123

وأما هو فيذهب إلى أصحابه، فإذا لقيهم أنكروه أشد الإنكار، لأنهم عرفوا دخوله دار هذا الموظف الكبير من موظفي الشرطة وخروجه مع امرأته، ثم لم يكتفوا بالشك فيه، وإنما اتهموه بالتجسس عليهم بأنه قد أفضى بأمرهم كله إلى حكومة الطاغية.

وقد انصرف عنهم يائسا منهم، وعاد إلى صاحبته حزينا كئيبا؛ فهي تواسيه وتسليه وترفق به وتذكره الحب وما أعطيا من عهد وما ضرب لهما من موعد سينتهي إذا كان الغد، وبينما هما كذلك إذ يأتي أحد العمال فينبئ بيير بأن أصحابه قد ائتمروا به ليقتلوه، ويحثه على الهرب بأنهم قادمون لإنفاذ ما أزمعوا، والعامل ينصرف وبيير ينبئ صاحبته بأنه مقتول بعد حين ويأبى الهرب، وهذه أقدام يسمع وقعها، وإذا العاشقان يعتنقان والباب يطرق ثم يطرق، ثم ينصرف الطارقون فلا يشك العاشقان في أن النصر قد كتب لحبهما، وفي أن الموت قد صرف عنهما لينعما بهذا الحب السعيد.

فإذا أصبحا من الغد فهما راضيان بعض الرضا لا كله، لا يشك أحدهما في أنه يحب صاحبه، ولكن بيير يذكر الثورة التي ستسحق بعد حين وأصحابه الذين سيمحقون محقا، ويريد أن يبذل آخر جهد لينقذ الثورة من الإخفاق، وينقذ أصحابه من الموت ، وإيف تذكر أختها التي توشك أن تكون فريسة لهذا الرجل الذي لا يحبها وإنما يحب ثروتها، وهي تريد أن تبذل آخر جهد ممكن لإنقاذها.

وهما مع ذلك يحاولان أن يستمسكا بالحب والحياة، ولكنهما يفترقان على أن يلتقيا بعد ساعة قبل أن يحين الموعد الذي ضرب لهما في دار الموتى.

فأما هي فلا تكاد تدخل دارها حتى ترى أختها وزوجها قد جلسا إلى طعامهما جلسة لا تخلو من ريبة، فتخرج المسدس وتأمرهما ألا يتحركا حتى تقص على أختها خيانة زوجها، ثم تأمرها بأن تستخرج من مكتب زوجها رسائل الحب التي تثبت خيانته.

وأما بيير فقد ذهب إلى أصحابه في نفس ذلك الوقت، وقد اجتمع إليهم زعماء العمال، وقد أخذ أصحابه ينكرونه، وأخذ هو يدافع عن نفسه حتى اطمأنت إليه الجماعة بعد لأي وهمت أن تؤجل الثورة، ولكن الثورة قد بدأت في مواضع كثيرة، وهم يتداولون فيما ينبغي أن يتخذوا من قرار لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

وقد دنا الموعد الذي ضرب لبيير وصاحبته في دار الموتى؛ فهو يسرع إلى التليفون لينبئ صاحبته بأنه لا يستطيع فراق زملائه، وهو يحاورها حوارا شديدا في التليفون نسمعه نحن، والوقت يمضي ويمضي، وقد أقبل الجند فحاصروا المجتمعين، وتطلق رصاصة فيخر لها بيير صريعا والجند يقتحمون الدار ويقهرون من فيها.

ثم نرى بيير يتخطى جثته ويمضي لا يراه أحد ولا يسمعه أحد، ثم نراه بعد ذلك وقد لقي إيف ميتين، وكلاهما يتحدث إلى صاحبه كأنهما قد خدعا عن أنفسهما وعن الحب، وبأن التجربة قد أخفقت، وبأنهما قد عادا إلى الموت؛ لأن بيير لم يتمن الحياة إلا لينقذ الثورة وأصحابه، ولأن إيف لم تتمن الحياة إلا لتنقذ أختها من زوجها الخائن الأثيم.

وقد أخفقا جميعا، فلم يستطع بيير أن ينقذ الثورة ولم تستطع إيف أن تنقذ أختها، ويلقاهما أحد الموتى فيسألهما دهشا: ألم تنجحا فيما حاولتما؟ فيجبيه بيير: كلا يا سيدي، لقد تمت اللعبة، فليس لأحد اللاعبين أن يختار، ويلقاهما مع ذلك ميتان آخران فتى وفتاة يخيل إليهما أن كلا منهما قد خلق لصاحبه، وأنه قد غلط بهما في الحياة الأولى، وأنهما يستطيعان إن أتيح لهما الانتفاع بالمادة الأربعين بعد المائة أن يستأنفا حياة سعيدة قوامها الحب، فيشير عليهما بيير وإيف بأن يحاولا، فمن يدري لعلهما أن يظفرا بما لم يتح لهما الظفر به.

وكذلك تنتهي هذه القصة التي لم أرسم لك منها إلا أيسر ما فيها، وهي على ذلك تصور لك ما قصد إليه جان بول سارتر من عرض هذه الظروف القاسية المحتومة التي يفرضها النظام الاجتماعي والسياسي، والتي تفرق بين الناس تفريقا محتوما لا سبيل إلى التخلص منه، إلا إذا تغير النظام السياسي والاجتماعي، وزالت هذه الفروق التي تجعل من الناس أقوياء وضعفاء وفقراء وأغنياء، لا سبيل إلى أن يلتقوا ولا إلى أن ينعموا بالحياة ما دامت قائمة.

Halaman tidak diketahui