الوفية باختصار الألفية
الوفية باختصار الألفية
Penyiasat
حمزة مصطفى حسن أبو توهة
Penerbit
مؤسسة «عِلْم» لإحياء التراث والخدمات الرقمية
Nombor Edisi
الأولى
Tahun Penerbitan
٢٠١٩ م - ١٤٤٠ هـ
Genre-genre
الوفية
باختصار الألفية
ألفيةِ ابن مالك
اختصار الإمام العلامة
جلال الدين السيوطي
ت ٩١١ هـ
دراسة وتحقيق
حمزة مصطفى حسن أبو توهة
1 / 1
مقدمة الناشر
الحمد لله القائل: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾، والصلاة والسلام على من أوتي جوامع الكلم، فعلم أصحابه قراءة القرآن غضا طريا، وبعد
فقد ألف الإمام العلامة الحجة ابن مالك الأندلسي الجياني ألفيته التي صارت كعبة الدارسين، وشُرحت كثيرا من علماء عارفين، واختُصرت كذلك.
وكان الإمام السيوطي ﵀ صاحب همة عالية، ومجدد عصره، حاز الفنون والعلوم، وأحب أن يكون له نصيب في ذلك؛ فاختصر ألفية ابن مالك في (٦٣٥) بيتا، والعجيب أن مصر خلت من نسخة من اختصار الألفية، بل خلا العالم كله فيما نعلم إلا الأندلس (أسبانيا)، فحفظ الله لنا اختصار هذه المنظومة في مكتبة الأسكوريال بأسبانيا، وهي نسخة نفيسة كتبها تلميذه النجيب الإمام العلامة محمد بن علي الداودي صاحب طبقات المفسرين، فأنعم بها من نسخة مباركة بخط إمام مبارك لإمام مبارك، اختصرت ألفية إمام مبارك، وقد حققها أخ فاضل مبارك مشتغل مُحصِّل متفنن، وهو الأخ الفاضل حمزة أبو توهة سلمه الله، من بلاد الشام المقدَّس فلسطين، والحمد لله الذي أكرمنا بنشرها، ونسأل الله النفع بها والإخلاص والقبول؛ إنه ولي الإجابة سبحانه.
وكتب خادم تراث الأمة الإسلامية
عبد العاطي محيي الشرقاوي
أبو يعقوب الأزهري
1 / 4
مقدمة
حاز علم النحو نصيبًا وافرًا من المنظومات العلمية، منها ما كان يجمع جُلّ أبواب النحو، مثل ألفية ابن معط، وألفية ابن مالك، وألفية الآثاري، وألفية السيوطي، ومن قبلها ملحة الإعراب، ومنها ما كان يختص بمسائل مفردة، مثل القصيدة المجرادية، ونظم المرادي للجمل، ونظم الزواوي لقواعد الإعراب، والمنظومة الميمية لحازم القرطاجني.
ولعل أول منظومة في النحو -كما يقال- هي منظومة الخليل بن أحمد الفراهيدي، وقد شكك الدكتور العلامة الطناحي في هذه النسبة للخليل بن أحمد، ورجح أن يكون أول عهد بالمنظومات ما بعد القرن الرابع (^١).
وأشهر هذه المنظومات ملحة الإعراب للحريري، وألفية ابن معط، والوافية لابن الحاجب، وألفية ابن مالك، وألفية السيوطي المسماة بالفريدة، وألفية ابن مالك هي الأشهر على الإطلاق، حيث إنه إذا أُطلق لفظ الألفية فهو منصرف إليها من غير لبس.
ولما كانت ألفية ابن مالك هي أنفع المنظومات النحوية انبرى كبار العلماء شارحين لها، درسوها في مجالسهم، وكتبوا عليها تعليقات وتقييدات وحواشي وشروحًا لشواهد شروحها، وبعضهم اختصرها.
ومن أهم هذه الاختصارات "الوفية باختصار الألفية" للإمام جلال الدين السيوطي، وكان العزم منعقدًا على العكوف على هذا الاختصار تحقيقًا ودراسة، لما فيه من نفع للطلاب، وذلك في قالب اختصار الفائدة النحوية بلفظ أقل مع الحفاظ على القاعدة بل ربما مع زيادة فائدة على الألفية.
