Allah, Alam Semesta, dan Manusia: Pandangan dalam Sejarah Pemikiran Agama
الله والكون والإنسان: نظرات في تاريخ الافكار الدينية
Genre-genre
هذه أهم نقاط اتفاق الإخوان مع الغنوصية التقليدية. أما عن نقاط الاختلاف فإن الغنوصية ترى أن العالم شر ولا سبيل إلى إصلاحه؛ لأنه من صنع الديميرج لا من صنع الآب النوراني الأعلى خالق العوالم الروحانية التي تسمو على العالم المادي. من هنا يأتي رفض الغنوصية للعالم واحتقارها للجسد الذي ينتمي إلى هذا العالم والتنكر لرغباته. أما الإخوان فلا يرون أن العالم شر ولكنه ناقص، ولكنه على نقصه وكونه سجنا للنفوس الهابطة، فإنه يقدم لتلك النفوس فرصة للانعتاق عن طريق المعرفة المنجية؛ فالنفوس إنما تقضي المدة اللازمة في هذا العالم من أجل التعلم والتبصر والارتقاء من أجل الانتفاع بالحياة الثانية. والجسد ليس شرا إلا بالنسبة لأولئك الذين ينظرون إلى أنفسهم على أنهم مجرد جسد، أما العارفون فإنهم في موقع السادة لأجسادهم لا في موقع العبيد، ويتحول الجسد عندهم، بما فيه من وظائف حسية وعقلية ونفسية، إلى أداة للمعرفة المنجية.
كما تختلف غنوصية الإخوان عن الغنوصية التقليدية في وسائل وأساليب تحقيق المعرفة؛ فبينما تركز الغنوصية على المعرفة الصوفية في معزل عن العالم ومؤثراته، فإن الإخوان يرون أن معرفة النفس لن تتأتى قبل معرفة العالم ومجرياته، ومعرفة الجسد بكل وظائفه؛ لأنه مسكن النفس ووسيلتها إلى الانعتاق؛ من هنا فقد تحدث الإخوان في رسائلهم عن الفلسفة والرياضيات والموسيقى وعلم الفلك، وعن الأرض وبيئاتها الطبيعية وكرويتها وطول قطرها ومحيطها، ووصفوا جسم الإنسان ووظائفه وآليات حواسه. وفي غمار ذلك كانوا يبسطون لمذهبهم ويدعون إليه. هذه الذخيرة المعرفية للإخوان خطفت أبصار الباحثين في رسائلهم، فاعتقدوا أنها مقصودة لذاتها وأشبعوا فروع المعرفة التي تكلم فيها الإخوان بسطا وبحثا وتحليلا، ولكن دون عناية بفهم مذهبهم على أنه مذهب غنوصي لا لبس فيه. (س):
في سياق حديثك عما هو مشترك بين الإخوان والغنوصية، قلت إنهم لا يؤمنون ببعث الأجساد وإنما ببعث الأرواح وخلودها، وهم في هذا، وفي مسائل أخرى عديدة، يطرحون أفكارا لا تتفق مع التفسير الرسمي للقرآن الكريم، أليس كذلك؟ (ج):
نعم، فأفكارهم قد لا تتفق أحيانا مع التفسير الرسمي للقرآن، ولكنها في رأيهم تتفق مع المرامي الحقيقية للنص؛ فالنص القرآني مؤلف من مستويين، مستوى موجه نحو العامة، وآخر موجه نحو الخاصة؛ فالعامة تفهم منه ما شاء لها أن تفهم، وهم أهل الظاهر، والخاصة تفهم منه ما شاء لها أن تفهم وهم أهل الباطن، وفي كل فهم خير لأهله؛ ولذلك فإن إخوان الصفاء يلجئون إلى التأويل من أجل الكشف عن المعنى الباطن لآيات الكتاب كلما كان هناك تعارض بين أفكارهم والمعنى المباشر الظاهر للنص القرآني. ولا أستطيع هنا سوى إيراد نماذج من تأويلاتهم؛ فهم يرون مثلا أن الملائكة الذين خلقهم الله وأوكلهم بحفظ العالم وتدبير الخليقة ليسوا شخصيات روحانية، وإنما هم بعض قوى النفس الكلية منبثة منها في الأجسام كلها التي دون فلك القمر. وهذه القوى تدعى باللفظ الشرعي ملائكة ولكنها تدعى باللفظ الفلسفي قوى طبيعية. وبذلك يكون إخوان الصفاء قد توصلوا إلى مقدمات ما ندعوه اليوم بقوانين الطبيعة. (س):
نلاحظ هنا غلبة التفكير العقلي على التفكير الأسطوري، فهل كانوا على هذه الدرجة من العقلانية دوما؟ (ج):
لقد أعلى إخوان الصفاء من شأن العقل وجعلوه مرشدا وهاديا للإنسان؛ ولذلك فإنهم يرون أن الفلاسفة والحكماء هم ورثة الأنبياء. والإخوان يعلون من شأن التفكير العقلي ويضعونه في مرتبة العبادة، ويرون أن أجود أحوال العامة والجهال الصوم والصلاة وما شاكل ذلك من العبادات، وأن أجود أحوال الخواص التفكر بتصاريف أمور المحسوسات والمعقولات. (س):
هل لدى الإخوان تأويلات أكثر تطرفا مما ذكرت؟ (ج):
من الأفضل أن نقول أكثر عقلانية. نعم؛ فهم لا يرون أن إبليس عبارة عن شخص روحاني ناصب الله العداوة وأقسم بعزته أن يغوي الناس ويدفعهم إلى المعصية، وإنما هو نوازع النفس الشهوانية إذا تغلبت على نوازع النفس العاقلة؛ فهو في داخل الإنسان وليس في خارجه، ويجري من ابن آدم مجرى الدم. وهذا هو معنى الآية الكريمة القائلة:
ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها (سورة الشمس: 7-10). وليس اندحار إبليس وجنوده في آخر الزمن إلا تعبيرا عن وصول الإنسانية إلى ذروة ارتقائها، وضعف النفس الشهوية وظهور النفس العاقلة عليها.
وأكثر من ذلك، فإن الأوصاف المادية لجهنم على أنها خندق من نار يعذب فيه الله العصاة كلما احترقت أجسادهم عادت إليهم الرطوبة لتحترق ثانية، وكذلك الأوصاف المادية للجنة على أنها بستان فيه من كل الثمرات وأنهار من لبن وعسل وخمر، وأن أجساد أهلها لحمية، وأنهم شبان لا يهرمون وأصحاء لا يمرضون، كلها أوصاف رمزية تصلح للجهال والصبيان؛ لأنها تقرب لأذهانهم ما وعدوا به وتزيد خوفهم من سوء أفعالهم فيتركونها، وتقوي رجاءهم لثواب أعمالهم. وأما من رزقه الله قليلا من التمييز والعقل ونظر في علوم الحكمة فإن ذلك لا يصلح له. (س):
Halaman tidak diketahui