21

الدراية في بيان ضوابط نقد الرواية عند الصحابة

الدراية في بيان ضوابط نقد الرواية عند الصحابة

Genre-genre

وقد يعارض هذا الحديث بحديث إمامة النبي ﷺ على المنبر، وقد وجهه العلماء بتوجيهات عدة، منها أن حديث المنبر منسوخ، يقول الإمام القرطبي:" قلت: فهؤلاء ثلاثة من الصحابة قد أخبروا بالنهي عن ذلك، ولم يحتج أحد منهم على صاحبه بحديث المنبر فدل على أنه منسوخ، ومما يدل على نسخه أن فيه عملا زائدًا في الصلاة، وهو النزول والصعود، فنسخ كما نسخ الكلام والسلام" (١). ومنه أيضًا ما أخرجه أحمد من حديث ابن المسيب قال: خرج عثمان ﵁ حاجًا حتى إذا كان ببعض الطريق قيل لعلي رضوان الله عليهما أنّه قد نهى عن التمتع بالعمرة إلى الحج. فقال علي ﵁ لأصحابه: إذا ارتحل فارتحلوا فأهل علي وأصحابه بعمرة فلم يكلمه عثمان ﵁ في ذلك، فقال له علي ﵁ ألم أخبر إنّك نهيت عن التمتع بالعمرة؟ قال: فقال: بلى. قال: فلم تسمع من رسول الله ﷺ تمتع؟ قال: بلى " (٢). قال السندي:" والحاصل أنّ عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما كانا يريان أن التمتع في وقته ﷺ كان بسبب من الأسباب وتركه أفضل وعلي كان يراه أنه السنة أو أفضل، والله تعالى أعلم" (٣). وعلي أية حال فالذي يعنينا معارضة علي لنهي عثمان ﵄ عن التمتع بالعمرة إلى الحج بما يحفظ من سنة النبي ﷺ. الضابط الرابع: عرض الرواية على كبار الصحابة من البدهي أن حفظ الصحابة الكرام متفاوت وأن فقههم متفاوت، نصّ عليه القرآن الكريم بقوله تعالى ﴿وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلًا﴾ (٤). فلو كان الصحابة كلهم على قدر متساوٍ من الفقه والحفظ والاستنباط لما أمرهم رب العزة بردّ الأمر إلى النبي ﷺ في حضوره حال حياته، وإلى فقهاء الصحابة وأهل العلم منهم في غياب النبي ﷺ أو بعد وفاته. أخرج أحمد وغيره من حديث أنس بن مالك ﵁، قال: قال رسول الله ﷺ: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب، وأفرضهم زيد بن

(١) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن١١/ ٥٨،وينظر: ابن رجب، فتح الباري٢/ ٤٥٥،والشيقينطي، أضواء البيان٣/ ٣٧٣. (٢) أخرجه أحمد، المسند ١/ ٥٤،والنسائي، السنن ٥/ ١٥٣،وغيرهما. (٣) السندي، شرح سنن النسائي ٥/ ١٥٢. (٤) سورة النساء/٨٣.

1 / 22