والله الموفق
حمزة مصطفى حسن أبو توهة
٢٣\ ٧\٢٠١٨
_________
(^١) انظر: الفصول الخمسون ٢٩.
1 / 5
الدراسة
1 / 7
ترجمة الإمام ابن مالك (^١)
هو محمد بن عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن مالك، العلّامة الأوحد، جمال الدّين، أبو عبد الله الطّائيّ، الجَيّانيّ، الشّافعيّ، النّحويّ.
اشتهر بـ"ابن مالك"، نسبة إلى جدّه الأعلى، وتكنى بأبي عبد الله، وهو نار على علم وأشهر من أن نطنب في ترجمته.
اختُلف في سنة ولادته، فقد ذهب الهواري وابن قاضي شهبة إلى أنه ولد في سنة ٥٩٨ هـ، وذهب ابن شاكر وابن كثير والفيروزابادي والسيوطي إلى أنه ولد سنة ٦٠٠ هـ، وذهب الصفدي إلى أنه ولد عام ٦٠١ هـ، والراجح أنه ولد عام ٥٩٨؛ لما قاله معاصره كمال الدين بن العديم أن ابن مالك أخبره بذلك.
وُلد ابن مالك في مدينة جيان في الأندلس، وتلقى العلم فيها، ثم رحل إلى بلاد المشرق، ثم مصر، واستقر أخيرًا في دمشق، وفيها مات منتصف سنة ٦٧٢ هـ.
وتتلمذ على ابن مالك خلق كثير، منهم:
١. محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن السلمي الدمشقي الحنفي، بدر الدين، المعروف بابن الفويرة ت ٦٧٢.
٢. محمد بن عبد القوي بن بدران المرداوي الجماعيلي الحنبلي، أبو عبد الله، شمس الدين ت ٦٩٩ هـ.
٣. محمد بن عبد الرحمن بن يوسف بن محمد البعلبكي الحنبلي، أبو عبد الله، شمس الدين ت ٦٩٩ هـ.
_________
(^١) انظر: الوافي بالوفيات ٣\ ٢٨٥ وطبقات الشافعية الكبرى ٨\ ٦٧ وبغية الوعاة ١\ ١٣٠ ونفح الطيب ٢\ ٢٢٨ وألفية ابن مالك ١١.
1 / 9
٤. محمد بن منصور بن موسى بن محمد الحلبي الشافعي، أبو عبد الله، شمس الدين ت ٧٠٠ هـ.
٥. محمد بن غالب بن يونس بن شعبة الأنصاري، أبو عبد الله، شمس الدين ت ٧٠٢ هـ.
٦. أبو بكر بن يعقوب بن سالم الديري الرحبي الشافعي، شهاب الدين ت ٧٠٣ هـ.
٧. محمد بن الفضل بن سلطان بن عماد بن تمام الجعبري الحلبي، المعروف بابن الخطيب ت ٧١٣ هـ.
٨. إسماعيل بن الحسين بن أبي السائب بن أبي العيش الأنصاري الدمشقي، مجد الدين ت ٧٢١ هـ.
٩. محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الدمشقي الأنصاري العبادي، أبو عبد الله، المعروف بابن الخباز ت ٧٥٦ هـ.
لابن مالك ثلاثة من الأولاد، أشهرهم ابنه بدر الدين أبو عبد الله، وهو أكبر أولاده، توفي سنة ٦٨٦ هـ، وابنه تقي الدين الملقب بالأسد، وهو الذي ألف ابن مالك له المقدمة الأسدية، توفي ٦٩٩ هـ، وابنه شمس الدين، توفي عام ٧١٩ هـ.
من تصانيف ابن مالك المؤصّل في نظم المفصل، وقد حل هذا النظم فسماه سبك المنظوم وفك المختوم، ومن قال إن اسمه فك المنظوم وسبك المختوم فقد خالف النقل والعقل، ومن كتب ابن مالك كتاب الكافية الشافية ثلاثة آلاف بيت، وشرحها، والخلاصة وهي مختصر الكافية الشافية، وإكمال الإعلام بمثلث الكلام، وهو مجلد كبير كثير الفوائد يدل على اطلاع عظيم، ولامية الأفعال وشرحها، وفعل وأفعل، والمقدمة الأسدية وضعها باسم ولده الأسد،
1 / 10
وعدّة اللافظ وعمدة الحافظ، والنظم الأوجز فيما يهمز، والاعتضاد في الظاء والضاد مجلد، وإعراب مشكل البخاري، وتحفة المودود في المقصور والممدود، وغير ذلك كشرح التسهيل (^١).
