190

ولكن العالم الطبيعي يحق له إبداء الرأي في هذه المسألة بحق العقل والدليل والبديهة الواعية؛ لأنه إنسان يمتاز حقه في الإيمان بمقدار امتيازه في صفات الإنسان، أما العلم نفسه فلا غنى له عن البديهة الإنسانية في تلمس الحق بين مجاهل الكون وخوافيه.

وبعض العلماء ينكرون ثقة البديهة ويزعمون أنها تناقض أصول البحث والدراسة، فيغفلون عن عمل هذه الثقة في سريان العلوم وتعميم نفعها بين من يعرفونها ومن لا يعرفونها على السواء.

فكيف تسري المقررات العلمية بين العلماء - فضلا عن الجهلاء - لولا ثقة البديهة؟

كيف يعرف المهندس صدق الطبيب في مباحثه العلمية؟ ولا نقول كيف يعرفها الجاهل بالطب والهندسة؟

كيف تصبح المقررة العلمية حقيقة يعتمد عليها العارف والجاهل في إنفاق المال على بناء العمائر وتصحيح الأجسام ومد السكك وصناعات الحديد والخشب والحجارة وما إليها؟

ما من حقيقة من هذه الحقائق تسري بين الناس بغير ثقة البديهة وثقة الإيمان.

ما من حقيقة من هذه الحقائق يعرفها جميع المنتفعين بها معرفة العلماء، أو يمكن أن يعرفها جميع الناس كما يعرفها بعض الناس.

وهي مع ذلك مسائل محدودة يتاح العلم بها لمن يشاء.

فلماذا يخطر على البال أن حقيقة الحقائق الكبرى تستغني عن ثقة البديهة الإنسانية ولا يتأتى أن تقوم في روع إنسان إلا بتجارب المعامل التي يباشرها كل إنسان؟

نعم إن الحقيقة العلمية يعرفها كل من اختبرها ويتبين صدقها بالامتحان إذا تيسرت موازينه ومعاييره، وهي عند الطلب ميسورة لأكثر الناس.

Halaman tidak diketahui