292

الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية

الكفاية في التفسير بالمأثور والدراية

Penerbit

دار القلم

Nombor Edisi

الأولى

Tahun Penerbitan

١٤٣٨ هـ - ٢٠١٧ م

Lokasi Penerbit

بيروت - لبنان

Genre-genre

فحروف الافتتاح ظاهرة التكرار في سورها أو على الأقل في الآيات التالية مباشرة لتلك الحروف، وذلك لإحداث الجرس الصوتي الجميل والمشاركة في نقل المعنى ورسم الصورة.
ولقد كثرت الألف واللام والميم في الفواتح دون غيرهن من الحروف لكثرتهن في الكلام (١).
وسورة الأعراف زيد فيها الصاد على ﴿الم﴾ لما فيها من شرح القصص: قصة آدم فمن بعده من الأنبياء، ولما فيها من ذكر: ﴿كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ﴾ [الأعراف: ٢] (٢).
وزيد في سورة الرعد (راء) فصارت ﴿المر﴾ لأجل قوله: ﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ﴾ [الرعد: ٢]، ولأجل ذكر الرعد والبرق وغيرها من الكلمات التي تردد فيها حرف الراء بكثرة (٣).
هذا فضلًا عما ورد فيها من الجمل المجتمع في تراكيبها الألف واللام والميم والراء في مثل قوله: ﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ [الرعد: ٢]، وقوله: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ [يونس: ٣]، وقوله: ﴿اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ﴾ [الرعد: ٨]، وقوله: ﴿وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ﴾ [الرعد: ٣٠]، وقوله: ﴿فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا﴾ [الرعد: ٤٢].
قال السيوطي: "وقد تكرر في سورة يونس من الكلم الواقع فيها الراء مائتا كلمة أو أكثر، فلهذا افتتحت بـ: ﴿الم﴾ (٤) ".
وقد"اشتملت سورة (ص) على خصومات متعددة، فأولها خصومة النبي ﷺ مع الكفار وقولهم: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ [ص: ٥]، ثم اختصام الخصمين عند داود، ثم تخاصم أهل النار، ثم اختصام الملأ الأعلى، ثم تخاصم إبليس في شأن آدم، ثم في شأن بنيه وإغوائهم (٥) ".
وتجدر الإشارة بأن تكرار حرف الصاد في سورة (ص) يفوق كثيرًا معدل تكراره في السور الأخر المجاورة لها، سواء كانت في طولها أم أطول منها قليلًا، فقد تكرر حرف الصاد في سورة (ص) تسعًا وعشرين مرة - بما فيها حرف الافتتاح ـ، وتكرر في سورة الزمر التي تليها مباشرة اثنين وعشرين مرة، فإذا علمت أن سورة (ص) في المصحف خمس صفحات، في حين أن سورة الزمر ثمان صفحات، وإذا حسبنا الفارق بين تكرار الحرف في السورتين فوجدناه يزيد في سورة (ص) سبع مرات عن سورة الزمر، وإذا وضعنا هذا كله في الاعتبار قلنا: إن تكرار حرف الصاد في سورة (ص) يقارب ضعف تكراره في سورة الزمر، وهذا على وجه التقريب (٦).
وإذا تأملنا سورة (ق) فسنجد حرف القاف مكررًا في أكثر آياتها مرة أو مرتين في كلمة قد تكون أهم كلمة في الآية.
قال الزركشي: "سورة (ق) بُدِئت به لما تكرر فيها من الكلمات بلفظ القاف، من ذكر القرآن، والخلق، وتكرير القول ومراجعته مرارًا، والقرب من ابن آدم، وتلقي الملكين، وقول العتيد الرقيب، والسائق والإلقاء في جهنم، والتقدم بالوعد، وذكر المتقين، والقلب والقرون والتنقيب في البلاد، وتشقق الأرض، وحقوق الوعيد، وغير ذلك" (٧).

(١) هكذا قال الزركشي في البرهان ١/ ١٦٨، وقال - أيضًا ـ: "واعلم أن الأسماء المتهجاة في أول السور ثمانية وسبعون حرفًا: فالكاف والنون كل واحد في مكان واحد، والعين والياء والهاء والقاف كل واحد في مكانين، والصاد في ثلاثة، والطاء في أربعة، والسين في خمسة، والراء في ستة، والحاء في سبعة، والألف واللام في ثلاثة عشر، والميم في سبعة عشر": اهـ البرهان ١/ ١٦٧.
(٢) انظر الإتقان ٣/ ٣٣٥.
(٣) انظر الإتقان ٣/ ٣٣٥.
(٤) الإتقان ٣/ ٣٣٤.
(٥) الإتقان ٣/ ٣٣٤.
(٦) تفسير الحروف المقطعة، د. محمد حسن أبو النجا (مصدر سابق).
(٧) البرهان للزركشي ١/ ١٦٩، وانظر الإتقان ٣/ ٣٣٤.

2 / 27