مكانته:
قال الذهبي: "وكان إمامًا في القراءات وعللها؛ صنَّف فيها قصيدة داليّة مرموزة في مقدار الشاطبية، وأما اللغة فكان إليه المنتهى في الإكثار من نقل غريبها والاطّلاع على وحشِيّها، وأمّا النّحو والتّصريف فكان فيه بحرًا لا يُجارى وحَبرًا لا يُبارى، وأما أشعار العرب التي يُستشهد بها على اللغة والنّحو فكانت الأئمّة الأعلام يتحيّرون فيه ويتعجبّون من أين يأتي بها، وكان نظم
الشعر سهلًا عليه، رجزه وطويله وبسيطه وغير ذلك، هذا مع ما هو عليه من الدّين المتين وصِدق اللهجة وكثرة النّوافل، وحُسن السَّمت، ورقّة القلب وكمال العقل والوقار والتُّؤَدَة" (^٢).
وقال ابن كثير: "وتقدم وساد في فني النحو والقراءات وحصل منهما شيئًا كبيرًا، وأربى على كثير ممن تقدمه في هذا الشأن مع الدين والصدق وحسن السمت وكثرة النوافل وكمال العقل والوقار والتودد" (^٣).
_________
(^١) انظر: نفح الطيب ٢\ ٢٢٥.
(^٢) انظر: تاريخ الإسلام ١٥\ ٢٤٩.
(^٣) انظر: طبقات الشافعيين ٩٠٨.
1 / 11
ترجمة الإمام السيوطي (^١)
اسمه:
عبد الرحمن بن الكمال أبي بكر بن محمد بن سابق الدين بن الفخر عثمان بن ناظر الدين محمد بن سيف الدين خضر بن نجم الدين أبي الصلاح أيوب بن ناصر الدين محمد بن الشيخ همام الدين الهمام الخضيري الأسيوطي.
قال السيوطي:
"أما جدي الأعلى همام الدين، فكان من أهل الحقيقة، وأما نسبتنا بالخضيري، فلا أعلم ما تكون إليه هذه النسبة إلا بالخضيرية، محلة ببغداد، وقد حدثني من أثق به، أنه سمع والدي -رحمه الله تعالى- يذكر أن جده الأعلى كان أعجميًّا أو من الشرق، فالظاهر أن النسبة إلى المحلة المذكورة، وكان مولدي بعد المغرب ليلة الأحد مستهل رجب سنة تسع وأربعين وثمانمائة.
وحملت في حياة أبي إلى الشيخ محمد المجذوب، رجل كان من كبار الأولياء بجوار المشهد النفيسي، فبرّك عليّ، ونشأت يتيمًا، فحفظت القرآن ولي دون ثماني سنين، ثم حفظت العمدة، ومنهاج الفقه والأصول، وألفية ابن مالك، وشرعت في الاشتغال بالعلم من مستهل سنة أربع وستين، فأخذت الفقه والنحو عن جماعة من الشيوخ، وأخذت الفرائض عن العلامة فرضي زمانه الشيخ شهاب الدين الشارمساحي الذي كان يقال إنه بلغ السن العالية وجاوز المائة بكثير، والله أعلم بذلك، قرأت عليه في شرحه على المجموع، وأُجِزتُ بتدريس العربية في مستهل سنة ست وستين.
_________
(^١) نقلت هذه الترجمة من ترجمة السيوطي لنفسه في حسن المحاضرة ١\ ٣٣٥.
1 / 12
وقد ألفت في هذه السنة، فكان أول شيء ألفته الاستعاذة والبسملة، وأوقفت عليه شيخنا شيخ الإسلام علم الدين البلقيني، فكتب عليه تقريظًا، ولازمته في الفقه إلى أن مات، فلازمت ولده، فقرأت عليه من أول التدريب لوالده إلى الوكالة، وسمعت عليه من أول الحاوي الصغير إلى العدد، ومن أول المنهاج إلى الزكاة، ومن أول التنبيه إلى قريب من باب الزكاة، وقطعة من الروضة من باب القضاء، وقطعة من تكملة شرح المنهاج للزركشي، ومن إحياء الموات إلى الوصايا أو نحوها، وأجازني بالتدريس والإفتاء من سنة ست وسبعين، وحضر تصديري.
