الإعجاز العلمي إلى أين

Musaad Al-Tayyar d. Unknown

الإعجاز العلمي إلى أين

الإعجاز العلمي إلى أين

Penerbit

دار ابن الجوزي

Nombor Edisi

الثانية

Tahun Penerbitan

١٤٣٣ هـ

Genre-genre

الإعجاز العلمي إلى أين؟ مقالات تقويمية للإعجاز العلمي تأليف د. مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار الأستاذ المشارك بكلية المعلمين بالرياض دار ابن الجوزي بسم الله الرحمن الرحيم

1 / 1

ـ[عرض كتاب الإعجاز العلمي إلى أين]ـ؟ مقالات تقويمية للإعجاز العلمي تأليف: د. مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار الأستاذ المشارك بكلية المعلمين بالرياض طبعة: دار ابن الجوزي عرض: عمرو الشرقاوي عرض موجز: يتكون الكتاب في طبعته الثانية من ثمانية مقالات تعرض فيها الشيخ د. مساعد الطيار، لمصطلح (الإعجاز العلمي)، بالشرح والبيان عند أصحابه، وما يرد على تعريفهم من إشكال. ثم تعرض لطريقة المعالجة التفسيرية لدى هؤلاء، وما فيها من إشكال. وتعرض لعدة نصائح لطريقة معالجة التفسير مع الحقائق الكونية الموجودة في القرآن، بما لا يخالف تفسير السلف بل يتفق معه. واهتم المؤلف بضرب الأمثلة على ما يذكر، وبرع في ذلك. عرض الكتاب: بدأ المؤلف كتاب بمقدمة أوضح فيها مفهوم المعجزة على سبيل الاختصار؛ لتكون تمهيدًا للحديث عن (الإعجاز العلمي). وقال: «لو وازنْتَ بين مصطلح القرآن والسُّنّة (الآية)، وهذا المصطلح الحادث (المعجزة) = لبان لك أن مصطلح القرآن والسُّنّة لا يحتاج إلى تلك الشروط التي عَرَّف بها هؤلاء مصطلح المعجزة». وبين أنه كما وقع الخلل في تعريف المعجزة، وقع الخلل أيضًا في أمور متعلقة بها. ونبه كذلك أن مما يحسن التنبه له في موضوع (معجزات - آيات - الأنبياء) أنها ليست هي الطريق الوحيد لإثبات نبوة الأنبياء. ومما ذكره المؤلف أنه «إذا جمعت الوجوه التي حُكيت في أنواع الإعجاز - سوى الصرفة - وجدت أنها لا تكون في كل سورة، بل تتخلف في كثير من السور، فمثلًا: ليس في كل السور إخبار بالغيب. أما الذي يوجد في كل سورة بلا استثناء فهو الوجه المتحدى به، وهو ما يتعلق بالنظم العربي لهذا القرآن (لغة وبلاغة وأسلوبًا»). وفي المقالة الأولى، الإعجاز العلمي في القرآن بين أن هذا الموضوع يدخل تحت التفسير بالرأي، وينطبق عليه شروط التفسير بالرأي.

(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هذا العرض ليس في المطبوع، ومصدره الموقع الرسمي للمؤلف - حفظه الله -.

