ولكن يقال في الرد عليهم: إن السحر يستلزم وجود الأرواح التي تعالج به وتراض بتعاويذه؛ لأن السحر لا يخلق الآلهة وإنما يخلقه السحرة والكهان الذين يخدمون تلك الآلهة، ويزعمون أنهم على مقربة منها وعلى علم بما يغضبها ويرضيها.
وقد شوهد منذ القدم أن طبيعة السحر غير طبيعة العبادة في أساسها؛ لأن السحر منوط أبدا بالأمور الخبيثة والوسائل الدنسة والنفايات التي تعاف وتنبذ في الخفاء، ولم تخل العبادة قط من توسل إلى الخير ورجاء في كرم المعبود، وقلما تخلو من «تطهر» بنوع من أنواع الطهارة يناقض وسائل السحر الخبيث، فكأنما فرق الناس بين العبادة والسحر عندما فرقوا بين الأرباب المرجوة والأرباب المرهوبة، فاتخذوا العبادة لأرباب الخير والمحبة، واتخذوا السحر لأرباب الشر والبغضاء.
ومهما يكن من تعليل نشوء السحر فليس لنا أن نزعم أن الناس سحروا ثم عبدوا، بل يحق لنا أن نزعم أنهم قد عبدوا ثم سحروا؛ لأن السحر اختراع لا معنى له ما لم يسبقه إيمان بالمعبودات التي يروضها السحرة ويخافها العباد. •••
والأكثرون من ناقدي الأديان يعللون العقيدة الدينية بضعف الإنسان بين مظاهر الكون وأعدائه فيه من القوى الطبيعية والأحياء، فلا غنى له عن سند يبتدعه ابتداعا ليستشعر الطمأنينة بالتعويل عليه والتوجه إليه بالصلوات في شدته وبلواه.
على أن القول بضعف الإنسان تحصيل حاصل إن أريد به بطلان العقيدة الدينية وإثبات التعطيل؛ لأن الإنسان ضعيف على كلا الفرضين، فليس من شأن ضعفه أن يرجح أحد الفرضين على الآخر.
فإذا ثبت أنه من خلق إله فعال قدير فهو ضعيف بالنسبة إلى خالقه، وإذا لم يثبت ذلك فهو ضعيف بالنسبة إلى الكون ومظاهره وقواه، فماذا لو كان قويا مستغنيا عن قوى العالم؟ أيكون ذلك أدعى إلى إثبات العقيدة الدينية والإيمان بالله؟
إننا إذا حكمنا ببطلان العقيدة الدينية لضعف الإنسان فقد حكمنا ببطلانها على كل حال، ثبت وجود الله أو لم يثبت بالحس أو البرهان! لأنه لن يكون إلا ضعيفا بالنسبة إلى الخالق الذي يبدعه ويرعاه.
لكن الواقع أن الضعف لا يعلل العقيدة الدينية كل التعليل؛ لأنها تصدر من غير الضعفاء بين الناس، وليس أوفر الناس نصيبا من الحاسة الدينية أوفرهم نصيبا من الضعف الإنساني سواء أردنا به ضعف الرأي أو ضعف العزيمة، فقد كان الأنبياء والدعاة إلى الأديان أقوياء من ذوي البأس والخلق المتين والهمة العالية والرأي السديد، ومهما يكن من الصلة بين ضعف الإنسان واعتقاده فهو لا يزداد اعتقادا كلما ازداد ضعفا ولا يضعف على حسب نصيبه من الاعتقاد، وما زال ضعفاء النفوس ضعفاء العقيدة، وذوو القوة في الخلق ذوي قوة في العقيدة كذاك.
فليس معدن الإيمان من معدن الضعف في الإنسان، وليس الإنسان المعتقد هو الإنسان الواهي الهزيل، ولا إمام الناس في الاعتقاد إمامهم في الوهن والهزال.
وربما كان الأصح والأولى بالتقرير والتحقيق أن العقيدة تعظم في الإنسان على قدر إحساسه بعظمة الكون وعظمة أسراره وخفاياه، لا على قدر إحساسه بصغر نفسه وهوان شأنه.
Halaman tidak diketahui