فلما توفي سنة ثمان وسبعين لزمت شيخ الإسلام شرف الدين المناوي، فقرأت عليه قطعة من المنهاج، وسمعته عليه في التقسيم إلا مجالس فاتتني، وسمعت دروسًا من شرح البهجة، ومن حاشية عليها، ومن تفسير البيضاوي.
ولزمت في الحديث والعربية شيخنا الإمام العلامة تقي الدين الشبلي الحنفي، فواظبته أربع سنين، وكتب لي تقريظًا على شرح ألفية ابن مالك وعلى جمع الجوامع في العربية تأليفي، وشهد لي غير مرة بالتقدم في العلوم بلسانه وبنانه.
ولزمت شيخنا العلامة أستاذ الوجود محيي الدين الكافيجي أربع عشرة سنة، فأخذت عنه الفنون من التفسير والأصول والعربية والمعاني وغير ذلك، وكتب لي إجازة عظيمة.
وحضرت عند الشيخ سيف الدين الحنفي دروسًا عديدة في الكشاف والتوضيح وحاشيته عليه، وتلخيص المفتاح، والعضد.
وشرعت في التصنيف في سنة ست وستين، وسافرت بحمد الله تعالى إلى بلاد الشام والحجاز واليمن والهند والمغرب والتكرور، ولما حججت شربت من ماء زمزم لأمور، منها أن أصل في الفقه إلى رتبة الشيخ سراج الدين البلقيني، وفي الحديث إلى رتبة الحافظ ابن حجر.
1 / 13
وأفتيت من مستهل سنة إحدى وسبعين، وعقدت إملاء الحديث من مستهل سنة اثنتين وسبعين.
ورزقت التبحر في سبعة علوم: التفسير، والحديث، والفقه، والنحو، والمعاني، والبيان، والبديع، على طريقة العرب والبلغاء، لا على طريقة العجم وأهل الفلسفة.
والذي أعتقده أن الذي وصلت إليه من هذه العلوم السبعة سوى الفقه والنقول التي اطلعت عليها فيها، لم يصل إليه ولا وقف عليه أحد من أشياخي، فضلًا عمن هو دونهم، وأما الفقه فلا أقول ذلك فيه، بل شيخي فيه أوسع نظرًا، وأطول باعًا، ودون هذه السبعة في المعرفة: أصول الفقه والجدل والتصريف، ودونها الإنشاء والتوسل والفرائض، ودونها القراءات، ولم آخذها عن شيخ، ودونها الطب، وأما علم الحساب فهو أعسر شيء عليّ وأبعده عن ذهني، وإذا نظرت في مسألة تتعلق به فكأنما أحاول جبلًا أحمله.
وقد كملت عندي الآن آلات الجهاد بحمد الله تعالى، أقول ذلك تحدثًا بنعمة الله تعالى لا فخرًا؛ وأي شيء في الدنيا حتى يطلب تحصيلها بالفخر، وقد أزف الرحيل، وبدا الشيب، وذهب أطيب العمر!
ولو شئت أن أكتب في كل مسألة مصنفًا بأقوالها وأدلتها النقلية والقياسية، ومداركها ونقوضها وأجوبتها، والموازنة بين اختلاف المذاهب فيها لقدرت على ذلك من فضل الله، لا بحولي ولا بقوتي، فلا حول ولا قوة إلا بالله، ما شاء الله، لا قوة إلا بالله.
وقد كنت في مبادئ الطلب قرأت شيئًا في علم المنطق، ثم ألقى الله كراهته في قلبي، وسمعت أن ابن الصلاح أفتى بتحريمه فتركته لذلك، فعوضني الله تعالى عنه علم الحديث الذي هو أشرف العلوم.
1 / 14
وأما مشايخي في الرواية سماعًا وإجازة فكثير، أوردتهم في المعجم الذي جمعتهم فيه، وعدتهم نحو مائة وخمسين، ولم أكثر من سماع الرواية لاشتغالي بما هو أهم وهو قراءة الدراية. انتهى من حسن المحاضرة.
