Al-Waqf al-Qur'ani wa Atharuhu fi al-Tarjih 'inda al-Hanafiya

Izzat Shahatah Karrar d. Unknown

Al-Waqf al-Qur'ani wa Atharuhu fi al-Tarjih 'inda al-Hanafiya

الوقف القرآني وأثره في الترجيح عند الحنفية

Penerbit

موسسة المختار

Nombor Edisi

الأولى

Tahun Penerbitan

١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م

Lokasi Penerbit

القاهرة

Genre-genre

مقدمة بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومتبعى هديه إلى يوم الدين .... وبعد. يعد علم الوقف من أهم العلوم التى أهتم بها العلماء المسلمون حتى أنهم أفردوا لها تصانيف خاصة وأول من كتب فى الوقف هو شيبة بن نصاح الكوفى (ت ٧٤٧ م) ومن أهم المؤلفات المطبوعة التى وقعت تحت يدى وأثنى عليها العلماء قديما وحديثا خمسة مؤلفات وهم كتاب (إيضاح الوقف والابتداء) لابن الأنبارى وكتاب (المقصد) للأنصارى وكتاب (القطع والائتناف) للنحاس وكتاب (المكتفى فى الوقف والابتداء) لأبى عمرو الدانى وكتاب (منار الهدى) للأشمونى، يقول النكزاوى: باب الوقف عظيم القدر جليل الخطر لأنه لا يتأتى لأحد معرفة معانى القرآن ولا استنباط الأدلة الشرعية منه إلا بمعرفة الفواصل «١». وقد لفت انتباهى عند قراءتى فى كتب تفسير آيات الأحكام أن فقهاء الحنفية قد استدلوا بالوقف فى ترجيح رأيهم الفقهى على رأى غيرهم من الفقهاء، ثم وقع نظرى على رسالة للماجستير مقدمة من د. هالة عثمان عبد الواحد وموضوعها «الأثر النحوى لظاهرة الوقف فى النص القرآنى» لقسم النحو والصرف والعروض- كلية دار العلوم جامعة المنيا- ورغم أن الرسالة تتحدث فى مضمونها عن التأثير النحوى ولم تتطرق إلى تأثير الوقف الفقهى أو فى التفسير إلا أن الفكرة قد استهوتنى للبحث فى تأثير الوقف فى الفقه الإسلامى على أننى سوف أجعل تأثير الوقف فى التفسير بحثا آخر بإذن الله تعالى. ومن ثم فقد حاولت فى هذا البحث أن أضع يدى على موقف المذهب الحنفى من

(١) الاتفاق: ١/ ٨٣.

1 / 5

الاستدلال بالوقف كمرجح فى المسائل الفقهية وأبين أنه إذا كان هناك خلاف بين الفقهاء فى الوقوف على بعض الآيات دون البعض فإن هذا الخلاف انبثق عنه اختلاف فى كثير من الفروع الفقهية التى نجدها متناثرة فى كتب الفقه والتفسير المختلفة. ولقد قسمت هذا البحث إلى فصلين عالج الأول منها نشأة القراءات القرآنية وتكلم عن الوقف وأقسامه وهل الوقف توقيفى أم لا؟ ثم جاء الفصل الثانى دراسة تطبيقية ليبين أثر الوقف فى الأحكام الفقهية عند الحنفية. والله اسأل أن يوفقنى للعمل بكتابه وسنة رسوله.

1 / 6

ثبت بالآيات التى ورد فيها الوقف ١ - يقول الله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة: ٢٢٢] ٢ - يقول الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى [البقرة: ١٧٨] ٣ - يقول الله تعالى: وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ [المائدة: ٤٥] ٤ - يقول الله تعالى: وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ [النساء: ٢٣] ٥ - يقول الله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة: ١٩٦] ٦ - يقول الله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ [البقرة: ١٩٧] ٧ - يقول الله تعالى: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة: ٩٥] ٨ - يقول الله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا [آل عمران: ٧] ٩ - يقول الله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ [الأنعام: ١٢١]

1 / 7

رموز التخريج خ: البخارى. م: مسلم. ت: الترمذى. ن: النسائى. د: أبو داود. جه: ابن ماجة. هق: البيهقى فى السنن الكبرى. قط: الدار قطنى.