كما بين أنَّ كُتب الله السابقة توافق القرآن في جميع ما يتعلق بوجوه الإعجاز المذكورة عدا ما وقع به التحدِّي، إذ لم يرد نصٌّ صريح يدل على أنه قد تُحدِّي الأقوام الذين نزل عليهم كتب، كما هو الحال بالنسبة للقرآن. كما نبه إلى أن كل من دخل إلى التفسير وله أصل، فإن أصله هذا سيؤثر عليه، وسيقع في التحريف. ونبه أن في نسبة الإعجاز، أو التفسير إلى «العلمي» خلل كبير، وأثر من آثار التغريب الفكري. وأنه مما يلاحظ في أصحاب الإعجاز العلمي عدم مراعاة مصطلحات اللغة والشريعة. ونبه أن من المهم على من يتصدى للكلام في الإعجاز لا بد أن له من تعلُّم التفسير وأصوله لئلا يشتطوا في تفسيراتهم، أو يلووا أعناق النصوص إلى ما يريدون. وأن عمل المفسِّر أن يرى صحة انطباق تلك القضية على ما جاء في القرآن من جهة دلالة اللغة والسياق وغيرها؛ أي: أن عمله عمل تفسيري بحت. وكما لا يرضى أهل الإعجاز العلمي بما عند المفسرين من تفسير كل ظواهر الكون التي أثبت البحث التجريبي المعاصر خطأها، فإن المفسرين لا يرضون لكل واحد من الباحثين التجريبيين أن يوافق بين البحث التجريبي وما ورد في القرآن. ونبه أن الربط بين ما يظهر في البحث التجريبي المعاصر وبين ما يرد في القرآن إنما هو من عمل المفسِّر به، كائنًا من كان هذا المفسر. وذكر عدة قواعد لمن يريد تفسير القرآن بالنظريات العلمية، كما نبه على الفرق بين القرآن والعلم التجريبي في تقرير القضية العلمية، كما نبه على موقف المسلم من قضايا العلوم التجريبية المذكورة في القرآن. وفي المقالة الثانية، تقويم المفاهيم في مصطلح الإعجاز العلمي بدأ بذكر تعريفات لمصطلح الإعجاز، وعدة مآخذ عليها. ونبه أنه من الطبيعي أن يكون الحديث عن الحقائق الكونية في القرآن موافقًا للواقع، فخالق الحقيقة الكونية هو المتكلم عنها.
ونبه على الفرق بين الانطلاق من بيان عظمة الخلق، وأنه سيجعل الباحث غير مقيَّد بموضوع معيَّنٍ يريد إثباته، بل سيكون حديثه عامًّا، فيتحدث عن عموم القضية الكونية؛ كالحديث عن النجوم على سبيل العموم، فتأتي القضايا التي ذكرها القرآن في معرض الحديث عنها، دون أن يكون القصد إلى إثبات مطابقة العلم التجريبي لما فيها من معانٍ ودلالات. أما لو انطلق من الآيات لتقرير مسألة الإعجاز العلمي، فإنه سيكون مقيَّدًا بإثبات دلالة القرآن دلالة واضحة لا لبس فيها على تلك القضية التي يذكرها، وسيدخل في أمرين: الأول: لزوم ما لا يلزم، حيث يُلزم نفسه بما ليس لازمًا أصلًا في البحث والتقرير. الثاني: أنه يدخل إلى القرآن بمقررات سابقة تجعله يلوي عنق النصِّ إلى هذه المقررات من حيث لا يشعر. ونبه على عدة قضايا مهمة، مع التنبيه على أمثلة وبيان وجه الصواب فيها. وفي المقالة الثالثة، الإعجاز العلمي نبه أن أهل التفسير ليسوا ضد المخترعات الحديثة والعلم التجريبي، ولكن الإشكالية بينهم وبين المعتنين بالإعجاز في الربط بين هذه المخترعات والمكتشفات وبين النصوص القرآنية، وطريقة ذلك. ونبه أن ما يسمى بالإعجاز العلمي ليس مختصًّا بالقرآن وحده بل هو مخصوص بكلام الله سواءً أكان نازلًا على إبراهيم أم على موسى أم على محمد صلوات الله وسلامه عليهم. وأكد أن الدعوة بالإعجاز العلمي هي أحد طرق الدعوة، وليس هو طريقها الوحيد في هذا العصر، بل ليس هو أنجعها وأنفعها! وفي المقالة الرابعة، تصحيح طريقة معالجة تفسير السلف في بحوث الإعجاز العلمي ذكر المؤلف أن مشكلة البحث تكمن أن فيما سطَّره بعض المعاصرين ممن اعتنوا بإبراز (الإعجاز العلمي) في كتاب الله ﷾؛ رأيت أن اعتمادهم على المأثور عن السلف قليلٌ جدًا، وجُلُّ اعتمادهم على كتب التفسير المتأخرة!
كما شرح في هذا المقال مصطلحات البحث، فشرح مصطلح: التفسير، والسلف، وأصول التفسير، والإعجاز العلمي، وتكلم المؤلف في هذا البحث عن أهمية تفسير السلف وكيفية التعامل معه، وضوابط القول بالتفسير المعاصر، واعتراضات على تفسير السلف، والجواب عنها. ونبه أن معرفة تفسير السلف أصل أصيل من أصول التفسير، ومن ترك أقوالهم، أو ضعف نظره فيها، فإنه سيصاب بنقص في العلم، وقصور في الوصول إلى الحق في كثير من آيات القرآن. وذكر أن من يُعنى بدراسة (الإعجاز العلمي) يلزمه أن يكون مدركًا لكيفية التعامل مع أقوال السلف المتفقة والمختلفة، ويكون عنده الأداة القادرة على التمييز بين الأقوال، والقادرة على الترجيح بينها إذا دعا إلى ذلك الحال. وذكر عدة ضوابط لقبول التفسير المعاصرـ منها: الضابط الأول: أن يكون القول المفسَّر به صحيحًا في ذاته. الضابط الثاني: أن تحتمل الآية هذا القول الحادث. الضابط الثالث: أن لا يبطل قول السلف. الضابط الرابع: أن لا يقصر معنى الآية على ما ظهر له من التفسير الحادث. وفي فصل: اعتراضات على تفسير السلف، ذكر أنه قد يقع عند بعض المعتنين بالإعجاز اعتراض على هذه القضية من جهتين: الأولى: أن الواحد من السلف قد يخطئ، فكيف أكون ملزَمًا بقوله. الثانية: أن في تفسير السلف إسرائيليات، وبعضها يتعلق بأمور كونية أو تجريبية قد ثبت خطؤها. وبحثهما المؤلف بحثًا وافيًا. وفي المقالة الخامسة، هل يصح أن ينسب الإعجاز للسُّنَّة؟ ذكر أن أزمة المصطلحات لا تكاد تنفك عن علم من العلوم، ونحن بحاجة إلى النظر فيها لتحرير محلِّ النِّزاع، أو لما قد يترتب عليها من معلومات فيها خلل، لذا فإن ما يقال: إنه لا مشاحة في الاصطلاح = فإنه ليس على إطلاقه، نعم، لا مشاحة في الاصطلاح إذا كان لا يغيِّر حقائق الأمور، ولا يترتب عليه معلومات علمية خاطئة.
ثم بحث الشيخ مصطلحًا معاصرًا حادثًا، وهو (الإعجاز العلمي في السُّنَّة النبوية)، وهل يصح هذا الإطلاق؟ وما يترتب على هذا الإطلاق. وفي المقالة السادسة، تعريف الإعجاز العلمي بالسبق هل هو دقيق في التعبير عن مضمونه؟ ذكر أن طالب الحقِّ لا ينزعج من أن يُعترض عليه في تعريفه، بل أن يُنقض تعريفه؛ لأن الحقَّ مطلبُه وبغيته، ولا ينزعج من ذلك إلا قليل البضاعة في العلم، أو ضيق النفس الذي لا يحتمل الصولة في العلم. ثم ذكر عدة اعتراضات على مصطلح الإعجاز العلمي، وتعريفاته. وفي المقالة السابعة، مصطلح الإعجاز العلمي عند الطاهر بن عاشور، ذكر الشيخ أن الطاهر بن عاشور ذكر (الإعجاز العلمي) في حديثه في المقدمة العاشرة في إعجاز القرآن. ولاحظ أن مدلول العلم عند الطاهر بن عاشور أوسع من مدلول المعتنين بالإعجاز العلمي الذين جعلوه في (العلوم التجريبية)، وقد ظهر أثر توسع المدلول عنده في التطبيقات التي استخرجتها من كتابه، وهي قريبة من العشرين موضعًا، وذكر منها ما يدل على هذا المقال. وفي المقالة الثامنة، التفسير بالإعجاز العلمي قائم على الظنِّ والاحتمال، وليس على اليقين بين أنه في كلا الحالتين (أي: كونه تفسيرًا علميًّا أو إعجازًا علميًّا) لا يختلف الحال في أن تفسير القرآن بهذا أو ذاك إنما هو تفسير احتمالي ظني، وضرب مثالًا على ذلك. كما نبه أن الحاجة ماسَّة لعقد لقاء تأصيلي لمسألة الإعجاز العلمي، تناقش فيها أقوال العلماء السابقين - كالشاطبي - وتحرر فيها آراء المعاصرين، ويكون بين يدينا بحوث تأصيلية لهذا الموضوع الذي شرَّق وغرَّب، وانتفع به فئام من الناس.
وأن حاجة من يتكلم في الإعجاز العلمي من غير المتخصِّصين في الشريعة إلى تعلم أصول التفسير أهم من أن يتعلم المفسِّر هذه القضايا الموجودة في العلم المعاصر، ولا يعني هذا أن المفسر المعاصر لا يحتاجها، لكن المراد أن الموازنة في الأهمية تدل على حاجة من يريد بيان الإعجاز لا من يريد بيان معاني القرآن. وختم الكتاب بعدة فهارس علمية، منها فهرس للفوائد العلمية. والحمد لله رب العالمين.

