2
وبما أن الخبز الذي يتناوله اليهود عشية ذبح وتناول حمل الفصح يجب أن يكون فطيرا، فإن عشاء يسوع هنا كان عشاء أخيرا وليس عشاء فصح.
كما نلاحظ وجود فارق يبدو للوهلة الأولى هاما بين رواية مرقس التي اقتفاها كل من متى ولوقا وبين رواية يوحنا، يتمثل في أن رواية يوحنا تفتقد إلى عنصر قيام يسوع بكسر الخبز وإعطائه لتلاميذه على أنه جسده، ثم إعطائهم كأس الخمر على أنها دمه. وقد توقف بعض الباحثين اليهود عند هذا الفارق
3
وخرجوا بنتيجة مفادها أن يسوع لم يؤسس لفكرة القربان المقدس وما يرتبط بها من طقس التناول،
4
وهو الطقس المركزي في المسيحية بعد طقس المعمودية. وفي الحقيقة فإن يسوع كان قد أسس لهذه الفكرة ولهذا الطقس قبل العشاء الأخير بوقت طويل (سنة على الأقل) في إنجيل يوحنا عندما قال: «أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء. إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد. والخبز الذي أنا أعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم ... من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية، وأنا أقيمه في اليوم الأخير» (يوحنا، 6: 51-54).
إذا انتقلنا إلى رواية متى نجدها تكرارا لرواية مرقس مع فارقين اثنين. يتمثل الفارق الأول في غياب عنصر الرجل الحامل الجرة من توجيهات يسوع بخصوص التحضير للعشاء، وبدلا من ذلك فإن يسوع يحدد للتلميذين بيتا بعينه عليهما أن يتوجها إليه بنفسيهما: «وفي أول يوم من أيام الفطير دنا التلاميذ إلى يسوع وقالوا له: أين تريد أن نعد لك عشاء الفصح لتأكله؟ فقال: اذهبوا إلى المدينة إلى فلان وقولا له: يقول لك المعلم إن أجلي قريب وسأقيم عشاء الفصح عندك مع تلاميذي. ولما كان المساء ... إلخ» (متى، 26: 17-20). أما الفارق الثاني فيتمثل في حوار قصير بين يسوع ويهوذا الإسخريوطي بعد أن أعلن لهم يسوع أن واحدا منهم سيسلمه: «فقال يهوذا مسلمه: أأنا هو يا سيدي؟ فقال له: أنت قلت» (متى، 26: 25).
أما لوقا الذي كرر بدقة أيضا رواية مرقس، فقد حافظ على عنصر الرجل الحامل الجرة، ولكنه أقحم على الرواية مقطعين؛ واحدا في وسطها وآخر في نهايتها. فبعد أن أعلن يسوع لتلاميذه أن واحدا منهم سيسلمه، وراحوا يتساءلون عمن يكون، يضيف لوقا على رواية مرقس المقطع التالي: «ووقع جدال بينهم من يعد أكبرهم؟ فقال لهم (يسوع): إن ملوك الأمم يسودونها، والمتسلطون عليهم يدعون محسنين. أما أنتم فليس الأمر فيكم كذلك، بل ليكن الأكبر فيكم كالأصغر والمترئس كالخادم ... إلخ» (لوقا، 22: 24-26). ونلاحظ هنا أن نتفا مما قاله يسوع عندما غسل أقدام تلاميذه في رواية يوحنا قد وصلت إلى لوقا الذي بنى عليها هذا المقطع الذي يشير مؤداه إلى ما قاله يسوع في رواية يوحنا: «إذا كنت أنا السيد والمعلم قد غسلت أقدامكم، فيجب عليكم أنتم أيضا أن يغسل بعضكم أقدام بعض.»
وفي آخر الرواية يضيف لوقا بعد توكيد يسوع على نكران بطرس له المقطع التالي: «ثم قال لهم: هل أعوزكم شيء حين أرسلتكم بلا مزود ولا نعل؟ قالوا: لا. فقال لهم: أما الآن فمن لديه مال فليأخذه، ومن كان لديه مزود فليحمله، ومن لم يكن لديه سيف فليبع رداءه ويشتره، لأني أقول لكم: إنه ينبغي أن يتم في هذا المكتوب: «وأحصي مع أئمة»، فقد حان أجلي. فقالوا: يا رب، ها هنا سيفان. فقال لهم: يكفي» (لوقا، 22: 35-38).
Halaman tidak diketahui