1 / 9

الفصل الأول نشأة القراءات القرآنية وتعريف الوقف وأقسامه المبحث الأول: القراءات القرآنية المبحث الثانى: تعريف الوقف وأهميته المبحث الثالث: أقسام الوقف

1 / 11

المبحث الأول: القراءات القرآنية القراءات لغة: جمع قراءة وهى فى الأصل مصدر (قرأ) يقال: قرأ فلان، يقرأ قراءة «١». فى الاصطلاح: عرفها علماء الاصطلاح بقولهم (هى علم بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها، منسوبة لناقلها فالقراءات هى تلك الوجوه اللغوية والصوتية التى أباح الله بها قراءة القرآن تيسيرا وتخفيفا على العباد) «٢». نشأة القراءات: لا خلاف فى أن القرآن الكريم نزل على سبعة أحرف تتضمن مختلف لغات العرب ولهجاتها وعلى رأسها لغة قريش لأنها كانت أفصحهم حتى أن سيدنا عثمان عند ما أمر بجمع المصحف جعل الأصل فيها أن يكون بلغة قريش عند الاختلاف أما إن أمكن الجمع بين الأحرف فى الخط كتبوه. وكان رسول الله ﷺ يقرئ أصحابه بهذه الأحرف فيذهب كل واحد منهم وهو يقرأ بقراءة غير التى يقرؤها صاحبه، ثم جاء الفتح الإسلامى وتفرق الصحابة فى البلاد وأخذ الناس القرآن عنهم ثم كثر الاختلاف والتنازع وذلك بسبب اختلاف الناس فى القراءات حتى أن حذيفة بن اليمان رضى الله عنه فى القصة المشهورة التى قام على أثرها الصحابة رضى الله عنهم بعد اجتماعهم على كتابة القرآن فى مصحف جامع لأن الصحابة وهم أهل فصاحة كانوا على إدراك تام لمعنى هذه الأحرف المختلفة والمقصود منها بعد أن علمهم النبى ﷺ، أما الناس بعد ذلك فلم يصل إدراكهم وفهمهم إلى ما وصل إليه أولئك كما أن

(١) القاموس المحيط مادة (قرأ). (٢) الأحرف السبعة ومنزلة القراءات منها، د. حسن عتر، دار البشائر الإسلامية، ط. (١٩٨٨) ص ٢٦٥.

1 / 12

دخول العجم فى الإسلام كان له بالغ الأثر فى التعجيل بتوحيد الأمة على قراءة واحدة فجمعه أبو بكر بعد حادث اليمامة وقتل القراء ثم جمعه عثمان الجمعة الثانية وطرحوا ما سواه فلم يقرءوا به وما زال المسلمون على ذلك حتى يومنا هذا «١». فوائد تعدد القراءات: لتعدد القراءات فوائد عدة تذكر منها ما يلى: ١ - التخفيف على الأمة الإسلامية من باب التيسير ورفع الحرج. لذلك يقول ابن قتيبة فى تأويل مشكل القرآن: فكان من تيسير الله أن أمر الرسول ﷺ بأن يقرئ كل قوم بلغتهم وما جرى عليه عادتهم .. ولو أن كل فريق من هؤلاء أمر أن يزول عن لغته وما جرى عليه اعتباره طفلا وناشئا وكهلا لاشتد ذلك عليه وعظمت المحنة فيه، ولم يمكنه إلا بعد رياضة للنفس طويلة وتذليل اللسان وقطع للعادة فأراد الله برحمته ولطفه أن يجعل له متسعا فى اللغات ومتصرفا فى الحركات كتيسيره عليهم فى الدين «٢». ٢ - رغم تعدد القراءات القرآنية فإنه لا يوجد بينها تضاد ولا تناقض رغم ما به من آيات محكمات وأخر متشابهات مما يدل على إعجازه. ٣ - هذه القراءات القرآنية يفسر بعضها بعضا كقوله تعالى: وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا فسرتها قراءة: «يأخذ كل سفينة صالحة غصبا». ٤ - هذه القراءات ترجح حكما على حكم آخر كما سوف يتبين فى الدراسة وكما فى قوله تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ. ففي قراءة أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ «٣» [المائدة: ٨٩]. ٥ - تأكيد جانب عقائدى كما فى رؤية الله يوم القيامة فى قوله تعالى: وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا. فهناك قراءة بكسر اللام وفتح الميم وهى من أعظم الأدلة على رؤية الله تعالى يوم القيامة «٤». [الإنسان: ٢٠]

(١) البيان للصابونى ص ٢٣٥، القراءات أحكامها ومصادرها، د. شعبان إسماعيل ص ٤٦، الأحرف السبعة ص ٢٦٦ - ٢٨٩، شرح الدرة المضية لأبى القاسم النويرى ١/ ٢٥. (٢) تأويل مشكل القرآن ص ٣٩ - ٤٠. (٣) النشر ١/ ٢٩. (٤) النشر ١/ ٢٩.

