وخرج الشيخان، وقال سلامة: كل شيء معقول إلا أنك ستدفع ثلاثمائة جنيه مهرا، من أين لك بها؟ - اسمع يا سلامة، نحن صديقان كأخوين، وأنا كفيف، وأنت مبصر، فأنت ترى خلجات وجهي، وتعرف كل ما يعتمل في صدري، وأنا لا أعرف خلقتك. - هذا حق. - أريد أن أحس أن لي سرا خاصا أحتفظ به لنفسي. - هذا حقك، ولن أسألك بعد اليوم.
وكان الليل قد أمسى فأوصل سلامة صديقه عبد الحميد إلى بيته، ولم ينس أن يحتضنه مكررا التهنئة، وانصرف وخلا عبد الحميد إلى الراديو يستمع إليه، ولكن خواطره تذهب به إلى ذلك اليوم الذي تخلص فيه من سلامة بحجة أنه على موعد لقراءة القرآن بالولجة في أحد المآتم، وأن أصحاب العزاء سيرسلون إليه من يأخذه. وحين خرج من بيته بعد انصراف سلامة صاح في الطريق: السلام عليكم، وأجابه شخص جالس بالقرب من منزله: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. - يا مرحبا، من الرجل؟ - أنا رزق حلحول. - أهلا رزق، هل أستطيع أن أقصدك في مكرمة؟ - أنا تحت أمرك يا شيخ عبد الحميد. - هل أنت مشغول؟ - وإن كنت مشغولا أنا في خدمتك، يكفي أنك تحفظ كلام الله يا أخي، والمشي معك بركة. - بارك الله فيك، وجعل رزقك واسعا إن شاء الله يا رزق. - يسمع منك ربنا يا شيخ عبد الحميد. - خد بيدي وحياتك إلى بيت الحاج أبو سريع. - وما له، هات يدك.
ومشيا وراح عبد الحميد يبرر هذه الزيارة. - كنت مع الإخوان وسمعت أنه سأل عني. - لعله يريد أن يعمل خاتمة بمناسبة نجاح ابنه. - ربما، كلها أرزاق يا رزق.
وما هي إلا بعض جمل من الحوار، حتى وقف به رزق. - هذه هي الدار.
وطرق الباب.
وجاء صوت أبي سريع من الداخل: من الذي يخبط الباب؟ - افتح يا حاج، أنا عبد الحميد أبو جريشة.
وهمس رزق لعبد الحميد: سلام عليكم أنا يا شيخ عبد الحميد.
وانصرف وفتح أبو سريع الباب، وأخذ بيد الشاب حتى أجلسه وهو يقول: أهلا. - لا مؤاخذة يا عم الحاج، هل معنا أحد؟ - تكلم يا شيخ عبد الحميد، فزوجتي في زيارة، ولطفي في مصر كما تعلم.
وفك الشيخ زرائر صديريته ودس يده في صديري آخر تحت الأول ملاصق لجلده، وأخرج رزمة من الجنيهات واضحة الضخامة، وأعطاها لأبي سريع وهو يقول له: عد هذه الجنيهات يا عم أبو سريع.
وفي دهشة بالغة راح أبو سريع يعد جنيهات الشيخ، ثم قال: ألف وثلاثمائة جنيه. - هي كذلك، وإن شاء الله سآتي لك ببعض مئات أخرى، وأترك المبلغ كله أمانة عندك. - أحفظه بين عيني، أكتب لك إيصالا؟ - يا عم الحاج أنا كفيف. إذا لم أأتمنك ما جئت إليك، وكيف سأقرأ الإيصال الذي ستكتبه، أنا ادخرت هذا المبلغ من كدح العمر كله، والله يعلم مقدار ما عانيت في سبيل جمعه، فأنا أريد أن أتزوج ويصبح لي أبناء مبصرون أعوض بهم شقائي، وأحس أني آدمي مثل الآخرين، وخشيت أن ينتهز أحد فرصة بصري المكفوف فيفجعني فيه، وأنا لم أجئ إليك إلا بعد أن ذاع صيتك أنك ترد الأمانات إلى أهلها، وأن الناس جميعها ترفض أن تأخذ منك ورقة بما استأمنوك عليه. توكل على الله. - انتظر، كيف ستسير؟ - لن أعدم ابن حلال كالذي أوصلني إليك.
Halaman tidak diketahui