Halaman tidak diketahui

مقدمة الحمدُ لله نزَّل الكتاب، تحدَّى به الثقلين، فما وقع في تحدِّيه ريب، وأصلِّي وأسلِّم على خير البشر؛ محمد بن عبد الله طيِّب الذكر، وعلى آله الأحباب، وأصحابه الكرام أولي الألباب، أما بعد: فإني أسأل الله أن يقيني شرَّ نفسي، وأن يجعل عملي خالصًا لوجهه الكريم، وأن يكون قصدي وهمِّي الذبُّ عن كتابه، وحمايته مما يلحقه من التحريف، وأن يُبعد عنِّي حظَّ النفس، ونزغ الشيطان. وإني أسأله أن يُبصِّرني بالحق أينما كان، ويرزقني اتِّباعه، ويجنبي الخطأ والباطل، ويرزقني اجتنابه. وبعد: فهذه مقالات كتبتها في أوقات متباعدة، وكان أولها عام ١٤٢٣هـ، وآخرها عام ١٤٢٧هـ، كتبتها في تصحيح مسار (الإعجاز العلمي)، وإني لأرجو أن أكون وُفِّقت فيها إلى الصواب. ولما طلب مني بعض الإخوة نشر هذه المقالات = رأيت أن أقدِّم لها بمقدمة تتعلق بمفهوم المعجزة على سبيل الاختصار؛ لتكون تمهيدًا للحديث عن (الإعجاز العلمي)، فأقول - وبالله التوفيق ـ: إنه ما من نبي إلا وكانت له آية تدل على صدقه في كونه مرسلًا من ربَّ العالمين، ويدل على ذلك قول النبي ﷺ: «ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إليَّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة» رواه البخاري ومسلم.

1 / 5

لكن هذا لا يلزم منه أن تكون آيات الأنبياء ﵈ قد حُكيت لنا، فنحن لا نعرف آيات يونس ﵇، ولا سليمان ﵇، ولا يحيى ﵇، ولا إدريس ﵇، وعدم معرفتنا بها لا يعني عدم وجودها، بل نؤمن بوجودها بدلالة الحديث النبوي. والأنبياء ﵈ تكون لهم أكثر من آية، وتتمايز هذه الآيات في عظمتها، لذا لا يلزم أن تكون كل آية من آياتهم مما برع به أقوامهم، وإنما يقال: مما يدركه أقوامهم، فعيسى ﵊ كان يحيي الموتى بإذن الله، ويبرئ الأكمه بإذن الله (١)، وكذلك كان يخبر قومه بما يدَّخرونه في بيوتهم، فهل برع القوم في كل هذه الأمور؟! وكذا نبينا محمد ﷺ؛ كانت أعظم آياته القرآن الكريم، وكان من آياته انشقاق القمر، والإسراء إلى بيت المقدس، وغيرها كثيرٌ، فهل برع العرب بكل موضوع هذه الآيات؟!

(١) يذكر بعض العلماء أن قوم عيسى ﵊ قد برعوا في الطبِّ، ولم أجد لهذه المعلومة أصلًا صحيحًا، فقومه هم اليهود، ولم يشتهر اليهود بالطبِّ، ولعل قولهم هذا كان نتيجة لمقدمة عقلية (أي: أن كل نبي يأتي بمعجزة من جنس ما برع به قومه)، وكانت معجزة عيسى ﵊ تتعلق بإبراء المرض وإحياء الموتى، فظنوا في قوم عيسى ﵊ معرفة الطبِّ والعناية به، وإلا فما الذي برع فيه قوم عيسى ﵊ لما قال لهم إنه يُخبرهم بما يدَّخرون في بيوتهم؟! وأول من رأيته أشار إلى هذا الجاحظ (ت:٢٥٥هـ)، قال: «وكذلك زمن عيسى ﵇ كان الأغلب على أهله، وعلى خاصة علمائه الطب، وكانت عوامهم تعظِّم على ذلك خواصهم، فأرسله الله ﷿ بإحياء الموتى، إذ كانت غايتهم علاج المرضى، وإبراء الأكمه إذ كانت غايتهم علاج الرمد، مع ما أعطاه الله ﷿ من سائر العلامات، وضروب الآيات؛ لأن الخاصة إذا بُخعت بالطاعة، وقهرتها الحجة، وعرفت موضع العجز والقوة، وفصل ما بين الآية والحيلة، كان أنجع للعامة، وأجدر أن لا يبقى في أنفسهم بقية».

1 / 6

لذا فإن الأصوب أن يقال: إن مقام النظر أن تكون الآية مما يدركها قوم النبي ﵇؛ سواء برعوا فيها أو لم يبرعوا، تحدَّى بها النبي ﵇ أو لم يتحدَّ بها، عارضها قومه أو لم يعارضوها، كانت ابتداءً أو كانت بطلب من القوم. وقد شاع تسمية آيات الأنبياء ﵈ بالمعجزات، حتى غلب لفظ المعجزة على لفظ الآية في آيات الأنبياء، والوارد في القرآن تسميتها بالآية والبرهان والسلطان والبيِّنة. ومنه قوله تعالى: ﴿وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى﴾، وقوله تعالى: ﴿اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾. وقوله تعالى: ﴿قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَاتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ *قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأَتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ وقوله تعالى: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَاكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَاخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾. والآية: العلامة الدالة على صدق الرسول بأنه مُرسل من ربه، وهذا المصطلح هو الغالب في القرآن والسُّنَّة من بين المصطلحات الأخرى التي جاءت فيهما، وبقي هذا المصطلح في كلام الصحابة