1 / 13

٦ - الاحتجاج بتنويع القراءات فى تقرير القواعد اللغوية والنحوية «١». أركان القراءة الصحيحة: للقراءة الصحيحة ثلاثة أركان إذا توافرت هذه الأركان حكمنا عليها بالصحة وإذا اختل ركن منها فهى غير صحيحة وهذه الأركان هى: ١ - روايتها متواترة بسند متصل برسول الله ﷺ لذلك يقول سيدنا زيد بن ثابت القراءة سنة متبعة. ٢ - موافقتها لخط المصاحف العثمانية ورسمها فإن لم يتحملها الرسم اعتبرت القراءة شاذة وإن صح سندها فلا يقرأ بها القرآن. ٣ - موافقة القراءة وجها من العربية فى الصوت أو الصرف أو التركيب أو الدلالة. فمن خلال هذه الأركان الثلاثة يمكننا القول بأن هذه الأركان هى مقياس الصحة والشذوذ عند علماء القراءات فإن توافرت كانت القراءة صحيحة وإلا حكمنا بالشذوذ كما يمكننا القول بأن القرّاء ليسوا بسبع كما هو مشهور عند العامة لأن كل من قرأ واكتملت فيه هذه الأركان كانت قراءته صحيحه. ومما يؤكد ذلك أن جرير الطبرى روى فى كتابه واحد وعشرين قراءة، وقد صرح مكى فى الإبانة أن الناس من الأئمة فى كتبهم أكثر من سبعين ممن هم أعلى رتبة وأجل قدرا من هؤلاء السبعة «٢». وأول من ذكر أو اقتصر على القراءات السبعة هو ابن مجاهد وتبعه فى ذلك أبو عمرو الدانى والشاطبى. والذى دفع ابن مجاهد ومن تبعه إلى هذا هو من باب التيسير على الأمة لأنهم رأوا الهمم قصرت والأفهام عجزت عن استيعاب طرق القراءات كلها فنظروا فى أئمة القراءة وأكثرهم ضبطا واتقانا واختاروا منهم هؤلاء السبعة «٣».

(١) انظر تفصيل هذه الفائدة فى حجية القراءة الشاذة، د. محمد عبد الرحيم، ص ١٠ وما بعدها. (٢) انظر الإبانة نقلا عن الأحرف السبعة ص ٢٩٨. (٣) المحتسب فى تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها لابن جنى، تحقيق على النجدى ناصف، القاهرة ط ١٣٨٦ هـ.

1 / 14

وهم: ١ - نافع وهو ابن عبد الرحمن بن أبى نعيم توفى بالمدينة سنة ١٢٩ هـ. ٢ - عبد الله بن كثير الدارى توفى سنة ١٢٠ هـ. ٣ - أبو عمرو بن العلاء هو ابن عمار التميمى المازنى البصرى واسمه زبان توفى سنة ١٥٤ هـ. ٤ - عبد الله بن عامر هو ابن يزيد اليحصبى توفى بدمشق سنة ١١٨ هـ. ٥ - عاصم بن أبى النجود ويقال ابن بهدلة الأسدي ت ١٢٨ هـ. ٦ - حمزة بن حبيب الزيات ت سنة ١٥٨ هـ. ٧ - الكسائى هو على بن حمزة بن عبد الله بن بهمن بن فيروز الأسدي ت ١٨٩ هـ. «١». وزاد ابن الجزرى فى نشره ثلاثة قرّاء هم: ١ - أبو جعفر هو يزيد بن القعقاع المخزومى ت سنة ١٣٠ هـ. ٢ - يعقوب هو ابن اسحاق بن زيد الحضرمى ت ٢٠٥ هـ. ٣ - خلف هو ابن هشام البزار الأسدي ت ٢٢٩ هـ.

(١) التبيان ص ٢٢٥ وما بعدها، الحروف السبعة ص ٣٤١، الإرشادات الجلية ص ٧٢٦، قراءات القراء المعروفين ص ٨٦ وما بعدها تحبير التيسير لابن الجزرى ص ١٧، قواعد التجويد على رواية حفص عن عاصم ابن أبى النجود، تأليف أبى عاصم عبد العزيز بن عبد الفتاح القارئ، الطبعة الخامسة، سنة ١٤٠٤ هـ، مكتبة الدار بالمدينة المنورة ص ٢٠.