وتوفي السيوطي -رحمه الله تعالى- سنة ٩١١ هـ.
1 / 15
الكتاب توثيق واسم
نسبة هذا الكتاب للسيوطي مما لا يختلف فيه اثنان ولا يتناطح عليه عنزان، فقد ثبت هذا لديّ بما لا يدع مجالًا للشك، اعتمدت في هذا على أمور، منها:
١. ذكره السيوطي في كتابه التحدث بنعمة الله من ضمن مؤلفاته، فقال: "الوفية باختصار الألفية ستمئة بيت" (^١).
٢. ذكر السيوطي في فهرس مؤلفاته قائلًا: "الوفية باختصار الألفية" (^٢).
٣. قال حاجي خليفة عندما ذكر الألفية وشرح السيوطي عليها: "وله مختصر الألفية في ستمئة وثلاثين رقيقة، وسماه "الوفية" (^٣).
٤. ويظهر هذا في مقدمة الكتاب جليًّا، حيث قال السيوطي في أول بيت:
يَقُولُ رَاجِي رَحْمَةِ العَلِيِّ ... عَبْدٌ لِرَحْمَنَ بْنِ السّيوطِي (^٤)
_________
(^١) انظر: التحدث بنعمة الله ١١٣ و١٣٥.
(^٢) انظر: فهرس مؤلفات السيوطي ١١.
(^٣) انظر: كشف الظنون ١\ ١٥٢.
(^٤) لا يتزن البيت بهذه الرواية.
1 / 16
التعريف بألفية ابن مالك
سبك الإمام ابن مالك ألفيته في مدينة حماه بطلب من الإمام شرف الدين البارزي، قال ابن الوردي: "وأخبرني شيخنا قاضي القضاة شرف الدين هبة الله بن البارزي قال: نظم الشيخ جمال الدين الخلاصة الألفية بحماه عندنا برسم اشتغالي فيها، وكنت شابًّا وخدمتُه ولقد رأيت بركة خدمتي له" (^١).
وهذه الألفية تحوي ثمانية وسبعين بابًا وفصلًا، احتوت على جل مقاصد النحو كما قال ابن مالك في ختامها:
نظمًا على جل المهمات اشتمل (^٢)
وهذه الألفية في الأصل اختصار لمنظومة كبيرة لابن مالك تدعى "الكافية الشافية"، وعدة أبياتها ألفان وسبعمئة ونيف وخمسون بيتًا، قال ابن مالك في ختام الكافية الشافية (^٣):
أبياتُها ألفانِ مَعْ سَبعِمئهْ ... وَزِيدَ خمسونَ ونَيْفٌ أَكْملَهْ
وذكر في الألفية أن هذه الألفية اختصار للكافية الشافية فقال:
أحصى من الكافية الخلاصة (^٤)
وقد كتب الله لهذه الألفية الذيوع والانتشار، فقد سارت بها الركبان، وحملها الناس إلى كل مكان، وجمعت في رحابها كبار العلماء شارحين ومستخرجين مكنوناتها.
_________
(^١) انظر: تاريخ ابن الوردي ٢\ ٢١٦.
(^٢) انظر: الألفية ص ١٨٨ البيت ٩٩٩.
(^٣) انظر: شرح الكافية الشافية ٤\ ٢٢٥٢.
(^٤) انظر: الألفية ص ١٨٨ البيت ١٠٠٠.
1 / 17
ومن أهم هذه الشروح شرح ابن الناظم وشرح أبي حيان وشرح المرادي وشرح ابن عقيل وشرح ابن هشام وشرح الشاطبي وشرح المكودي وشرح السيوطي، وغيرها من الشروح كثير.
ومن العلماء من اختصر الألفية، ومنهم محمد بن محمد بن علي بن عمر الإسنوي، وكذلك الإمام ابن الوردي الذي اختصر الألفية في مئة وخمسين بيتًا سماها التحفة الوردية، ثم شرح هذا المختصر وقد طبع، ومنها مختصر اسمه المختصر المفيد لمحمود محفوظ الدمشقي، موجود نسخة منه في القاهرة ثان ٢: ١٥٨.
ومن هذه المختصرات هذا المختصر الذي نحن بصدد تحقيقه وهو الوفية باختصار الألفية للإمام السيوطي.
