فغضب القوم وصاح بعضهم: ما جئنا إلى هنا لنسمع هذا التقريع.
وصاح آخرون: إن النقود في جيوبنا.
ثم انصرفوا واحدا بعد واحد ولم ينفع في إرجاعهم توسل صديقي أبي النور.
ونظرت إليهم وهم يبعدون وقلبي يكاد ينفجر. فماذا أصنع بهذا اللحم كله؟ ومن لي بمن يحمله وهو كالتل العظيم؟ وهل كنت لأتركه حيث هو لينتن ويتعفن؟ فما رأيت الناس يبلغون جانب السور حتى صحت بهم: هلموا أيها الإخوان عودوا كراما. تعالوا فخذوا اللحم ولا أريد له ثمنا.
فترددوا في السير قليلا ثم وقفوا ينظر بعضهم إلى بعض لحظة، ثم انقلب تيارهم عائدا، وأسرعوا حتى بلغوا مصرع الثور وهم يركضون، وجعل كل منهم يحمل ما يستطيع حمله حتى تخطفوا اللحم فلم يبق منه إلا فخذ واحدة كان الحاج واقفا إلى جوارها يمنعها. ونظر الحاج إلي في غضب قائلا: أهكذا لا تبيع شيئا؟ أهكذا تضيع علي الدراهم ويذهب كل جهدي سدى؟ ثم أخذ الفخذ فحملها على كتفه اليسرى، وجر جلد الثور بيمناه ووضع سكينا تحت إبطه والأخرى في فمه، ثم مضى خارجا.
فسار أبو النور ونزع جلد الثور منه وقال في حنق: جحا أولى بجلد ثوره.
فنظر الحاج إليه في غيظ، ثم ترك الجلد وأخذ السكين من فمه ومضى يهز بها يمينه.
فصحت به متوسلا في غيظ: دع السكين فإنها لامرأتي.
فرماها إلى الأرض، ومضى بغير أن يلتفت نحوي، حتى خرج وهو يدمدم ويبرطم.
ونظر أبو النور إلي وهو يرفع جلد الثور وقال بصوت مختنق: صديقي.
Halaman tidak diketahui