1 / 15

المبحث الثانى: تعريف الوقف وأهميته علم الوقف هو العلم الذى جاء من أجل إزالة الالتباس بين العبارات بعضها ببعض ويمنع التداخل بينها بحيث نعرف متى تنتهى تلك العبارة ومتى تبدأ الأخرى، فمهمة هذا العلم هو تنظيم الكلام بين الناس وكان لخطورة عدم تعلم هذا العلم عند تعلم القرآن الكريم ألا يجيز الشيخ تلميذه إلا بعد أن يتقن علم الوقف والابتداء، يقول ابن الأنبارى: من تمام معرفة القرآن الوقف والابتداء «١». والوقف لغة هو الحبس والكف ووقف الشيء حبسه وقد وردت مادة وقف فى القرآن والسنة، أما القرآن ففي قوله تعالى: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ [الصافات: ٢٤]. أما السنة فما رواه الترمذى عن فعل رسول الله ﷺ عن قراءة القرآن: «ولا يمر بآية عذاب إلا وقف يتعوذ» «٢». الوقف اصطلاحا: هو علم يعرف به كيفية أداء قراءة القرآن بالوقف على المواضع التى تتم عندها المعانى والابتداء من مواضع تستقيم معها المعانى وتتفق مع وجوه التفسير وصحة اللغة، وما تقتضيه علومها من نحو وصرف ولغة بحيث لا يخرج القارئ على وجه مناسب من التفسير ولا يخالف وجوه اللغة وسبل أدائها «٣». فالوقف فى القراءة: عبارة عن قطع الصوت عن الكلمة زمنا يتنفس فيه عادة بنية استئناف القراءة لا بنية الإعراض ويكون فى رءوس الآى وأواسطها ولا يأت فى وسط الكلمة ولا فيما اتصل رسما «٤».

(١) الاتقان ١/ ٨٣. (٢) ت ٢/ ٤٨، أبواب الصلاة- ما جاء فى التسبيح فى الركوع والسجود من طريق حذيفة ورواه النسائى (٢/ ٥١٨ - ٥١٩) كتاب الصلاة (٧٨) مسألة القارئ إذا مر بآية رحمه فذكره من طريق الترمذى بسنده. (٣) النشر فى القراءات العشر لابن الجزرى: دار الكتب العلمية (١/ ٢٢٤، ٢٢٥)، قواعد التجويد ٨٢ نظام الأداء فى الوقف والابتداء لابن الطحان ص ١٥. (٤) الاتقان ١/ ٨٨.

1 / 16

الوقف والقطع والسكت: أطلق علماء القراءات المتقدمون هذه الكلمات وغالبا ما أرادوا بها الوقف أما المتأخرون ففرقوا بينها فقالوا: القطع عبارة عن قطع القراءة رأسا فهو كالانتهاء، فالقارئ به كالمعرض عن القراءة والمنتقل إلى حالة أخرى غيرها وهو الذى يستعاذ بعده للقراءة المستأنفة ولا يكون هذا إلا على رأس آية لأن رءوس الآى فى نفسها مقاطع. أما السكت عندهم: فهو عبارة عن قطع الصوت زمنا وهو دون زمن الوقف عادة من غير تنفس «١». ومما سبق يتضح لنا أن الوقف أعم من السكت والقطع. ومعرفة الوقف من أهم متطلبات الفصاحة فى كلام الفصحاء كما أنه من أهم متطلبات التجويد فى القراءة وقد ذكرنا قبل ذلك أن الشيخ لم يجز لتلميذه القراءة إلا إذا أجاد علم الوقف والابتداء وقد روى البيهقى عن ابن عمر قوله: لقد عشنا برهة من الدهر وإن أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة فيتعلم حلالها وحرامها وأوامرها وزواجرها وما ينبغى أن يقف عنده منها، ولقد رأيت رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمته، لا يدرى ما أمره وما زاجره وما ينبغى أن يقف عندها ينثر نثر الدقل «٢». قال النحاس معلقا على هذا الحديث: فهذا الحديث يدل على أنهم كانوا يتعلمون القرآن وقول ابن عمر لقد عشنا برهة من دهرنا يدل على أن ذلك إجماع من الصحابة ثابت «٣». وكان ﷺ يقف على بعض الآيات وإن كان أكثر وقوفه على رءوس الآيات وذلك لما روى عن أم سلمة ﷺ أنها سئلت عن قراءة النبى ﷺ فقالت: كان يقطع قراءته، يقول: الحمد لله رب العالمين ويقف، الرحمن الرحيم ويقف «٤». وروى عن على بن أبى طالب أنه سئل عن معنى الترتيل فى قوله تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل: ٤] فقال: هو تجويد الحروف ومعرفة الوقوف «٥».

