الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية
الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية
Penerbit
دار القلم
Nombor Edisi
الأولى
Tahun Penerbitan
١٤٣٨ هـ - ٢٠١٧ م
Lokasi Penerbit
بيروت - لبنان
Genre-genre
من غير تأوُّل منهم. ذلك أن معناه: مدّ النهرَ نهرٌ آخر. فكذلك ذلك في قول الله: ﴿وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ (١).
وقوله تعالى: ﴿طُغْيَانِهِمْ﴾ [البقرة: ١٥]، يعني في: "كفرهم وضلالهم" (٢).
قال ابن عباس: " في كفرهم يترددون" (٣). وروي عن ابن مسعود (٤) وقتادة (٥) والربيع (٦) وابن زيد (٧) مثل ذلك.
و(الطُّغيان)، أصله مجاوزة الحد، من قولك: طَغَى فلان يطغَى طُغيانًا، إذا تجاوز في الأمر حده فبغى، ومنه قوله الله: ﴿كَلا إِنَّ الإنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ [سورة العلق: ٦، ٧]، أي يتجاوز حدّه، وقوله في فرعون: ﴿إِنَّهُ طَغَى﴾ [طه: ٢٤] أي أسرف في الدعوى حيث قال: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى﴾ [النازعات: ٢٤] (٨)، ومنه قول أمية بن أبي الصَّلْت (٩):
وَدَعَا اللهَ دَعْوَةً لاتَ هَنَّا ... بَعْدَ طُغْيَانِه، فَظَلَّ مُشِيرَا
وقوله تعالى: ﴿يَعْمَهُونَ﴾ [البقرة: ١٥]، فيه ثلاثة أقوال (١٠):
أحدها: يترددون، قاله ابن عباس (١١)، ومجاهد (١٢)، والربيع (١٣)، ومنه قول ابن بري (١٤):
مَتى تَعْمَهْ إلى عُثْمانَ تَعْمَه ... إلى ضَخْم السُّرادِقِ والقِبابِ
أَي تُرَدِّدُ النظرَ.
والثاني: معناه يتحيرون، قاله ابن عباس (١٥)، ومنه قول رؤية بن العجاج (١٦):
ومهمه أطرافه في مهمه ... أعمى الهدى بالجاهلين العمه
والثالث: يعمهون عن رشدهم، فلا يبصرونه، لأن من عمه عن الشيء كمن كمه عنه، قال الأعشى (١٧):
أراني قد عمهت وشاب رأسي ... وهذا اللعب شين للكبير
والرابع: يتمادَوْن. قاله ابن عباس (١٨).
قال الثعلبي: ﴿يعمهون﴾، أي: " يمضون، يترددون في الضلالة متحيرين، يقال: عمه يعمه عمها وعموها، وعمها فهو عمه، وعامه: إذا كان جائرا عن الحق" (١٩). ثم استشهد بقول رؤبة السابق.
الفوائد:
(١) ينظر: تفسير الطبري: ١/ ٣٠٧ - ٣٠٨.
(٢) تفسير القرطبي: ١/ ٢٠٨.
(٣) أخرجه الطبري (٣٦٦): ص ١/ ٣٠٩.
(٤) أخرجه الطبري (٣٦٧): ص ١/ ٣٠٩.
(٥) أخرجه الطبري (٣٦٨): ص ١/ ٣٠٩.
(٦) أخرجه الطبري (٣٦٩): ص ١/ ٣٠٩.
(٧) أخرجه الطبري (٣٧٠): ص ١/ ٣٠٩.
(٨) أنظر: تفسير القرطبي: ١/ ٢٠٨.
(٩) ديوانه: ٣٤ مع اختلاف في الرواية. والضمير في قوله " ودعا الله " إلى فرعون حين أدركه الغرق. والهاء في قوله " طغيانه " إلى فرعون، أو إلى الماء لما طغا وأطبق عليه. وقوله " لات هنا "، كلمة تدور في كلامهم يريدون بها: " ليس هذا حين ذلك "، والتاء في قولهم " لات " صلة وصلت بها " لا "، أصلها " لا هنا " أي ليس هنا ما أردت، أي مضى حين ذلك. و" هنا " مفتوحة الهاء مشددة النون، مثل " هنا " مضمومة الهاء مخففة النون. وقوله: " مشيرًا "، أي مشيرًا بيده في دعاء ربه أن ينجيه من الغرق.
(١٠) أنظر: النكت والعيون: ١/ ٧٩.
(١١) أنظر: تفسير الطبري (٣٧٣): ص ١/ ٣١٠. ولفظه: " ﴿يَعْمَهُونَ﴾، قال: يتردَّدون".
(١٢) أنظر: تفسير الطبري (٣٧٥)، و(٣٧٦)، و(٣٧٧)، و(٣٧٨): ص ١/ ٣١١.
(١٣) أنظر: تفسير الطبري (٣٧٩): ص ١/ ٣١١.
(١٤) البيت ورد في اللسان ١٨٩/ ١٠: مادة (ع م هـ).
(١٥) أنظر: تفسير الطبري (٣٧٤): ص ١/ ٣١٠. ولفظه: " يَعْمَهُونَ ": المتلدِّد".
تلدد للرجل فهو متلدد: إذا لبث في مكانه حائرًا متبلدًا يتلفت يمينًا وشمالا.
(١٦) ديوانه ص ١٦٦ واللسان والتهذيب والصحاح: (عنه).
(١٧) البيت من شواهد الماوردي في النكت والعيون: ١/ ٧٩، والسيوطي في الإتقان: ١/ ١٧٤، والدر المنثور: ١/ ٨٠.
(١٨) أنظر: تفسير الطبري (٣٧٢): ص ١/ ٣١٠.
(١٩) تفسير الثعلبي: ١/ ١٥٨.
2 / 90