هنالك يتقدم أخو الملك معلنا اغتباطه بهذا الزوج، ويسقط في يد الأميرة، فهي بين اثنتين: إما أن تتزوج الأمير الشاب وأنفه الكبير، وإما أن تتزوج الأمير الشيخ وسنه التي تشرف به على الهرم والفناء؛ فإن لم تقبل هذا ولا ذاك، فهو الدير، وهي مقتنعة بأن ليس لها بد من الهرب، فهي تأمر الضابط بأن يهيئ لها وسائل الفرار، والضابط كاره لذلك، فهو لم يرسل ليحتمل تبعات الحب الحر، وإنما أرسل ليكون خليلا لولية العهد، ثم خليلا للملكة حين يرقى زوجها الأمير إلى العرش.
ولكنه مع ذلك يظهر الطاعة ويسرع إلى الوزير فيظهره على جلية الأمر، ويطلب إليه أن يحتاط لمنعهما من الهرب، وقد خلت الأميرة إلى نفسها آخر الليل في غرفة من غرفات القصر، ولم تكد تدخل هذه الغرفة حتى رأت جماعة من التماثيل قد وضعت لها أنوف ضخام، وهي ثائرة فتضرب أنوف هذه التماثيل حتى تسقط وتنزع أنفها الصناعي وتمعن في البكاء.
ويمر الأمير فيسمع نحيبها فيدخل الغرفة، ولا يكاد ينظر إلى الفتاة ويرى أنفها الطبيعي الصغير الجميل، حتى يأخذه دهش، وإذا هو ينزع أنفه المستعار، وترى الفتاة فيه شابا أنيقا وسيما، وهو يعطف على الأميرة عطفا لا حد له، فقد عرف أنها مثله قد ابتليت بأنف صغير، وأنها تخفي هذه الآفة بأنفها الصناعي، فهو يحبها لأنها شريكته في هذه المحنة، فأنوف الناس كلهم كبار إلا أنفه هو، وهو من أجل ذلك مضطر إلى أن يتخذ هذا الأنف الصناعي ليخفي به عاهته.
وتحاول الأميرة أن تقنعه بأن أنوف الناس كلهم صغار ولكنه لا يقتنع، والمهم هو أنه أحبها لأن لها أنفا صغيرا كأنفه الذي كان يخفيه، وهي تحبه لأن له أنفا طبيعيا كأنوف غيره من الناس، ويقبل الضابط وقد هيأ للهرب كل شيء، ولكنها تعلن إليه أنها لن تقبل.
ثم نرى الجمع قد احتشد من غد لإمضاء عقد الزواج، ونرى عرش الملك مضطربا كما رأيناه من قبل، ونراه يسند بقطع الخشب، ونرى المائدة التي سيمضي عليها العقد مضطربة قد قصرت قوائمها، فما تزال تسند بقطع الخشب والمجلدات الضخام حتى تستقر وقد ارتفعت فلم يحتج الملك أن يجلس ليمضي العقد، وإنما هو يمضيه قائما متطاولا.
ثم تصدر الإشارة التي اتفق عليها فتلقى الأنوف الصناعية كلها ويظهر الناس بأنوفهم الطبيعية الصغار، ويطلب أخو الملك إلى الأمير الشاب أن يعتزل ولاية العهد؛ فما ينبغي لملك مورافيا أن يكون مشوه الخلق، وما ينبغي أن يملك على هذه الأرض من أكره الشعب في سبيله عشرين عاما على حمل هذه الأنوف المستعارة البشعة.
هنالك يلقي الأمير أنفه الصناعي ويظهر كما خلقه الله شابا وسيما جميل الأنف، فيضطرب الناس ويميلون إليه، ولكن أخا الملك يعلن أن هذا الفتى ليس ولي العهد؛ فقد ولد ولي العهد كبير الأنف، وأثبت الأطباء ذلك وصدر القانون بحمل الأنوف الكبار من أجل ذلك.
والملك نفسه دهش فهو يعلم أن ابنه ولد كبير الأنف، ولكن المرضع تعلن الحقيقة، وهي أن ابن الملك قد مات بعد ولادته بأشهر قليلة، وأن أمه الملكة التي ماتت منذ عشر سنين قد اتخذت مكان ابنها طفلا صغيرا، واتخذت له هذا الأنف الصناعي، فعلت ذلك كله حبا للملك وإشفاقا عليه أن تنتقل ولاية العهد من ذريته، فيورثه ذلك حزنا عظيما، وقد نهضت الأميرة فألقت أنفها الصناعي، وأعلنت أنها لن تتزوج إلا هذا الفتى، وأنها إن صرفت عنه فستؤثر الدير.
هنالك يتجه الملك إلى الشعب والأشراف سائلا: ماذا تريدون؟ أتريدون ملكا من الأسرة المالكة، أم تريدون ذهب القوقاز؟ فيتلقى الجواب الإجماعي بأن الشعب يريد مال القوقاز، ويعلن الملك أنه تبنى هذا الفتى؛ فأصبح أميرا شرعيا وليا للعهد.
وكذلك تنتهي هذه القصة، وقد عرضت عليك خلاصتها موجزة، ولم أعرض عليك شيئا من خصائصها الفنية التي تتصل بالإخراج والعرض، وتلائم السينما بوجه عام، وقد رأيت ما في هذه القصة من مغزى سياسي واجتماعي وخلقي، ورأيت أن جان بول سارتر قد استطاع أن يذيع في القصة الأولى من طريق الجد آراء فلسفية هي بعينها التي تؤلف فيها الكتب وتكتب فيها الفصول وتنشأ فيها المسرحيات، واستطاع في القصة الثانية أن يذيع من طريق الفكاهة آراء فلسفية ليست أقل خطرا من الآراء التي أذاعها في القصة الأولى من طريق الجد؛ فجد السينما وهزله كجد التمثيل وهزله، وكجد الكتاب والمقالة وهزلهما يمكن أن يكونا وسيلة من وسائل التصوير والتعبير التي تحقق الصلة المنتجة المجدية بين الجماعة وبين الأديب.
Halaman tidak diketahui