(١) الاتقان ١/ ٨٨. (٢) رواه البيهقى فى السنن الكبرى ٣/ ١٢، وذكره السيوطى بسنده فى الاتقان ١/ ٨٣ والدقل: التمر الرديء اليابس. (٣) الاتقان ١/ ٨٣. (٤) رواه الترمذى (٥/ ١٧٠) (٤٧) كتاب القراءات (١) باب فى فاتحة الكتاب. رواه بسنده من طريق أم سلمة فذكره وقال الترمذى: هذا حديث غريب. (٥) المكتفي ص ٤٩.

1 / 17

المبحث الثالث: أقسام الوقف اختلف العلماء فى تقسيمهم للوقف حسب اختلافهم فى تحقيق المعانى فقسمه ابن الأنبارى إلى ثلاثة: تام وحسن وقبيح وقسمه غيره إلى أربعة أقسام تام مختار وكاف جائز وحسن مفهوم وقبيح متروك، وقال السجاوندى الوقف على خمس مراتب لازم ومطلق وجائز ومجوز بوجه ومرخص ضرورة وغير ذلك من أقسام «١»، وكل ما ذكروه من أقسام الوقف لا يخرج عن أربعة أقسام وهى التام والكافى والحسن والقبيح. وقبل الكلام فى هذه الأقسام الأربع ينبغى ذكر الضابط التى يفرق العلماء من خلاله بين هذه الأنواع. فالضابط فى التفريق بين هذه الأنواع الأربع هو النظر إلى العبارة التى قبل موضع الوقف والعبارة التى بعده فيبحثون عن ثلاثة روابط وبحسب وجود شىء منها أو وجودها كلها يكون تحديد نوع الوقف وحكمه وهى: ١ - الروابط اللفظية. ٢ - المعنى الخاص بكل عبارة. ٣ - السياق العام (أى الموضوع) «٢». وفى ذلك تقول د. هالة عثمان: (فإذا لم يوجد أى رابط لفظى بين العبارتين، وكان المعنى الخاص بكل عبارة كاملا بنفسه ولا يحتاج إلى العبارة الأخرى ليكمل ويصير معنى مفيدا. وكانت العبارة الثانية بداية موضوع وسياق جديد فهذا هو التام أما إن كان السياق لا يزال واحدا فهذا الكافى وإن وجد

(١) الاتقان ١/ ٨٤ - ٨٥. (٢) الأثر النحوى لظاهرة الوقف فى النص القرآنى ص ٩.

1 / 18

بين العبارتين رابط لفظى ورابط فى المعنى والسياق العام إلا أن العبارة الأولى بنفسها تشكّل معنى مفيدا فهذا هو الحسن فإن كان كل من العبارتين محتاجا إلى الآخر بحيث لا يكون بنفسه معنى مفيدا إلا بالعبارة الأخرى فالوقف حينئذ بينهما قبيح «١». القسم الأول: التام: فالوقف التام هو الذى يفصل بين عبارتين لا علاقة لأحدهما بالأخرى لا فى اللفظ ولا فى المعنى لأن العبارة الأولى تامة وتستغنى بنفسها عن العبارة الثانية فى تمام معناها ومثالها قوله تعالى: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة: ٥] فالوقف على (مفلحون) وقف تام لأنه نهاية الكلام عن المؤمنين وما بعد الوقف كلاما مستأنفا يتكلم عن الكفار وحالهم مع الرسول والرسالة فنلاحظ هنا عدم وجود الرابط اللفظى أو المعنى بين العبارتين «٢»، وهذا النوع من الوقف يحسب الوقوف عليه والابتداء بما بعده. القسم الثانى: الكافى: هو الذى يفصل بين عبارتين لا تعلق بينهما فى اللفظ فكل منهما جملة مفيدة فى لفظها وإن كان هناك تعلق بالمعنى العام وسياق الكلام ومثالهما قوله تعالى: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ ثم نبدأ بقوله تعالى: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وهذا النوع وهو الوقف الكافى يكثر فى الفواصل «٣». القسم الثالث: الحسن: هو الذى يفصل بين عبارتين تتصل كل منهما فى اللفظ وفى سياق الموضوع غير أن الجملة الأولى مفيدة بنفسها أما الثانية فهى غير مفيدة بنفسها ولا يتم معناها إلا بالربط بالجملة الأولى لوجود الرابط اللفظى. مثاله قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ فالوقف على الحمد لله حسن لأنها جملة مفيدة بذاتها أما الابتداء برب العالمين لا يحسن

