Jerman Nazi: Kajian dalam Sejarah Eropah Kontemporari (1939-1945)
ألمانيا النازية: دراسة في التاريخ الأوروبي المعاصر (١٩٣٩–١٩٤٥)
Genre-genre
Warschauer Zeitung
كما أصدروا صحفا أخرى في كركاو، وبلغراد، وبراج، والنرويج، والدانمرك، وكرواتيا، وسلوفاكيا، هذا عدا المئات بل الآلاف من الصحف الصغيرة والمجلات المصورة والنشرات وغير ذلك. ومع أن هذه الصحف كانت تصدر في بلدان مختلفة؛ فقد جاءت جميعها متفقة في الشكل والتبويب وفي نوع الأخبار والبحوث التي تنشرها، حتى لتكاد تكون كلها في الحقيقة نسخا متعددة من صحيفة واحدة، فلا يشعر القارئ بأي اختلاف، ولا يميز بعضها عن بعض سوى ما يدرج في مكان الأنباء المحلية. •••
وكان من أثر هذه الرقابة الصارمة، وهذا «الجهد التوجيهي المنظم» الذي تقوم عليه الدعاوة النازية وإدارتها، أن وجد أهل البلاد المقهورة أنفسهم آخر الأمر في عزلة كاملة عن بقية العالم، يقرءون ما يسمح به «التنظيم» النازي فحسب، ولا يدرون من أحوال الشعوب الأخرى غير ما يجيز النازيون معرفته. ولكن سرعان ما نجم عن هذا الوضع الشاذ رد فعل عميق في نفوس هؤلاء المقهورين، والسبب في ذلك تلك العزلة ذاتها التي فرضت عليهم في وقت عظمت دعاوة النازيين إلى النظام الجديد، وكثرت أقاويلهم التي وصفوا بها «مزايا» النظام المزعومة. هذا بينما وجد الأهلون بالبرهان الساطع مما يلمسونه في حياتهم اليومية أن هذه الدعاوة وهذه الأقاويل كاذبة؛ لأنه بدلا من العيش في ظل حياة وادعة مطمئنة - كما أسرف النازيون في وعودهم - أصبح الأذى من نصيبهم، وصار الظلم ينزل بهم من كل جانب، ويعيشون عيش الذل والضعة في كنف نظام يعمل على انحلال الأسرة وتشتيت أفرادها، ويسخر الشباب والنساء وكبار السن والصغار في العمل الإنتاجي المرهق لمصلحة الريخ وحده، ويسلب أقوات الأهلين ويتركهم يتضورون جوعا ويموتون من العري والبرد زرافات ووحدانا كما حدث في بلاد اليونان وغيرها. لذلك صار من الطبيعي أن يداخلهم الشك في كل ما يقرءونه ويسمعونه عن النظام الجديد، وباتوا لا يصدقون ما تروجه الدعاية النازية من ادعاءات وأقاويل عن مزايا هذا النظام، ويتوقون إلى الخلاص منه.
ومنذ شعرت هذه الشعوب المقهورة بأن الدعاية النازية: إنما تريد أن تضللهم بما تنشره عليهم من أكاذيب لم يكن المقصود منها في الحقيقة سوى إخماد الروح المعنوية فيهم وتستخيرهم في خدمة مآرب النازيين، وإحكام السيطرة الجرمانية على الشعوب الأوروبية المحقرة. بدأ عهد ما صار يعرف في تاريخ المقاومة في أوروبا المحتلة باسم «الدعاوة المضادة» أو «الدعاوة الخفية».
والواقع أنه كان من المنتظر أن تظهر إلى عالم الوجود هذه «الدعاوة المضادة»، عندما تنتهي موجة الفتوح الخاطفة النازية، وبمجرد أن تفيق الشعوب المقهورة من أثر صدمة الغزو العنيفة؛ إذ يسترد المذهول، سمعه وبصره، ويستعيد إدراكه ووعيه، ومن ثم يصبح في استطاعته أن يميز بين أقوال النازيين وفعالهم، ويمعن النظر فيما يشاهده حوله، ولم يكن من السهل على المغلوب المقهور أن يفيق من ذهوله، ما دامت آلة الحرب النازية الضخمة ماثلة أمامه، وما دام النازيون المنتصرون يستأثرون بأكاليل الغار، ويدوسون تحت نعالهم شعوبا برمتها، وما دام النصر حليفهم في كل مكان وزمان. لذلك أصبح من الضروري أن تلحق بالنازيين الهزيمة، وأن تعترض أعمالهم العسكرية بعض العقبات الكأداء؛ حتى يزول من الأذهان ذلك الزعم بأنهم شياطين لا سبيل إلى قهرهم، وحتى يدرك أهل البلاد المفتوحة أنهم بشر يقعون في الخطأ ويعتريهم الضعف، وأن مقاومتهم والتغلب عليهم في حيز الإمكان.
ولما كانت التعاليم النازية لا تستند إلى شيء من المبادئ التي أخذ بها العالم المتحضر منذ أجيال وقرون، ولما كانت دعواهم في إنشاء النظام الجديد الذي يريدونه دعوى عات جبار لا يرضى عن إذلال الشعوب غير الجرمانية بديلا، ولما كان البرهان قد قام على أن النازيين بشر قد يفلت النصر من أيديهم، وقد تدركهم الهزيمة، فإنه سرعان ما اجتمعت الأسباب التي أفضت إلى ظهور ضروب المقاومة المختلفة التي شهدناها في أوروبا المحتلة، وإلى ظهور الدعاوة المضادة. وغنى عن البيان أن المقاومة والدعاية الخفية سارتا جنبا إلى جنب، بل إن الذي حدث فعلا هو أن الدعاوة المضادة سبقت المقاومة بعض الشيء، كما أنها كانت في الحقيقة من أساليب المقاومة السلبية المبكرة، هذا إلى أنها كانت من عوامل انتشار المقاومة ذاتها وتوجيهها - كما سيأتي ذكره بعد.
