أبيك. - أبي هنا. - أهو هنا؟ - تفضل. - إذن أدخل.
قال وجدي لأبي سريع: سنشرب القهوة في منزلك. - أمرك. - هيا بنا.
وقال لطفي: من غير أن أكرمك؟ - سأجيء لك خصيصا مرة أخرى، إلا أنني اليوم على عجل، ولا بد لي أن أرجع إلى البلد اليوم. - أمرك. - هيا يا أبو سريع. - أنا تحت أمرك، هيا.
وما إن استقر بهما المقام في بيت أبي سريع، حتى سارع قائلا لوجدي: أنا أعرف فيم تريدني. - هل الذي فعلته معقول؟ - انتظرني لحظات.
وما لبث أن عاد وبيده مصحف شريف، وما إن جلس حتى فاجأ وجدي بأن قال: ما هذا؟ - إن كنت تنوي أن تحلف عليه فاخش الله.
وضع أبو سريع يده على المصحف، وقال: أقسم بهذا المصحف كلام الله المنزل، وأنا حججت إلى بيته المقدس أنني سددت كل أمانات أهل البلد لأصحابها، وليس لأحد منهم مليم في ذمتي، سواء كان هذا المليم أمانة أو كان دينا.
Halaman tidak diketahui