(١) المرجع السابق ص ٩. (٢) نظام الأداء فى الوقف والابتداء ص ٣٠، الاتفاق ١/ ٨٣. (٣) المرجع السابق ص ٣٨ والنشر ١/ ٢٢٧، ٢٢٨، الاتفاق ١/ ٨٤

1 / 19

لوجود الرابط اللفظى لأن كلمة (رب) صفة والموصوف هو (الله) فلا يمكن الفصل بين الصفة والموصوف فيجب على القارئ إن فصل وأراد الابتداء بالثانية عليه إعادة الجملة الأولى ١، فهذا النوع من الوقف يحسن الوقوف عليه ولا يحسن الابتداء بما بعده. القسم الرابع: القبيح: هو الذى يفصل بين عبارتين اشتد تعلقهما فى اللفظ والمعنى بحيث أن كل جملة منهما لا تستطيع أن تستغنى عن الأخرى وتكون جملة مفيدة. ومثاله: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ فالوقف على هذه الجمل والبدء بما بعدها يعد من القبح فى الوقف ولا يجوز لأنه يغير المعنى المقصود تماما. وكذا وصل ما يجب الوقف عليه قبيحا كما فى قوله تعالى: إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ فلا نستطيع الوصل بل يجب الوقف على (يسمعون) لأنه فى حالة الوصل اشرك الموتى مع الذين يسمعون فى صفة الاستجابة. رموز الوقف: وضع العلماء رموزا للوقف وهى: (م) رمز للوقف اللازم وهو ما كان فى وصله إفساد للمعنى أو إبهام لمعنى آخر غير مراد. (ط) رمز للوقف المطلق والمراد به ما يحسن فيه الابتداء بما بعده وهذا الرمز لا يكون إلا فى الوقف التام والكافى. (ج) رمز الوقف الجائز وهو ما يجوز فيه الوقف والوصل بدرجة متساوية. لوجود وجهين فيها من الإعراب من غير ترجيح لأحدهما. (ز) رمز للوقف المجوز لوجه وذلك إذا كان هناك وجهان متغايران فى الإعراب وأحدهما أرجح من الآخر. (ص) رمز للوقف المرخص لضرورة النفس، وذلك إذا طال الكلام وانقطع النفس فيقف عليه مع وجود الارتباط بما بعده «١».

(١) المرجع السابق.

1 / 20

الوقف غير توقيعى: لا خلاف نعرفه فى أن الآيات التى ورد عن النبى ﷺ أنه كان يقف عليها ووقف عليها الصحابة من بعده فإنه وقف لازم لأنه توقيفى من النبى ﷺ كما أنه ورد عن النبى أنه كان يقف على بعض الآيات تارة ويصلها أخرى فاحتمال وقفه عليها أحد أمرين. الأول: أن تكون فاصلة. والثانى: أن يكون المعنى احتمل ذلك. ومن هنا جاء القياس فى الوقف. «١» بل إننا نرى أن القراء أنفسهم لهم فى الوقف والابتداء مذاهب مما يدل على أن الوقف فى الأعم الأغلب غير توقيفى ما دام تحتمله القواعد النحوية واللغوية، فنافع كان يراعى عند وقفه تجانسها بحسب المعنى وابن كثير وحمزة كانا يقفان عند انقطاع النفس، واستثنى ابن كثير بعض الحالات التى يجوز الوقف عليها لغير انقطاع النفس مثل قوله تعالى: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ. أما عاصم والكسائى فكان الوقف عندهم حيث تم الكلام، أما أبو عمرو يتعمد رءوس الآى ويقول: هو أحب إلى «٢». ومما يؤكد قولنا أن الوقف غير توقيفى قول النكزاوى الذى أورده السيوطى حيث يقول: لا بدّ للقارئ من معرفة مذاهب الأئمة المشهورين فى الفقه لأن ذلك يعين على معرفة الوقف والابتداء لأن القرآن مواضع ينبغى الوقف على مذهب بعضهم ويمتنع على مذهب آخرين «٣». نخلص من هذا كله أن الوقف كما قلنا غير توقيفى إلا فيما ثبت عن النبى ﷺ فيجب الوقوف عليه. مما يجيز لنا الاستشهاد ببعض الآيات فى الجانب التطبيقى لم يقف عليها القراء وإن كان يجوز الوقف عليها.