وعلى ذلك كان من أسباب ظهور الدعاوة المضادة، مسلك النازيين أنفسهم في تطبيق النظام الجديد في أوروبا المحتلة، كما كان من عواملها المباشرة هزيمة النازيين في معركة بريطانيا المشهورة «من 8 أغسطس إلى 31 أكتوبر 1940»، هذا على الرغم من جهودهم الجبارة المتوالية، وبخاصة عندما أطلق «جورنج » سلاحه الجوي على لندن في ثمانية وعشرين هجوما كبيرا في وضح النهار ما بين السادس من شهر سبتمبر والخامس من شهر أكتوبر، فقد تطلع أهل البلاد المقهورة إلى نتيجة هذا الصراع العنيف، ولم تفد «رقابة» النازيين الصارمة شيئا في كتم أخبار الخسارة الجسيمة التي نزلت بسلاحهم الجوي. وفي هذه الشهور العصيبة أخذ ينمو الشعور بضرورة المقاومة لدى الشعوب المغلوبة، ثم لم يلبث أن وجد هذا الشعور مكانا في صحف البلدان المحتلة تحت أنوف النازيين، وعلى الرغم من وجود «الرقابة» الصارمة التي أنشأوها، فكان فشل النازيين في هذه المعركة الجوية الهائلة موضع أحاديث القوم وتعليقاتهم، بل وموضع «نكاتهم» في بعض الأحايين، وزادت جرأتهم عندما صار البريطانيون بعد ذلك يرسلون الحملات الجوية المدمرة على أوروبا المحتلة وعلى ألمانيا ذاتها - وهي التي قال عنها جورنج: إنها محوطة بحلقة حديدية من الاستحكامات القوية - فتكررت إغارات البريطانيين على فرنسا الشمالية والغربية وعلى الدانمرك وهولندة وبلجيكا والنرويج، ومن هذه الأحاديث والتعليقات بدأت تظهر «الدعاوة المضادة»، ووجدت هذه الدعاية الخفية في بادئ الأمر طريقها إلى الصحف التي أجاز النازيون صدورها. فقد صارت هذه الصحف تنقل أخبار المعارك الجوية إلى قرائها بكل دقة وأمانة، وكثيرا ما حاول محرروها الإفلات من الرقابة الصارمة، وقد نجحت محاولاتهم في بعض الأحايين. ومن أمثلة ذلك أن صحيفة بلجيكية نشرت ذات يوم خبرا فحواه أن «خمسين قاذفة قنابل ألمانية شوهدت تطير صوب بريطانيا، ولم يعد منها ست وأربعون»، فجاءها إنذار شديد من سلطات الاحتلال الألمانية. ولم تكد تمضي بضعة أيام حتى نشرت هذه الصحيفة نفسها خبرا آخر عن قاذفات ألمانية ذهبت للإغارة على بريطانيا فقالت: «شوهدت اليوم 34 قاذفة ألمانية تطير صوب إنجلترا، وقد عادت منها 43 طائرة إلى قواعدها سالمة!» فأغلقت السلطات إدارة هذه الصحيفة. وهناك تلك الصحيفة الدانمركية التي أرادت أن تنقل إلى قرائها خبر إغارة موفقة قامت بها الطائرات البريطانية ودمرت مصنعا كان يشتغل لحساب ألمانيا في هذه البلاد، ومنعت سلطات الاحتلال نشر خبر هذه الإغارة حتى مضى يومان، فذكرت إدارة الأخبار الألمانية في اليوم الثالث من وقوعها أن الإغارة التي حدثت لم تكن ناجحة وأن كل ما أصابه الطيارون الإنجليز بقذائفهم كان بقرة واحدة، فانتهزت الصحيفة الدانمركية إذاعة خبر الغارة، وحاولت أن تبين لقارئيها مدى الضرر الحقيقي الذي نجم عنها، على خلاف ما ادعته الدعاية النازية، فأثبتت الخبر كما صاغته السلطات الألمانية، ثم أضافت التعليق الآتي: «ولا تزال هذه البقرة تحترق!»
وبطبيعة الحال لقيت قصة البقرة التي لا تزال تحترق، ذيوعا كبيرا، لا يقل في الحقيقة عن ذيوع قصة الطيارات النازية الثلاثة والأربعين التي عادت إلى قواعدها سالمة! ووجد الأهلون في الأراضي المنخفضة والدانمرك وغيرها في ترديد هاتين القصتين على وجه الخصوص وسيلة للسخر بالسادة النازيين الذين ظلوا في فترة الحرب الأولى يمنون النفس بقهر البريطانيين وغزو بلادهم، وأعلنوا عن هذه الأمنية العزيزة لديهم مرارا وتكرارا، وأكثروا من ترديدها زهوا وافتخارا حتى وضعوا «أغنية» في هذا المعنى:
نحن ذاهبون - أو مبحرون - إلى إنجلترا
Wir fahren gen Engelland .
Halaman tidak diketahui