1 / 7

والتابعين وأتباعهم (١)، حتى إذا برز أهل الجدل من المعتزلة، ودخلوا في جدالهم فيما بينهم (٢) أو مع بعض الزنادقة الذين يطعنون في الإسلام، وقد ينتسبون إليهم أحيانًا (٣)؛ لما برز هؤلاء ظهر عندهم الحديث عن (المعجزة) (٤)، وكانت كشأن غيرها من المصطلحات الحادثة البعيدة عن

(١) يرد سؤال في محلِّه، وهو: لماذا لم يتكلم الصحابة والتابعون وأتباعهم عن (المعجزة وإعجاز القرآن = الآية) كما هو الحال عند من بعدهم؟ الذي يظهر لي - والله أعلم - أن الأمر مرتبط بالحاجة، فإعجاز القرآن كان مستقرًّا في أذهانهم، ولم يكن في عصرهم من يشكُّ في هذا أو يتكلم فيه؛ لذا لم تقع الحاجة إلى الكلام المسهب فيه، واقتصر الأمر على تفسير الآيات المتعلقة بالمعجزات من جهة بيان المعاني فحسب. (٢) قال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث (ص: ٦٤): «وسأل آخرٌ آخرَ عن العلم فقال له: أتقول إن سميعًا في معنى عليم؟ قال: نعم. قال: ﴿لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ﴾ هل سمعه حين قالوه؟ قال: نعم. قال: فهل سمعه قبل أن يقولوا؟ قال: لا. قال: فهل علِمه قبل أن يقولوه؟ قال: نعم. قال له: فأرى في سميع معنى غير معنى عليم. فلم يجب! قال أبو محمد: قلت له وللأول: قد لزمتكما الحجة، فلم لا تنتقلان عما تعتقدان إلى ما ألزمتكما الحجة؟ فقال أحدهما: لو فعلنا ذلك لانتقلنا في كل يوم مرات! وكفى بذلك حيرة! قلت: فإذا كان الحق إنما يعرف بالقياس والحجة وكنت لا تنقاد لها بالاتباع كما تنقاد بالانقطاع فما تصنع بهما؟ التقليد أربح لك، والمقام على أثر الرسول ﷺ أولى بك». (٣) ومن هؤلاء ثمامة بن الأشرس، وهو منسوب للمعتزلة، قال ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث: «ثم نصير إلى ثمامة فنجده من رقة الدين وتنقص الإسلام والاستهزاء به وإرساله لسانه على ما لا يكون على مثله رجل يعرف الله تعالى ويؤمن به. ومن المحفوظ عنه المشهور أنه رأى قومًا يتعادون يوم الجمعة إلى المسجد لخوفهم فوت الصلاة فقال: انظروا إلى البقر! انظروا إلى الحمير! ثم قال لرجل من إخوانه: ما صنع هذا العربي بالناس؟!». (٤) لقد كنت أتأمل سبب ظهور الحديث عن المعجزة عند المعتزلة، فبان لي أمرٌ أرجو أن أكون قد وُفِّقت فيه، وهو أن المعتزلة كانوا بحاجة إلى القول بالإعجاز بشرطي خرق العادة والتحدي لضعف قولهم في القرآن، فالقرآن عندهم (مخلوق)، لذا فالإعجاز لن يكون ذاتيًا فيه، بل سيكون مخلوقًا فيه أيضًا، فاضطروا إلى النظر في الإعجاز لأجل هذا، والله أعلم. =

1 / 8

مصطلحات الكتاب والسُّنّة، لكن قدَّر الله لها الشيوع والذيوع. لو وازنْتَ بين مصطلح القرآن والسُّنّة (الآية)، وهذا المصطلح الحادث (المعجزة) = لبان لك أن مصطلح القرآن والسُّنّة لا يحتاج إلى تلك الشروط التي عَرَّف بها هؤلاء مصطلح المعجزة؛ لأن الآية هي العلامة الدالة على صدق النبي، وهي مستلزمة لذلك إذا نطق بها، وعلى هذا جميع آيات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. أما مصطلح المعجزة، فاحتاج من يقول بها إلى تقييدات لها سمَّوها (شروط المعجزة)، وقد بُنيت هذه الشروط شيئًا فشيئًا حتى تكاملت إلى سبعة شروط عند المتأخرين (١)، وما دعاهم لذلك إلا الحرص على عدم انخرام التعريف الذي اختاروه لآيات الأنبياء وسمَّوه بالمعجزات.

= ثم إني نظرت في أقوالهم، فوجدت قول النَّظَّام بالصرفة هو أنسب وأليق بقول المعتزلة في (خلق القرآن)؛ لأن الإعجاز علي قوله سيكون خارجًا عن القرآن (المخلوق عن رأية). (١) قال الإيجي: (البحث الأول في شرائطها، وهي سبع: الأول: أن يكون فعل الله أو ما يقوم مقامه ... الثاني: أن يكون خارقًا للعادة إذ لا إعجاز دونه ... الثالث: أن يتعذر معارضته، فإن ذلك حقيقة الإعجاز. الرابع: أن يكون ظاهرًا على يد مدعي النبوة ليعلم أنه تصديق له ... الخامس: أن يكون موافقًا للدعوى ... السادس: ألا يكون ما ادعاه وأظهره مكذبًا له ... السابع: أن لا يكون متقدمًا على الدعوى بل مقارنًا، لها لأن التصديق قبل الدعوى لا يعقل ...) المواقف للإيجي، تحقيق عبد الرحمن عميرة (٣: ٣٣٨ - ٣٣٩). وبعض المتقدمين كان يكتفي بثلاثة منها، كما ذكر القرطبي: (فأما حقيقتها: فهو أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي مع عدم المعارضة). الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام وإظهار محاسن الإسلام، للقرطبي المفسر، تحقيق أحمد حجازي السقا (ص: ٢٣٩).

