وحاول بعضهم كما حاول الفيلسوف الإنجليزي برادلي
Bradley
أن يقرب الفكرة إلى الفهم فطبق عليها مذهبه المعروف عن الحقائق والظواهر، وهو أن الظواهر تدل على الحقائق ولكنها ليست هي إياها في الجملة والتفصيل، فالكمال المطلق هو الله، ولكن الكمال المطلق هو الحقيقة، والله هو الظاهرة التي يحيط بها وعي الإنسان، فهي «ذات» كما تظهر له، ومعنى مطلق من وراء هذه الظواهر، وهي حقيقة في معناها أو معنى في حقيقتها بلا اختلاف.
ولم تكن بالفيلسوف حاجة إلى هذا التقريب لو أحضر في خلده أن الذات التي لا حدود لكمالها معقولة، بل واجبة، فإما أن نفهم أن الكمال المطلق ذات واعية وإما أن ننفي عنه الوعي وننفي عنه الوجود؛ لأنه لا كمال بغير علم بالنفس كما أسلفنا - فضلا عن العلم بالموجودات.
فمن فكر في الله فكر في ذات.
ومن آمن بالله آمن بذات.
ومن قال إن الكمال المطلق شيء وإن الله شيء آخر كما قال بعض الفلاسفة لم يكن هناك معنى لتخصيصه قوة من قوى الكون باسم الله، من غير فارق بينها وبين تلك القوى، يجعلها ذاتا لها كيان.
ولم نر أحدا من المفكرين يقول بأن الله «معنى» إلا ليجعله أكبر من ذات لا ليجعله أقل من ذات، ولكنه لا يكون أكبر من ذات بالتجرد من صفات الذاتية بل بالزيادة عليها، فينتهون بالتنزيه إلى ذات أكبر من جميع الذوات. •••
والقول بالذات الإلهية يبطل القول «بوحدة الوجود»، كما يبطل القول بأن الله معنى لا ذات له أو قوة غير واعية.
فإن القائلين بوحدة الوجود يرون أن الكون هو الله وأن الله هو الكون، وأنه لا فرق بين الخلق والخالق ولا بين المظاهر المادية والحقائق الإلهية، وقد صدق الفيلسوف الألماني شوبنهور حين قال إن أصحاب هذا المذهب لم يصنعوا شيئا سوى أنهم أضافوا مرادفا آخر لاسم الكون! فزادوا اللغة كلمة ولم يزيدوا العقل تفسيرا ولا الفلسفة مذهبا ولا الدين عقيدة. فالكون إذن و«الوجود الواحد» مترادفان لا يفسر أحدهما الآخر ولا يزيد عليه، وليس هذا هو المقصود بالبحث في الحقائق الإلهية؛ لأنك لا تفسر الكلمة بكلمة تؤدي معناها بعينه ولا تفسر الشيء بالشيء نفسه، أو لا تفسر الماء بالماء كما يقول بعض الأدباء.
Halaman tidak diketahui