(١) قواعد التجويد ص ٨٩، المكتفى ص ٩٧، ٩٨. (٢) الاتقان ١/ ٨٧. (٣) نفسه ١/ ٨٧.

1 / 21

الفصل الثانى الوقف وأثره فى الترجيح عند الحنفية

1 / 23

١ - مباشرة الزوجة بعد انقطاع الدم يقول تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ. [البقرة: ٢٢٢] لا خلاف بين العلماء فى جواز الاستمتاع بالحائض فيما فوق السرة ودون الركبة بالنص والإجماع «١» والوطء فى الفرج محرم بهما «٢». غير أنهم اختلفوا فى حكم الوطء بعد انقطاع الدم وقبل الغسل وسبب الخلاف يرجع إلى الاحتمالات التى فى قوله تعالى: فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ هل المراد به الطهر الذى هو انقطاع دم الحيض أم الطهر بالماء؟ ثم إن كان الطهر بالماء فهل المراد به طهر جميع الجسد أم طهر الفرج؟ «٣». وقد ورد فى هذه الآية عدة قراءات كان من بينها وقف كان له أثرا بارزا فى الخلاف الفقهى وقبل ذكر اختلاف الفقهاء وأدلتهم أود أن أذكر هذه القراءات وهى: ١ - ورد وقف على قوله تعالى: حَتَّى يَطْهُرْنَ والاستئناف بقوله: فَإِذا تَطَهَّرْنَ «٤».

(١) اختلف العلماء فى مباشرتها فيما بين السرة والركبة فذهب الإمام أحمد إلى إباحته وهو قول عطاء وعكرمة والشعبى والثورى وإسحاق، وقال الحكم: «لا بأس أن تضع على فرجها ثوبا ما لم يدخله، وقال الحنفية والمالكية والشافعية: لا يباح وذكر كل فريق أدلة تؤيد مذهبه، وسبب اختلافهم ظواهر الأحاديث الواردة فى ذلك حيث وردت أحاديث فى الصحاح عن عائشة وميمونة وأم سلمة أنه ﷺ كان يأمر إذا كانت إحداهن حائضا أن تشد عليها إزارها ثم يباشرها. وروى ثابت بن قيس عن النبى ﷺ قال: اصنعوا كل شىء بالحائض إلا النكاح. راجع المغنى ١/ ٤٦٠، بداية المجتهد ١/ ٧٥ - ٧٦، أحكام ابن العربى ١/ ٢٢٦، القرطبى ٣/ ٥٨. (٢) وإذا وطئ الحائض فى الفرج إثم ويستغفر الله وفى الكفارة عند العلماء مذهبان: أحدهما: يجب عليه الكفارة وهى رواية عن الحنابلة وابن عباس. ثانيهما: لا يجب وبه قال مالك والحنفية والشافعى وأكثر أهل العلم. المغنى ١/ ٤٦١، القرطبى ٣/ ٥٨. (٣) بداية المجتهد ١/ ٧٧. (٤) راجع هذه القراءات فى البحر المحيط ١/ ٦٩، النشر ٢/ ٢٢٧، أحكام الجصاص ١/ ٤٧٦، أحكام ابن العربى ٢/ ٢٢٨، تفسير القرطبى ٣/ ٥٩، تفسير آيات الأحكام ١/ ١٣٠، البحر المحيط ٢/ ١٦٨، شرح صحيح مسلم ٣/ ٢٠٦.