1 / 9

وكما وقع الخلل في تعريف المعجزة، وقع الخلل أيضًا في أمور متعلقة بها يأتي بيان بعضها بإيجاز إن شاء الله. وبما أن الأنبياء ﵈ ليست لهم معجزة واحدة، فإن ما يذكره بعض العلماء من شروطٍ للمعجزة فإنها لا تتناسب مع معجزات الأنبياء، ومن أهم الشروط التي ذكروها: أن المعجزة تكون مقرونة بالتحدي، وهذا الشرط لا يتناسب مع كثير من معجزاتهم، بل إنها كلها - إلا القرآن - لم يُتحدَّ بها، فبعضها عارضها الكفار ظنًّا منهم أنه بمقدورهم الغلبة على النبي ﵇ كحال السحرة مع موسى، وبعضها طلبها المشركون آية للتصديق، ولم يتحدَّهم بها النبي ﵊؛ كانشقاق القمر، وبعضها حدث بين قوم مؤمنين؛ كانبجاس الماء لموسى ﵇، وما كان كذلك، فليس مقامه مقام التحدي، وبعضها حدث للنبي ﵊ قبل نبوته؛ كشقِّ الصدر الذي كان له قبل بعثته (١). ومن هنا تعلم أن اشتراط التحدي في تسمية المعجزة ليس بسديد، وإنما الذي دعا إليه هو حصر الحديث عن آيات الأنبياء بالآية العظمى لنبينا ﷺ، وهي القرآن الكريم الذي تحدى الله به الإنس والجن. وبمناسبة ذكر التحدي فإن بعض العلماء ذهب إلى التفريق بين المعجزة والكرامة بتفريقات منها: أن المعجزة يتحدى بها النبي ﵊، والكرامة تقع للولي ولا يتحدى بها. وهذا التفريق محض اصطلاح، بل يصح تسمية ما يظهر على يد

(١) روى مسلم بسنده عن أنس بن مالك أن رسول الله ﷺ أتاه جبريل ﷺ وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج منه علقةً، فقال: هذا حظ الشيطان منك. ثم غسله في طستٍ من ذهبٍ بماء زمزم، ثم لأمَهُ، ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه - يعني ظِئْرَهُ - فقالوا: إن محمدًا قد قتل. فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره.

1 / 10

الولي معجزة، لكنها لا تكون كمعجزة النبي ﵊ من حيث العظمة، ويمكن أن تظهر لوليٍّ غيرِه، أما معجزة النبي ﵊ فلا تظهر - إن ظهرت - إلا لنبي مثله، لذا ورد التحدي في بعض معجزات الأولياء لإثبات صدق الدين الذي يتبعه، ومن ثَمَّ فإن التفريق بالتحدي ليس عليه دليل من واقع المعجزات التي ظهرت على يد نبي أو ولي. ومما وقع من شروط المعجزة، وليس موافقًا لواقع معجزات الأنبياء دعوى (أن تكون المعجزة مقارنةً لدعوى النبوة)، والحال أن هناك معجزات كانت قبل دعوى النبوة، وهناك معجزات حصلت بعد وفاة النبي ﷺ، ومن ذلك ما ظهر بعده من معجزات غيبية أخبر عنها القرآن الكريم، كقوله تعالى: ﴿وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾، فقد دخل غير العرب في دين الله أفواجًا بعد وفاة النبي ﷺ تصديقًا لهذا الخبر. ومما وقع في تعريف المعجزة من خلل ما يُذكر من كون المعجزة خارقة للعادة، وقد أوقع هذا الشرط فريقين في الخلل لكونهم لم يفرقوا بين خوارق العادات حيث جعلوها من جنس واحد، فمنع قوم خرق العادة لغير النبي ﵊ فأنكروا الكرامات والسحر، واختلط على آخرين فجعلوا السحر من جنس ما يُخرق من العادة للأنبياء ﵈، وذهبوا إلى أنه لا يمكن التفريق بين معجزة النبي ﵊ وغيرها = إلا بالتحدي أو بدعواه أنه نبي من عند الله سبحانه. والحق في هذا أن خرق العادة الذي يكون للأنبياء لا يستطيعه أحد من الخلق مطلقًا؛ لأنه من عند الله تأييدًا لنبيه وتصديقًا له، ولو استطاعه غيرهم لاختلط على الناس الأمر.

1 / 11

لذا يمكن القول بأن خرق العادة نوعان: الأول: الخرق المطلق الكلي، وذلك لا يكون إلا لنبي من أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام. الثاني: خرق نسبي، وهو ما يقع لغيرهم، وهذا الخرق يتفاضل فيه الناس، فالسحرة - مثلًا - بعضهم أقوى في خرق عادة السحرة من بعض لذا يمكن معارضته فيما بينهم، أما ما يأتيهم من جهة النبي ﵊ فإنهم يقرون بأنه مما لا يمكنهم صنعه - إلا ادعاءً كاذبًا - ولا معارضته، لذا آمن السحرة بموسى لِمَا علموا من كون ما أتى به لا يمكن أن يكون من جنس ما يأتي به المخلوق أبدًا. كما أن مما يحسن التنبه له في موضوع (معجزات - آيات - الأنبياء) أنها ليست هي الطريق الوحيد لإثبات نبوة الأنبياء، لذا تجد أن أغلب الناس يؤمنون بدون أن يظهر لهم البرهان والحجة على معجزة من المعجزات، ومما يدلُّ على ذلك الأمثلة على ذلك ما وقع من أسئلة هرقل (ملك الروم) لأبي سفيان، فقد استدل هرقل على صدق النبي ﷺ بأحواله، والأحوال من أعظم ما يمكن فيه معرفة الكاذب من الصادق. واليوم ترى - وقبله كذلك - فئامًا من الناس يؤمنون برسالة نبينا محمد ﷺ، ولم يكن طريق إيمانهم به هو المعجزات، بل كان إيمانهم بأقل من ذلك بكثير، وهذا معروف مشتهر بين من يدعون الكفار إلى توحيد الله وتعبيد الناس له. ومما يحسن التنبه له في (إعجاز القرآن) أن هذا المصطلح أحدث بلبلة في التفريق بين ما تُحدِّي به العرب صراحة وبين (دلائل الصدق) الأخرى التي فيه التي سمَّاها العلماء (أنواع الإعجاز القرآني)؛ كالإخبار بالغيوب، فظنَّ بعض الناس أنها داخلة في التحدي، والصحيح أنها دلائل صدق، لكنها ليست مما تَحدى الله به الإنس والجن، وأوضح

