أتريد نصيحة؟ لا ترفض الدعوة أبدا. كل دعوة تقبلها لا بد ستخرج منها بأصدقاء. أتعلم شيئا؟ إن سكان العالم أكثر من العداوات التي فيه. هذه حقيقة أقسم لك. أكلت يومها طعاما مصريا حقيقيا. أجل طماطية. أوه! نعم نعم طامية. لا لا. طعمية. نعم نعم. لقد قضوا معي وقتا طويلا يلقنونني كيف أنطقها. وكان غداء جميلا، تصور! أحببت جدا بيت الرجل وأولاده، مصريون سمر صغار لا تملك إلا أن تحبهم. وزوجته وشبحها يظهر ويختفي من بعيد، وخجلها الشرقي يمنعها من الجلوس معنا، وهي تنادي على زوجها بصوت خافت حتى لا أنتبه أنها تطلب شيئا أو أنهم ينقصهم شيء. وضحكات الرجل، أتعرف؟ ضحككم عجيب يغري بالضحك كرائحة الشواء التي تغري بالتهام الطعام. وتصور! رأيت الرجل وهو يعمل. وهو يعمل رفا، إبرته صغيرة هكذا، ولكنه يعمل بها في حذق شديد، كم كان هذا كله رائعا! أتعلم شيئا؟ لقد جئت مصر لأتفرج على شعبها، وأراه حين أصبح حديث العالم، ولكني اكتشفت شيئا آخر. انظر ما حدث. تأتي لترى شيئا، وإذا بك تجد شيئا آخر. جئت أتفرج عليه فإذا بي أحبه. كم كنت غبيا! قضيت أربعة أسابيع بعد انتهاء المؤتمر في كلام فارغ. كنت أتفرج على بلاد لا تهمني في شيء. كان يجب أن آتي إلى هنا مباشرة، هنا قلب العالم. هل أبالغ؟ أنا لا أبالغ. هنا قلب العالم. أتعلم ما سوف أقوله حين أعود إلى الهند؟ سأقول الحقيقة. أتعرف ما هي الحقيقة؟ أنني غبي. كان يجب أن آتي إلى هنا مباشرة، وليس هذا كل شيء، قابلت كونستابل - أنت تعرف؟ - كونستابل الذي إذا رقي يصبح ضابطا. من اللحظة الأولى صرنا أصدقاء عظاما، أعطاني صورته، انظر! أين ذهبت؟ ها هي ذي، يبدو كالهنود؟ آه! كنت أقول هذا، أتعلم شيئا؟ كان ينطق الإنجليزية مثلي. هل لاحظت أني أنطق ال «ال» وال «دي» في فرقعة مكتومة؟ كل الهنود ينطقون الإنجليزية هكذا، ينطقونها بلكنة أردية، كانوا يقولون لي هذا في وارسو، أجل! وارسو في بولندا، أجل بولندا. كنت هناك في مؤتمر لدراسة مشاكل الشباب. أنا وإن كنت لا أعتبر نفسي شابا إلا أنني مهتم جدا بدراسة مشاكل الشباب. أتعلم لماذا؟ لأني أهتم دائما باليوم الذي سيجيء. والشباب هم الأيام الآتية. تعرف شيئا آخر؟ لقد وجدت أن مشاكل الشباب في وارسو هي نفس مشاكلهم في دلهي! قابلني هناك شاب صغير يناقشني في الموقف العالمي تماما كما يناقشني لال تيمو شلاي ابني. نفس المنطق ونفس الحجج، ولكنه طبعا لم يقل إني يميني متطرف. سأكتب كتابا عن انطباعاتي حين أعود، أجل! كتابا من حوالي 300 صفحة من الحجم المتوسط وغلافه بالألوان. عفوك! صديقي الكونستابل لقد أعجبت به جدا. أتعرف أنه دعاني لزيارة قريته؟ إنها قريبة جدا من القاهرة، تأخذ الأتوبيس الأصفر وبعد 15 دقيقة تكون هناك. لقد ذهلت. أتعلم شيئا؟ لم أكن أتوقع هذا فتصور! لكأنني عدت إلى قريتي تاتورا في حيدر آباد. أعجب شيء أني اكتشفت أن فقركم يشبه فقرنا تمام، تصور الوقت الذي أضعته أتفرج على بلاد لا أعرفها.
