ولم يبق بعد اعتبار الشمس رمزا للقوة الكونية إلا قبول التوحيد الصحيح، فتعلمه الإنسان من الديانات الكتابية شيئا فشيئا حتى بلغ بالقوة الإلهية نهاية التنزيه.
ويبدو لنا هذا الترقي الديني من ترقي العقل في تفسير كلمة الإله، فكلمة «إيل» بالآرامية مرادفة لمعنى القوي أو البطل، ثم أصبحت كلمة الإيل بالتعريف مرادفة لبطل الأبطال أو للبطولة المطلقة، كما نميز عالما بكلمة العالم مع التعريف، لنقول: إنه العالم دون سواه.
ومن فكرة البطل إلى فكرة الله الحي القيوم الأول الآخر الصمد الدائم الذي لا شريك له تاريخ طويل: هو تاريخ العقل في الترقي إلى التوحيد.
وقد ظل الموحدون يناضلون ديانة الشمس مئات السنين لأنها لم تتزحزح عن معقلها بغير جهاد عنيف، ولا ننس أن الموحدين في جهادهم القديم لم ينكروا وجود الأرباب الأخرى، بل سلموا وجودها واعتبروها من شياطين الشر التي ترين على العقول وتحجبها عن هداية الدين القويم. فبقيت إلى عصرنا هذا أيام يحتفل بها أتباع الديانات الإلهية، ولا موجب للاحتفال بها إلا أنها كانت مواسم لعبادة الشمس على الخصوص، فأخذتها الديانات الإلهية؛ لأن الله أحق بالتكريم من أرباب الوثنية ومضى زمن طويل قبل إقصاء تلك الأرباب من حظيرة الوجود، فإنما أخرجها العقل البشري أولا من حظيرة القدس والعبادة وسمح لها بالبقاء في زي الشياطين الخبيثة التي تغتصب الربوبية من الجهلاء فترقى في فهم التوحيد ولم تنته جهوده بالوصول إليه.
الوعي الكوني
ما هي صفة الوجود؟
وبعبارة أخرى: ما هو ألزم لوازم الوجود؟
إننا لا نعرف الشيء الموجود تعريفا سائغا إذا قلنا: إنه هو الشيء الذي ندركه بالحس أو بالعقل أو بالبصيرة؛ لأننا - بهذا التعريف - نعلق الوجود على موجود آخر هو الذي يدركه بحسه أو بعقله أو ببصيرته، فلا يكون الشيء موجودا إلا إذا كان له محسون ومدركون.
إلا أننا نعطي الوجود ألزم لوازمه إذا قلنا: إنه «غير المعدوم» فيكفي أن ينتفي العدم ليتحقق الوجود، وكل ما ليس بمعدوم فهو لا محالة موجود.
وليس من الضروري لانتفاء العدم قوام الكثافة أو قوام التجسد الذي يقبل الإدراك بحاسة من هذه الحواس الجسدية.
Halaman tidak diketahui