كما أضيفت إليها عبادة «ديونسيس» في أطوارها المتتابعة التي تلبست أخيرا بعبادة «مترا» في الديانة الأورفية السرية.
وقد ترقى اليونان في تصور صفات الأرباب خلال العصور التاريخية، فعبدوها قبل المسيح ببضع مئات من السنين وهي على أسوأ مثال من العيوب الإنسانية، وعبدوها بعد ذلك وهي تترقى إلى الكمال وتقترب إلى فكرة «التنزيه» التي سبقهم إليها المصريون والهنود والفرس والعبرانيون.
فكان أرباب الأوليمب في مبدأ الأمر يقترفون أقبح الآثام ويستسلمون لأغلظ الشهوات، وقد قتل زيوس أباه «كرونوس» وضاجع بنته وهجر سماءه ليطارد عرائس العيون والبحار ويغازل بنات الرعاة في الخلوات، وغار من ذرية الإنسان فأضمر له الشر والهلاك، وضن عليه بسر «النار» فعاقب المارد برومثيوس لأنه قبس له النار من السماء.
ولم يتصوروه قط خالقا للدنيا أو خالقا للأرباب التي تساكنه في جبل الأوليمب وتركب معه متن السحاب، فهو على الأكثر والد لبعضها ومنافس لأنداده منها، وتعوزه أحيانا رحمة الآباء ونبل العداوة بين الأنداد.
ولم يزل «زيوس» إلى عصر «هومير» خاضعا للقدر مقيدا بأوامره، عاجزا عن الفكاك من فضائله.
ثم صوره لنا هزيود الشاعر المتدين على مثال أقرب إلى خلائق الرحمة والإنصاف ومثال الكمال، ولكنه نسب الخلق إلى أرباب أقدم منه ومن سائر المعبودات الأولمبية، وهي «جيا» ربة الأرض و«كاوس» رب الفضاء وإيروس رب التناسل والمحبة الزوجية، وجعل إيروس يجمع بين الأرض وزوجها الفضاء فتلد منه الكائنات السماوية والأرضية وأخرها أرباب الأوليمب، وعلى رأسهم «زيوس» الملقب بأبي الأرباب.
وكان «أكسينوفون» المولود بآسيا الصغرى قبل الميلاد بنحو ستة قرون أول من نقل إلى الإغريق فكرة الإله الواحد المنزه عن الأشياء، فكان ينعي على قومه أنهم يعبدون أربابا على مثال أبناء الفناء، ويقول: إن الحصان لو عبد إلها لتمثله في صورة الحصان، وأن الأثيوبي لو تمثل إلها لقال إنه أسود الإهاب، وأن الإله الحق أرفع من هذه التشبيهات والتجسيمات، ولا يكون على شيء من هذه الصفات البشرية، بل هو الواحد الأحد المنزه عن الصور والأشكال، وإنه فكر محض ينظر كله ويسمع كله ويفكر كله ويعمل كله في تقويم الأمور وتصريف أحكام القضاء.
وكان أثر الديانات الآسيوية والمصرية أظهر من كل ما تقدم في الديانة الأورفية السرية. لأنها كانت ملتقى عبادة إيزيس وعبادة مترا وعبادة المجوس والبراهمة.
فعرفوا «الروح» وعرفوا تناسخ الأرواح، وعرفوا أدوار التطهير والتكفير، ومزجوا بها عبادة «ديونيس» الذي كان في عصورهم الغابرة إله الخمر والقصف والترف، فجعلوا خمره رمزا إلى النشوة الإلهية: نشوة الحياة والشباب الخالد المتجدد على مدى الأيام.
وكانت محاريبه الكبرى بآسيا الصغرى، ولكنهم كانوا يحتفلون في أثينا بعيد يسمونه الأنشستريا
Halaman tidak diketahui