1 / 18
الوفية باختصار الألفية
بلغت عدة أبيات الوفية ستمئة وخمسة وثلاثين بيتًا، وهي تقريبًا في حجم ثلثَي الألفية، وقد صدق السيوطي حينما قال في خاتمة الوفية (^١):
نَظَمْتُهَا فِي نَحْوِ ثُلْثَيْ أَصْلِهَا ... وَلَنْ تَرَى مُخْتَصَرًا كَمِثْلِهَا
وهذا لا يتنافى مع ما قاله حاجي خليفة في كشف الظنون، حيث قال: ""وله مختصر الألفية في ستمئة وثلاثين رقيقة، وسماه "الوفية" (^٢)، إذ إن هذا التعداد تقريبي كعادة العلماء في تحديد عدد أبيات المنظومات أو القصائد.
قد يسأل سائل: ما فائدة الوفية؟
أقول إنه بالإضافة إلى كونها اختصارًا للألفية يقلل من لفظ القاعدة النحوية، هي كانت في مواضع كثيرة ذات فائدة زائدة، فانظر إلى قول السيوطي:
وَيَا النَّفْسِ مَعَ الفِعْلِ يَلِي ... نُونَ وِقَايَةٍ، وَفِي "لَيْتَ" صِلِ
وَحَذْفُهَا شَذَّ، وَعَكْسُهَا "لَعَلّْ" ... فِي أَرْبَعٍ (^٣) خَيِّرْ، وَيَحْيَى (^٤) الوَصْلُ قَلّْ
فانظر إلى قوله: "ويحيى الوصل قلّ" فهو زائد على لفظ الألفية.
وقوله:
وَذُو إِضَافَةٍ يَصِيرُ عَلَمَا ... إِنْ غَلَبَتْ، أَوْ "أَلْ" (^٥)، وَحَذْفَهَا (^٦) الْزَمَا
إِنْ تُضِفَ اوْ تُنَادِ، قُلْتُ اللَّامُ فِي ... "اللهِ" لَمْ تُزَدْ وَلَمْ تُعَرِّفِ
فانظر إليه وهو قد أضاف الخلاف في الألف واللام التي في لفظ الجلالة "الله".
_________
(^١) انظر البيت ٦٣٢.
(^٢) انظر: كشف الظنون ١\ ١٥٢.
(^٣) يقصد بالأربع الأحرف الناسخة غير لعل وليت، وهي: إِنّ وأَنّ ولَكِنّ وكَأَنّ.
(^٤) يقصد به الإمام الفراء أبا زكريا يحيى بن زياد. انظر رأيه في شرح المرادي ١\ ٣٨١.
(^٥) أي وذو "أل" يصير علمًا إن غلبت.
(^٦) أي حذف أل.
1 / 19
وحينما ترجع إلى مواضع الابتداء بالنكرة، وإلى قوله:
وَ"رَغْبَةٌ فِي الخَيْرِ خَيْرَةٌ"، وَنَصّْ ... حُكْمٍ يُفِيدُ، وَالذِي عَمَّ وَخَصّْ (^١)
فأنت تراه قد أضاف "والذي عم وخص".
ومن خصائص هذا المختصر أنه -على صغره- لم يهمل مقارنة كلام ابن مالك بكتبه الأخرى، قال:
وَشِبْهَهُ فِي "خِلْتَنِيهِ"، "كُنْتُهُ" ... قَدْ رُجِّحَ الوَصْلُ، وَقَدْ رَأَيْتُهُ (^٢)
نَاقَضَ فِي التَّسْهِيلِ (^٣) تابِعًا لِنَصّْ ... عَمْرٍو (^٤)، وَقَدِّمْ فِي اتِّصَالٍ الأَخَصّْ
وقال:
وَزَادَ فِي كَافِيَةٍ (^٥) أَشْيَا أُخَرْ ... ذَاتَ اشْتِهَارٍ وَسِوَى هَذِي نَدَرْ
ولم يهمل السيوطي نقل آراء العلماء في هذا المختصر، قال:
وَمَا بِـ"بِئْسَ مَا اشْتَرَوُا" (^٦) مُمَيِّزُ (^٧) ... وَسِيبَوَيْهِ (^٨) فَاعِلٌ وَمَيَّزُوا
_________
(^١) أرجع أبو حيان جواز بالابتداء بالنكرة إلى شيئين هما العموم والخصوص، قال في منظومته "نهاية الإعراب في علمي التصريف والإعراب:
وكل ما ذكرت في التقسيم
يرجع للتخصيص والتعميم
انظر: الأشباه والنظائر ٢\ ١١٣.