1 / 12

الأدلة على ذلك أن الله قد نزل بالتحدي إلى سورة من مثل القرآن في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَاتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾. وإذا جمعت الوجوه التي حُكيت في أنواع الإعجاز - سوى الصرفة - وجدت أنها لا تكون في كل سورة، بل تتخلف في كثير من السور، فمثلًا: ليس في كل السور إخبار بالغيب. أما الذي يوجد في كل سورة بلا استثناء فهو الوجه المتحدى به، وهو ما يتعلق بالنظم العربي لهذا القرآن (لغة وبلاغة وأسلوبًا) بأي اصطلاح اصطلح عليه العلماء؛ كقول بعضهم: الإعجاز البلاغي، وقول آخرين: الإعجاز البياني ... إلخ، فإن مرجعها إلى النظم العربي المتميز لهذا القرآن الكريم. والتأمل في هذا النظر الذي ذكرته لك يُبينُ لك حقيقةً مهمة، وهي أن الوصف بالتحدي منطبق على هذا الوجه دون ما سواه، وأن المتحدى به هو المعجز إعجازًا تامًّا تامًّا، بحيث لو اجتمعت الجن والإنس على أن يأتوا بسورة من مثله ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا. وإذا تأملت ما ورد في القرآن عن العرب من وصف القرآن بأوصاف = وجدت أن هذه الأوصاف مرتبطة بالكلام أكثر من ارتباطها بالمضمون الذي هو جديد عليهم، وليس من علومهم (١)، فقالوا: قول ساحر، وقالوا: قول كاهن، وقالوا: قول شاعر، قال تعالى: ﴿فَلاَ أُقْسِمُ

(١) هذا الموضوع، وهو تميز موضوعات (معلومات) القرآن وعلوَّها وجِدَّتَها على العرب من البحوث المهمة التي يحسن الكتابة فيها، والملاحظ أن العرب لم يستطيعوا أن يعترضوا على موضوعات القرآن سوى أنهم وصفوه بأساطير الأولين، وبأنه إفك، وبأنه مما درسه أو أخذه عن غيره، وكلها تخرصات ووهم وظنون قد ردَّ الله عليها في القرآن تفصيلًا، ثم ردَّ عليها إجمالًا بالتحدي بأن يأتوا بسور من مثله.

1 / 13

بِمَا تُبْصِرُونَ *وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ *إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ *وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ *ولاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ *تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، وقال تعالى: ﴿بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلْ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَاتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ﴾. وقال تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ *قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ *أَمْ تَامُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ *أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لاَ يُؤْمِنُونَ *فَلْيَاتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ﴾. وقال تعالى: ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وقَدَّرَ *فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ *ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ *ثُمَّ نَظَرَ *ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ *ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ *فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ *إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ﴾. وكذا إذا أضفت ما ورد في السيرة من أوصاف الكفار لروعة هذا الكتاب، كالوصف الوارد عن الوليد بن المغيرة في سبب نزول قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وقَدَّرَ *فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ *ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ *ثُمَّ نَظَرَ *ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ *ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ *فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ *إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ﴾، وكان من خبره في هذا ما رواه العوفي، عن ابن عباس قال: دخل الوليد بن المغيرة على أبي بكر بن أبي قحافة فسأله عن القرآن، فلما أخبره خرج على قريش فقال: يا عجبًا لما يقول ابن أبي كبشة. فوالله ما هو بشعر ولا بسحر ولا بهذْي من الجنون، وإن قوله لمن كلام الله. فلما سمع بذلك النفرُ من قريش ائتمروا فقالوا: والله لئن صبا الوليد لتصْبُوَنَّ قريش. فلما سمع بذلك أبو جهل بن هشام قال: أنا والله أكفيكم شأنه. فانطلق حتى دخل عليه بيته فقال للوليد: ألم تر قومك قد جمعوا لك الصدقة؟ فقال: ألستُ أكثرهم مالًا وولدًا. فقال له أبو جهل: يتحدثون أنك إنما تدخل على ابن أبي قحافة لتصيب من طعامه. فقال

1 / 14

الوليد: أقد تحدث به عشيرتي؟! فلا والله لا أقرب ابن أبي قحافة، ولا عمر، ولا ابن أبي كبشة، وما قوله إلا سحر يؤثر. فأنزل الله على رسوله ﷺ: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا﴾ [المدثر: ١١] إلى قوله: ﴿لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ﴾ [المدثر: ٢٨]. وقال قتادة: زعموا أنه قال: والله لقد نظرت فيما قال الرجل فإذا هو ليس بشعر، وإن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه ليعلو وما يعلى، وما أشك أنه سحر. فأنزل الله: ﴿فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ﴾ الآية [المدثر: ١٩]، ﴿ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ﴾ [المدثر: ٢٢] قبض ما بين عينيه وكلح. والمقصود أن الذي ينتظم - من وجوه الإعجاز المحكية - في كلِّ سورة، ولا يتخلف عن واحدةٍ منها = هو ما يتعلق بالنظم العربي، وهو المتحدَّى به، دون ما سواه من أنواع الأوجه المحكية في إعجاز القرآن. وإذا جاز لنا أن نعدل عن مصطلح (أنواع إعجاز القرآن) إلى (دلائل صدق القرآن)، فإنه يمكن القول بأن وجوه صدق هذا الكتاب تظهر في جوانب كثيرة جدًا: منها ما دلَّ عليه الله بقوله تعالى: ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا﴾. ومن وجوه صدقه حفظُه من التبديل والتغيير طيلة هذه القرون، ومن وجوه صدقه كونُه حقًّا في كل أموره كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ *لاَ يَاتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾، إلى غير ذلك من وجوه الصدق الكثيرة التي سمَّاها بعض العلماء (وجوه الإعجاز) كما فعل السيوطي (ت:٩١١هـ) في كتابه (معترك الأقران في إعجاز القرآن). وبعض دلائل الصدق (أنواع الإعجاز) ليست مختصةً بالقرآن، بل هي مرتبطة بكلام الله ﷾، سواءٌ أكان كلامَ الله النازل على إبراهيم عليه