أنا هنا لا أتفرج، أنا أتغير، أتغير كل دقيقة. أنتم تستيقظون والحوادث تجري بسرعة. كل دقيقة يحدث شيء . أن تصبح بلادنا بلادنا ليس بالأمر السهل يا صديقي، ليس بالأمر السهل. تصور تأميم القناة. كنت وأنا بعيد أرى أنها خطوة كبيرة لا يحتملها الموقف في العالم، ولا يحتملها شعبكم نفسه، ولكن انظر ما حدث. حين أصبحت هنا بينكم تغير رأيي. وتصور! فتاة كباريه التي حدثتك عنها تكلمت معها في تأميم القناة، نعم تكلمت معها. أعجب شيء وجدتها متتبعة كل ما يحدث. أنتم شعب رائع! تصور اسمها باهيا، قلت هذا من قبل. يبدو أني أكرر نفسي، هذه كارثة. فتاة سمراء طويلة واسعة العيون، حواجبها مزججة كما تفعل نساؤنا في الهند. تكلمت معها كثيرا. أنت تعرف أني أحب أن أتكلم مع الناس كثيرا. وتصور! لقد حسبتني أيضا في العشرين. كل من يراني يحسبني في العشرين، ولست أدري لماذا. كانت تتكلم معي بالإنجليزية، ولكنها كانت تخطئ باستمرار. سألتها كيف تعلمتها؟ أنا لا أخجل من توجيه الأسئلة، أنت تعلم. أن تدعي الجهل خير من أن تدعي العلم، أليس كذلك؟ سألتها كيف تعلمتها؟ أتعرف شيئا؟ لقد اكتشفت أننا تعلمنا الإنجليزية من نفس المصدر. تصور أين أنا وأين هي وتعلمناها من نفس المصدر. هي من البحارة والضباط الإنجليز في الإسكندرية، وأنا من عملي في الجيش الإنجليزي في الهند. اشتغلت معهم طوال الحرب. كانوا يدفعون جيدا، ولكن العمل كان شاقا. تصور هذا. الإنجليز علموا المصريين والهنود الإنجليزية، أرادوا هزيمتنا بتعليمنا لغتهم، فاستعملنا لغتهم في التفاهم بيننا. أليس هذا أروع؟ أوتعرف شيئا آخر؟ لقد تحدثت معها في مشاكلها؛ فأنا كما ترى مهتم بمشاكل الشباب، وهي لا تزال شابة. ومن ليلتها أصبحنا أصدقاء كبارا. وبيني وبينك باهيا هذه جريئة جدا، سألتني أسئلة كثيرة حتى خجلت أنا الرجل. تصور أنا خجلت. كانت تبدو شريرة جدا، أي إنسان يراها لا بد يخاف. أنا خفت، ولكن أتعلم شيئا؟ قلبها كان من الداخل أبيض مثل الساري الأبيض. أخ، يا لي من ثرثار! تصور أنا بدأت أتكلم معك لأقول لك أغرب ما حدث لي مع باهيا، ولكني طول الوقت كنت أتحدث في أشياء أخرى. إنه أغرب ما حدث لي في مصر كلها، وإذا بي أشط وأنسى. إنه شيء مذهل يا صديقي لن تصدقه، ولكنه حدث، حدث لي مع باهيا. أتعلم لماذا قبلت الجلوس معي دون أن أطلب لها المشروب الباهظ؟ حدث الأمر هكذا؛ حين اقتربت مني قلت لها يا فتاتي الطيبة أنا لست سائحا. أنا رجل فقير وأود أن أتحدث معك قليلا. هل أستطيع أن أفعل هذا دون أن أطلب لك شيئا؟ قالت مستحيل، أنت تعرف أن هذا ضروري. قلت لها إني أحب أن أتكلم معك. أنا هندي من الهند وجئت أزور مصر، وأحب جدا أن أعرف الناس وأتحدث معهم، ولكن ليس معي إلا ما يكفي السفر. صحيح أنا عضو في البرلمان، ولكني رجل فقير. هل هذه جريمة؟
وانظر ما حدث. قالت: أنت هندي؟
قلت: نعم.
قالت: كيف حالك؟
وسلمت علي، فسألتها: لم هذا الترحيب المفاجئ؟
فقالت: لأني أحب الهنود. أتعلم لماذا؟ لأنهم يقفون بجوارنا ضد الإنجليز. أرأيت هذا؟
سألتني: إذا حاربنا الإنجليز هل تحارب معنا؟
قلت لها: يا فتاتي الطيبة، أنا مستعد أن أفقد رأسي من أجلك. ليس من أجلك أنت بالذات، ولكن من أجل شعبك.
طبعا ليس من أجلها بالذات؛ فأنت تعرف أني رجل متزوج ولي ابن يبدو أكبر مني سنا.
Halaman tidak diketahui