82

قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون

الذكر مختصا بقول الله تعالى للملائكة ( إني جاعل في الأرض خليفة ) ويكون ما بعده أجنبيا لأنه لم يفرع عليه ليكون مرتبطا به كالارتباط الذي في قوله تعالى فأجاءها المخاض إلى آخره فالمناسب إذن هو أن تكون «إذ» ظرفا متعلقا بمحذوف يدل عليه سوق الكلام الذي يفسره وذلك بأن يكون التقدير وحين قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة جرت في ذلك محاورات وشؤون يفسرها قوله تعالى ( قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ) قالوا ذلك حيث قد رأوا الخلق السابق وافسادهم وسفكهم للدماء كما دلت عليه الروايات المشار إليها وروى العياشي بسنده عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام ما علم الملائكة بقولهم أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء لو لا انهم قد رأوا فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء. ولا يلزم أن يكون قولهم هذا اعتراضا وذنبا منهم. بل قالوا ذلك لأن الله أخبرهم في هذا الخطاب بأن الخليفة هو بشر من طين كما في قوله تعالى في سورة ص المكية 71 ( إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين ) فعرفوا من بشريته انه ذو شهوة وغضب وقد عهدوا من حال السابقين ان الشهوة والغضب ينشأ منهما الفساد وسفك الدماء. ولأجل بغضهم للفساد ومعصية الله سألوا عن الحكمة في خلق هذا الخليفة مع انه في الشهوة والغضب مثل السابقين الذين طهرت الأرض من فسادهم ( ونحن ) من لطفك في خلقنا بلا شهوة ولا غضب إنا دائما ( نسبح ) والتسبيح ( بحمدك ونقدس ) والتقديس ( لك ) فإن شئت عمران الأرض بصلاح عبادتك فاجعلنا فيها. ولكن مع ذلك كان الأولى بهم أن لا يصدر منهم هذا السؤال في هذا المقام وإن كان سؤالهم للتعلم بل يفوضوا الأمر إلى الله وحكمته وعلمه بما هو الصالح ( قال ) الله لهم ( إني أعلم ما لا تعلمون ) فإن في ذلك حكمة شريفة ولطفا خفيا إذ يكون من البشر أنبياء ورسل وأئمة فيهم شهوة وغضب وهم مع ذلك في أعلى درجات الطهارة والعصمة الاختيارية والطاعة والعبادة لله والتفاني في هداية الناس وإصلاحهم. وفيما أشرنا اليه في تفسير القمي وعلل الصدوق عن امير المؤمنين عليه السلام جاعل في الأرض خليفة تكون حجة لي على خلقي. وفيه ايضا. اجعل من ذريته أنبياء وعبادا

Halaman 83