(^٢) يعني رأيت ابن مالك.
(^٣) انظر: تسهيل الفوائد ٢٧.
(^٤) انظر: الكتاب ٢\ ٣٦٣، وشرح التسهيل ١\ ١٥٣.
(^٥) انظر: شرح الكافية الشافية ٤\ ١٧٤٥ - ١٧٤٦.
(^٦) البقرة ٩٠.
(^٧) انظر: التبيان للعكبري ١\ ٩١ والبحر المحيط ١\ ٤٧٢ والدر المصون ١\ ٥٠٧.
(^٨) انظر: الكتاب ٣\ ١٥٥.
1 / 20
وقال:
مُسْتَقْبَلٌ مَعْنًى، وَبِالفِعْلِ تُخَصّْ ... و"أَنَّ" مُبْتَدًا عَلَيْهِ عَمْرُو (^١) نَصّْ (^٢)
وقال:
وَحَذْفُهَا شَذَّ، وَعَكْسُهَا "لَعَلّْ" ... فِي أَرْبَعٍ (^٣) خَيِّرْ، وَيَحْيَى (^٤) الوَصْلُ قَلّْ
_________
(^١) يقصد به سيبويه.
(^٢) قال سيبويه: "وتقول: لو أنه ذاهبٌ لكان خيرًا له، فأنَّ مبنيَّة على لو كما كانت مبنيَّة على لولا، كأنك قلت: لو ذاك".
انظر: الكتاب ٣\ ١٢١.
(^٣) يقصد بالأربع الأحرف الناسخة غير لعل وليت، وهي: إِنّ وأَنّ ولَكِنّ وكَأَنّ.
(^٤) يقصد به الإمام الفراء أبا زكريا يحيى بن زياد. انظر رأيه في شرح المرادي ١\ ٣٨١.
1 / 21
علاقة السيوطي بمصنفات ابن مالك
كان السيوطي مدركًا لقيمة مصنفات ابن مالك، فهو من أكثر العلماء الذين تعلقوا بمصنفات ابن مالك، ونذكر منها:
كتابه البهجة المرضية أو النهجة المرضية، وقد شرح فيها ألفية ابن مالك شرحًا ممتزجًا بالألفية، وهو شرح متوسط.
كتابه النكت على الألفية والكافية والشافية والشذور والنزهة، حيث جمع السيوطي بين هذه الكتب، وحرر ما فيها من المسائل، وأورد ما على المهم منها من الاعتراضات، وناقش مصنفيها.
كتابه همع الهوامع، وإذا سألت ما العلاقة أقول:
من أعظم متون النحو متن التسهيل لابن مالك، وأعظم شروح التسهيل شرح أبي حيان المسمى بالتذييل والتكميل، وقد جرد أبو حيان هذا الشرح العظيم من تعليلات مسائله في كتاب سماه ارتشاف الضرب، وكان كتاب همع الهوامع يسير ونصب عينيه تسهيل ابن مالك وارتشاف الضرب كما صرح السيوطي في مقدمة الهمع حيث قال: "محيط بخلاصة كتابي التسهيل والارتشاف" (^١).
وأيضًا كتاب السيوطي الفريدة وهي ألفيته في النحو، لخّص فيها ألفية ابن مالك في ستمئة بيت تقريبًا وزاد من عنده أربعمئة بيت.
_________
(^١) انظر: همع الهوامع ١\ ٢٠.