1 / 15

الصلاة والسلام (الصُّحف)، أو على موسى ﵊ (التوراة)، أو على عيسى ﵊ (الإنجيل)، أو على غيرهم من الأنبياء؛ لذا فإن ما يحكيه بعض المعاصرين من وجوه إعجاز جديدة؛ كإطلاق مصطلح (الإعجاز العقدي) أو (الإعجاز التشريعي) أو (الإعجاز العلمي) أو غيرها = فإنها غير مختصَّة بالقرآن وحده، بل هي عامَّةٌ في كلام الله النازل على رسله الكرام عليهم الصلاة والسلام. وبعد .. فإن الحديث عن (المعجزة) طويل، وليس المراد في هذه المقدمة التفصيل، بل لقد أجملت كيما لا يتشعب الحديث ويطول. وأخيرًا أقول: ليس المراد في نقدي لمصطلح (المعجزة) التخلي عن هذا المصطلح الذي توارد عليه العلماء جيلًا بعد جيل، وإنما المراد تصحيح بعض ما وقع في هذا الموضوع، والاجتهاد في ردِّ تعريف المعجزة إلى مصطلح الكتاب والسُّنّة قدر الطاقة. ويمكن تعريف المعجزة بالآتي: آية النبي المختصَّة به، الخارقة للعادة، التي لا يقدر الخلق على الإتيان بمثلها، الدالة على صدق النبي تارة، وعلى غير ذلك تارة. وإني لأسأل الله أن يغفر لي ولوالدي ولأهل بيتي، وأن يسددني ويبارك لي في وقتي، وأن يجعلني من خدم كتابه الكريم، إنه سميع مجيب. الدكتور مساعد بن سليمان بن ناصر الطيار الأستاذ المشارك بقسم الدراسات القرآنية كلية المعلمين/جامعة الملك سعود ATTYYAR@HOTMAIL.COM ATTYYAR@GMAIL.COM WWW.TAFSIR.NET

1 / 16

المقالة الأولى الإعجاز العلمي في القرآن

1 / 17

المقالة الأولى الإعجاز العلمي في القرآن (١) قال السائل: ما رأيكم بما يسمَّى الآن بالإعجاز العلمي للقرآن، وهل يدخل تحت علوم القرآن؟ (٢) الجواب: إن هذه المسألة تعتبر من المسائل العلمية التي حدثت في هذا العصر، والموضوع أكبر من أن يجاب عنه في مثل هذا الموضع، لكن أستعين بالله، وأذكر من ما يفتح الله به عليَّ. ١ - إنَّ هذا الموضوع يدخل تحت التفسير بالرأي، فإن كان المفسر به ممن تأهل وعَلِمَ، كان تفسيره محمودًا، وإن لم يكن من أهل العلم فإن تفسيره مذموم، وإن كان قد يصل إلى بعض الحقِّ. ٢ - إنَّ الإعجاز العلمي يدخل في ما يسمَّى بالإعجاز الغيبيي، وهو فرع منه، إذ مآله الإخبار بما غاب عن الناس فترة من الزمن، ثمَّ علمه المعاصرون. وإذا تحقَّق ذلك، فليُعلم أنَّ هذا النوع من الإعجاز ليس مما يختص به القرآن وحده، بل هو موجود في كل كتب الله السابقة؛ لأنَّ

(١) نشر في ١٠/ ٣/١٤٢٤هـ في مشاركة المؤلف في إجاباته على أسئلة أعضاء ملتقى أهل الحديث في الإنترنت، ثم نُشر في كتاب «مقالات في علوم القرآن وأصول التفسير» للمؤلف، نشرته دار المحدث بالرياض. (٢) إذا ثبت الإعجاز العلمي، فهو فرع عن الإعجاز القرآني، وبهذا يكون من علوم القرآن.

1 / 19

الإخبار في هذه الكتب عن الحقائق الكونية لا يمكن أن يختلف البتة. وعدم وجود ما يطابق علم القرآن في كتبهم التي بين يديهم إنما هو لتحريفهم لها، فلينتبه لذلك. ومن باب إيضاح هذه المسألة بالذات؛ يقال: إنَّ كُتب الله السابقة توافق القرآن في جميع ما يتعلق بوجوه الإعجاز المذكورة عدا ما وقع به التحدِّي، إذ لم يرد نصٌّ صريح يدل على أنه قد تُحدِّي الأقوام الذين نزل عليهم كتب، كما هو الحال بالنسبة للقرآن. ٣ - إن قصارى الأمر في مسألة الإعجاز العلمي أنَّ الحقيقة الكونية التي خلقها الله، وافقت الحقيقة القرآنية التي تكلم بها الله، وهذا هو الأصل؛ لأنَّ المتكلم عن الحقيقة الكونية المخبر بها هو خالقها، فلا يمكن أن يختلفا البتة. وكل ما في الأمر أنَّ هذه الحقيقة الكونية كانت غائبة من جهة تفاصيلها عن السابقين، فمنَّ الله على اللاَّحقين بمعرفة هذه التفاصيل، فكشفوا عنها، وأثبتوا حقيقة ما جاء في القرآن من صدق، فكان اكتشاف ذلك من دلائل صدق القرآن الذي أخبر عنها بدقة بالغة، لم تظهر تفاصيلها إلا في هذا العصر الذي نبغ فيه سوق البحث التجريبي الذي صارت دولته إلى الكفار دون المسلمين، فصاروا إذا ما اكتشفوا أمرًا جديدًا عليهم سارع المعتنون بالإعجاز العلمي لإثبات وجوده في نصوص القرآن. ٤ - إن كثيرًا ممن كَتب في الإعجاز العلمي ليس ممن له قدم في العلم الشرعي فضلًا عن علم التفسير، وكان من أخطار ذلك أن جُعلت الأبحاث في العلوم التجريبية أصلًا يُحكم به القرآن، وتُؤوَّل آياته لتتناسب مع هذه النظريات والفرضيات. وكل من دخل إلى التفسير وله أصل، فإن أصله هذا سيؤثر عليه،

