458

الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية

الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية

Penerbit

دار القلم

Edisi

الأولى

Tahun Penerbitan

١٤٣٨ هـ - ٢٠١٧ م

Lokasi Penerbit

بيروت - لبنان

Genre-genre

والرابع: أن آدم قال لربه إذ عصاه:: يا رب، خطيئتي التي أخطأتها، أشيء كتبته علي قبل أن تخلقني، أو شيء ابتدعتُهُ من قبل نفسي؟ قال: بلى، شيء كتبته عليك قبل أن أخلقك. قال: فكما كتبته عليّ فاغفره لي. قاله عبيد بن عمير (١).
وهذه الأقوال وإن كانت مختلفة الألفاظ، فإن معانيها متفقة في أن الله جل ثناؤه لقَّى آدمَ كلماتٍ، فتلقَّاهُنّ آدمُ من ربه فقبلهن وعمل بهن، وتاب بقِيله إياهنّ وعملِه بهنّ إلى الله من خطيئته (٢)، والراجح هو قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف: ٢٣]، وهو قول عامة أهل العلم مثل ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير والضحاك ومجاهد (٣).
قال ابن عطية: "وسئل بعض سلف المسلمين عما ينبغي أن يقوله المذنب، فقال: يقول ما قال أبواه، رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا. وما قال موسى: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي. [القصص: ١٦]. وما قال يونس: لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. [الأنبياء: ٨٧] " (٤).
قوله تعالى: ﴿فَتَابَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ٣٧]، "أي وفقه للتوبة وقبلها منه، وعاد عليه بالمغفرة" (٥).
قال الصابوني: "أي قبل ربه توبته" (٦).
قال الواحدي: " أي عاد عليه بالمغفرة" (٧).
قال أبو حيان: "أي تفضل عليه بقبول توبته" (٨).
قال ابن عطية: أي: "رجع به، والتوبة من الله تعالى الرجوع على عبده بالرحمة والتوفيق، والتوبة من العبد الرجوع عن المعصية والندم على الذنب مع تركه فيما يستأنف" (٩).
قال الماوردي: " أي قبل توبته، والتوبةُ الرجوع، فهي من العبد رجوعه عن الذنب بالندم عليه، والإقلاع عنه، وهي من الله تعالى على عبده، رجوع له إلى ما كان عليه" (١٠).
قال الراغب: " التوبة في الشرع: ترك الذنب، والندم على ما فات، والعزيمة على عدم العودة إليه، وتدارك ما أمكنه من عمل الصالحات، فهذه أركان التوبة وشرائطها" (١١).
ومعنى (التوبة) في اللغة: الرجوع. وفي الشريعة: رجوع العبد من المعصية إلى الطاعة، فالعبد يتوب إلى الله والله يتوب عليه، أي يرجع عليه بالمغفرة، والعبد تواب إلى الله أي راجع إليه بالندم، والله تواب يعود عليه بالكرم، والعبد تواب إلى الله بالسؤال، والله تواب عليه بالنوال" (١٢).
وقوله: ﴿فَتَابَ عَلَيْهِ﴾، ولم يقل (عليهما) وحواء مشاركة لآدم في الذنب، وقد قال تعالى لهما: قال ﴿وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ﴾ [البقرة: ٣٥] و﴿قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا﴾ [الأعراف: ٢٣]، يجاب على هذه المسألة بما يأتي:
أولا: إن آدم ﵇ لما خاطب في أول القصة بقوله (اسكن) خصه بالذكر في التلقي فلذلك كملت القصة بذكره وحده.
الثاني: لأن المرأة حرمة ومستورة فأراد الله الستر لها ولذلك لم يذكرها في المعصية في قوله ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ [طه: ١٢١].

(١) انظر: تفسير الطبري (٧٨١)، و(٧٨٢)، و(٧٨٣)، و(٧٨٤) و(٧٨٥): ص ١/ ٥٤٤.
(٢) انظر: تفسير الطبري: ١/ ٥٤٢ ومابعدها.
(٣) انظر: تفسير ابن كثير: ١/ ٣٢٤.
(٤) المحرر الوجيز: ١/ ١٣١.
(٥) أنظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ١٣١، "زاد المسير" ١/ ٧٠، و"تفسير ابن كثير" ١/ ٨٧.
(٦) صفوة التفاسير: ١/ ٤٤.
(٧) التفسير البسيط: ٢/ ٤٠٩.
(٨) البحر المحيط: ١/ ١٣٧.
(٩) المحرر الوجيز: ١/ ١٣١.
(١٠) النكت والعيون: ١/ ١٠٩.
(١١) مفردات الراغب: ٧٦. وانظر: "شرح أسماء الله" للزجاج ص ٦١، "تهذيب اللغة" (تاب) ١/ ٤١٦ - ٤١٧، "تفسير الطبري" ١/ ٢٤٦، و"ابن عطية" ١/ ١٣١ - ١٣٢، و"القرطبي" ١/ ٢٧٧ - ٢٧٨، "زاد المسير" ١/ ٧٠، "البحر" ١/ ١٦٦.
(١٢) التفسير البسيط: ٢/ ٤٠٩. وانظر: تهذيب اللغة" (تاب) ١/ ٤١٦ - ٤١٧.

2 / 200