1 / 22
بين الفريدة والوفية
لعل أول من فتح الباب لنظم ألفية في النحو هو الإمام ابن معط، قال ﵀ في مقدمة ألفيته (^١):
وَذَا حَدَا إِخْوَانَ صِدْقٍ لِي عَلَى ... أَنِ اقْتَضَوْا لَهُمْ مِنِّي أَنْ أَنْظِمَا
أُرْجُوزَةً وَجِيزَةً فِي النَّحْوِ ... عِدَّتُهَا أَلْفٌ خَلَتْ مِنْ حَشْوِ
لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّ حِفْظَ النَّظْمِ ... وِفْقُ الذَّكِيِّ وَالبَعِيدِ الفَهْمِ
ثم جاء بعد ابن معط الإمام ابن مالك، فنظم ألفيته المعروفة بالخلاصة، وصرح في مقدمتها أنه اقتفى أثر ابن معط في النظم، إذ إن ابن معط سابق له، وهو مستن به، قال ابن مالك عن ألفيته (^٢):
وَتَقْتَضِي رِضًا بِغَيْرِ سُخْطِ ... فَائِقَةً أَلْفِيَّةَ ابْنِ مُعْطِ
وَهْوَ بِسَبْقٍ حَائِزٌ تَفْضِيلَا ... مُسْتَوْجِبٌ ثَنَائِيَ الجَمِيلَا
وَاللهُ يَقْضِي بِهِبَاتٍ وَافِرَهْ ... لِي وَلَهُ فِي دَرَجَاتِ الآخِرَهْ
والحق الذي يُقال أن ألفية ابن مالك أجمع وأوعب، وألفية ابن معط أسلس وأعذب (^٣)، وأيضًا فاقت الخلاصة بأنها نظمت على بحر واحد، أما ألفية ابن معط فكانت على بحرين: الرجز والسريع، قال ابن معط في مقدمة ألفيته (^٤):
لَا سِيَّمَا مَشْطُورَ بَحْرِ الرَّجَزِ ... إِذَا بُنِي عَلَى ازْدِوَاجٍ مُوجَز
أَوْ مَا يُضَاهِيهِ مِنَ السَّرِيعِ ... مُزْدَوِجَ الشُّطُورِ كَالتَّصْرِيعِ
_________
(^١) انظر: ألفية ابن معطي ٢.
(^٢) انظر: ألفية ابن مالك ٦٨.
(^٣) انظر: نفح الطيب ٢\ ٢٣٢.
(^٤) انظر: ألفية ابن معطي ٢.
1 / 23
بينما كانت ألفية ابن مالك على بحر واحد وهو بحر الرجز.
وجاء بعد ذلك الإمام الآثاري، ونظم ألفية سماها "كفاية الغلام في إعراب الكلام"، وقد نظم فيها المقدمة المحسبة لابن بابشاذ، وصرح بهذا المؤلف في شرحه على الألفية (^١).
ولا شك أن الآثاري كان مقتفيًا لنهج ابن معط وابن مالك، لذلك تجده في المقدمة قد قال عن ألفيته (^٢):
فَائِقَةٌ بِأَنْفَعِ المَسَالِكِ ... عَنِ ابْنِ مُعْطٍ وَعَنِ ابْنِ مَالِكِ
لكن هذه الألفية لم يكتب لها من الذيوع ما كتب لسابقتيها.
بعد ذلك جاء الإمام السيوطي، ونظم ألفيته المشهورة بالفريدة، وشرحها في كتاب سماه بالمطالع السعيدة في شرح الفريدة، ولا شك أن السيوطي قد جعل نصب عينيه ألفية ابن مالك، إذ هي درة تاج المنظومات، قال السيوطي في المقدمة عن ألفيته (^٣):
فَهَذِهِ أَلْفِيَّةٌ فِيهِ حَوَتْ ... أُصُولَهُ وَنَفْعَ طُلَّابٍ نَوَتْ
فَائِقَةٌ أَلْفِيَّةَ ابْنِ مَالِكِ ... لِكَوْنِهَا وَاضِحَةَ المَسَالِكِ
وَجَمْعَهَا مِنَ الأُصُولِ مَا خَلَتْ ... عَنْهُ وَضَبْطِ مُرْسَلَاتٍ أُهْمِلَتْ
وقال السيوطي عن ألفيته: "لخصت فيها ألفية ابن مالك في ستمئة بيت، وزدتها أربعمئة بيت فيها من القواعد والفوائد والزوائد ما لا يستغني طالب النحو عنه، فبذلك فاقت ألفية ابن مالك، وفاقتها أيضًا بالتنبيه على قيود أهمل ابن مالك
_________
(^١) انظر: كفاية الغلام ٢١.
(^٢) انظر: كفاية الغلام ٣٩.
(^٣) انظر: الفريدة ٢.
1 / 24