1 / 20

وسيقع في التحريف، كما وقع التحريف عند المعتزلة الذين جعلوا العقل المجرد أصلًا يحتكمون إليه، وكما وقع لغيرهم من الطوائف المنحرفة. والذي يدل على وقوع الانحراف في هذا الاتجاه الحرص الزائد على إثبات حديث القرآن عن كثير من القضايا التي ناقشها الباحثون التجريبيون. ٥ - إن كتاب الله أعلى وأجلَّ من أن يُجعل عرضة لهذه العقول التي لم تتأصل في علم التفسير، فأين هم من قول مسروق: «اتقوا التفسير، فإنما هو الرواية عن الله»؟ ٦ - إنَّ في نسبة الإعجاز، أو التفسير إلى «العلمي» خلل كبير، وأثر من آثار التغريب الفكري، فهذه التسمية منطلقة من تقسيم العلوم إلى أدبية وعلمية، كما هو الحال في المدارس الثانوية سابقًا، وفي الجامعات حتى اليوم، وفي ذلك رفع من شأن العلوم التجريبية على غيرها من العلوم النظرية التي تدخل فيها علوم الشريعة. وإذا كان هذا يسمَّى بالإعجاز العلمي، فماذا يسمَّى الإعجاز اللغوي، أليس إعجازًا علميًا، أليست اللغة علمًا، وقل مثل ذلك في وجوه الإعجاز المحكية. لا شكَّ أنها علوم، لكنها غير العلم الذي يريده الدنيويون الغربيون الذين أثَّروا في حياة الناس اليوم، وصارت السيادة لهم. ومما يؤسف عليه أن يتبعهم فضلاء من المسلمين في هذا المصطلح دون التنبه لما تحته من الخطر والخطأ (١).

(١) يقول الشيخ عبد المجيد الزنداني: «ينقسم العلم البشري في المدارس والجامعات إلى نوعين من الدراسة: أـ دراسات حول علوم المادة (القسم العلمي)، وتعتني هذه الدراسات بدراسة المادة ومعرفة أحوالها، ثم استخدام هذه المادة لمصلحة الإنسان. =

1 / 21

٧ - ومما يلاحظ في أصحاب الإعجاز العلمي عدم مراعاة مصطلحات اللغة والشريعة، ومحاولة تركيب ما ورد في البحوث التجريبية على ما ورد في القرآن، ومن الأمثلة على ذلك: أن القرآن يذكر عرشًا وكرسيًّا وقمرًا وشمسًا وكواكب ونجومًا وسموات سبع، ومن الأرض مثلهن ... إلخ. ومصطلحات العلم التجريبي المعاصر زادت على هذه، وذكرت لها تحديدات وتعريفات لا تُعرفُ في لغة القرآن ولا العرب، فحملوا ما جاء في القرآن عليها، وشطَّ بعضهم فتأوَّل ما في القرآن إلى ما لم يوافق ما عند الباحثين التجريبيين المعاصرين. فبعضهم جعل السموات السبع هي الكواكب السبع السيارة، وجعل الكرسي المجرات التي بعد هذه المنظومة الشمسية، والعرش هو كل الكون. وآخر يجعل ما تراه من نجوم السماء التي أقسم الله بها وأخبر عن عبوديتها، وجعلها علامات؛ يجعل ما تراه مواقع النجوم، وإلا فالنجوم قد ماتت منذ فترة. إلى غير ذلك من التفسيرات الغريبة التي تجيء مرة باسم الإعجاز العلمي، ومرة باسم التفسير العلمي .. إلخ من المسمَّيات. ٨ - إنَّ بعض من نظَّر للإعجاز العلمي، وضع قاعدة، وهي: أن لا يفسَّر القرآن إلا بما ثبت حقيقة علمية لا تقبل الشكَّ، لئلا يتطرق الشك إلى القرآن إذا ثبت بطلان فرضية فسِّرت بها آية. وهذا القيد خارجٌ عن العمل التفسيري، ولا يتوافق مع أصول

= ب - دراسات حول العلوم الإنسانية (القسم الأدبي)، وتعتني هذه الدراسة بالإنسان ودراسة أحواله. «توحيد الخالق» نشر المكتبة العصرية (٢: ٧). ثم عمل مقارنة بين الدراسات المادية (العلمية) والدراسات الإنسانية (الأدبية)، ويلاحظ أن علوم الشريعة ستدخل في الدراسات الإنسانية الأدبية؛ لأن القسمة ثنائية.

1 / 22

التفسير، وهو قيد يلتزم به مقيِّده - وإن لم يكن في الواقع قد التزمه كثيرون ممن بحث في هذا الموضوع - ولا يُلزمُ به المفسِّرَ؛ لأنَّ التفسير أوسع من الإعجاز. ومن عجيب الأمر أن بعضهم يؤكد على هذه القاعدة، ويجعل المقام في الإعجاز مقام تحدٍّ للكفار، ويقول: ... أن القرآن الذي أنزل من قبل ألف وأربعمائة سنة على النبي الأمي ﷺ في أمة غالبيتها الساحقة من الأميين = يحوي من حقائق هذا الكون ما لم يستطع العلماء إدراكه إلا منذ عشرات قليلة من السنين. هذا السبق يستلزم توظيف الحقائق، ولا يجوز أن توظف فيه الفروض والنظريات إلا في قضية واحدة وهي قضية الخلق والإفناء ... لأن هذه القضايا لا تخضع للإدراك المباشر للإنسان، ومن هنا فإن العلم التجريبي لا يتجاوز فيها مرحلة التنظير، ويبقى للمسلم نور من كتاب ربه أو من سُنَّة رسوله ﷺ يعينه على أن يرتقي بإحدى تلك النظريات إلى مقام الحقيقة، ونكون بذلك قد انتصرنا للعلم بالقرآن الكريم أو بالحديث النبوي الشريف، وليس العكس. انتهى كلامه. ولعلك ترى كيف أن هذا القائل ينقض قاعدته في نفس كلامه عنها، إذ يمكن أن يستخدم غيره هذا الضابط الذي خرم به القاعدة في الحديث عن الخلق والإفناء كما استخدمه هو، وبهذا فإنه لا يوجد قاعدة تخصُّ الإعجاز العلمي على هذا السبيل؛ إذ يمكن أن تكون كثير من فرضيات البحوث التجريبية مما لا تخضع للإدراك البشري، ثم نصحِّحها لورود ما يدل عليها من القرآن اجتهادًا أن هذه الآية تشهد لتلك النظرية. وهنا مسألة مهمة، وهي: من الذي يُثبتُ أنَّ هذه القضية صارت حقيقةً لا فرضية؟ أي: من هو المرجع في ذلك؟ أيكفي أن يُحدِّثَ بها مختصٌّ،

1 / 23