1 / 24

٢ - قرأ الجمهور منهم نافع وأبو عمر وابن كثير وابن عاصم فى رواية حفص (يطهرن) بسكون الطاء وضم الهاء. ٣ - ورد فى مصحف أبى بن كعب وعبد الله بن مسعود (حتى يطهرن) وهى قراءة شاذة. ٤ - قرأ حمزة والكسائى وعاصم فى رواية أبى بكر والمفضل عنه (يطهّرن) بتشديد الهاء والطاء وفتحهما وهى قراءة صحيحة ورجحها الطبرى. ٥ - ورد فى مصحف أنس بن مالك فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ورجح أبو على الفارسى قراءة تخفيف الطاء إذ هو ثلاثى مضاد لطمث وهو ثلاثى وهذه القراءة شاذة. وبناء على هذه القراءات اختلف الفقهاء إلى فريقين وإليك بيان ذلك: المذهب الأول: وهم الحنفية الذين قالوا بأن انقطاع الدم يجيز للزوج وطء زوجته بشرط أن يكون الانقطاع بعد عشرة أيام وهى أقصى مدة للحيض عندهم، أما دون ذلك فلا يجوز له الوطء إلا بعد الغسل أو يمضى عليها وقت صلاة كامل «١». واستدلوا على ذلك بأدلة منها «٢». ١ - أن الوقف على قوله (حتى يطهرن) والاستئناف بقوله تعالى: فَإِذا تَطَهَّرْنَ فهو ابتداء كلام لا إعادة لما تقدم، ولو إعادة لاقتصر على الأول، فقال: حتى يطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله خاصة فلما زاد عليه دل على أنه استئناف حكم آخر. ٢ - المراد بقوله تعالى: حَتَّى يَطْهُرْنَ حتى ينقطع عنهن الدم، وقد يستعمل التشديد موضع التخفيف، فيقال: تطهر بمعنى طهر كما يقال: قطع وقطّع ويكون هذا أولى لأنه لا يفتقر إلى إضمار. كما أنهم حاولوا الجمع بين القراءتين فحملوا قراءة التخفيف على انقطاع الدم لعشرة أيام وقراءة التشديد على ما هو أقل من عشرة أيام وغايتهم فى هذا مراعاة كل من

(١) المحلى ٧/ ١٢٠، السيل الجرار ١/ ١٤٧، المغنى ١/ ٤٦٤، القرطبى ٣/ ٥٩، أحكام ابن العربى ١/ ٢٢٨، الجصاص ١/ ٤٧٦، تفسير آيات الأحكام ١/ ١٣٠، أحكام الطهارة والصلاة فى الفقه الإسلامى ص ٤٠، ٤١، حجية القراءات الشاذة د. محمد عبد الرحيم ص ١٧٤ وما بعدها. (٢) راجع هذه الادلة فى المراجع السابقة.

1 / 25

القراءتين باستعمال أحدهما على سبيل الحقيقة والأخرى على سبيل المجاز «١». ٣ - مد التحريم إلى غاية وهى انقطاع الدم وما بعد الغاية مخالف لما قبلها فوجب أن يحصل الجواز بعد انقطاع الدم بسبب حكم الغاية لأن (حتى) تقتضى أن يكون حكم ما بعدها بخلاف ما قبلها كقوله تعالى: حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ، وقوله: وَلا جُنُبًا إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [النساء: ٤٣] فكذلك قوله: حَتَّى يَطْهُرْنَ بالتخفيف فيراد به انقطاع الدم. المذهب الثانى: وهو قول جمهور العلماء القائل بعدم جواز الوطء إلا بعد انقطاع الدم والغسل وبه قال المالكية والشافعية والحنابلة وذهب الأوزاعى إلى أنها إن غسلت فرجها بالماء جاز وطؤها «٢». واستدلوا على مذهبهم بأدلة نذكر منها «٣». ١ - يقول تعالى: وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [البقرة: ٢٢٢]. يعنى إذا اغتسلن، هكذا فسره ابن عباس. كما أن القراءة الشاذة التى وردت فى مصحف ابن مسعود وأبى بن كعب وهى حَتَّى يَطْهُرْنَ فكلمة يَطْهُرْنَ مضارع تطهر وباب تفعل يأتى لعدة معان منها التكلف الذى يطلق على ما يكتسبه المكلفون بأنفسهم كما يقول: تعلم زيد، فإن التعلم من اكتسابه وكذلك إذا قلنا: تطهرت المرأة: كان المراد أنها اكتسبت الطهارة بنفسها وذلك يكون بالاغتسال بالماء لا بمجرد انقطاع الدم. ٢ - قوله تعالى فى آخر الآية: وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ فأثنى عليهم فيدل على أنه فعل منهم أثنى عليهم به وفعلهم هو الاغتسال دون انقطاع الدم. يقول ابن العربى: قال تعالى فى آخر الآية: وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ فمدحهم وأثنى عليهم فلو كان المراد به انقطاع الدم ما كان فيه مدح، لأنه من غير عملهن والبارى سبحانه قد ذم على مثل هذا فقال: وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا «٤».

(١) أحكام القرآن للجصاص ١/ ٤٧٦، تفسير القرطبى ٣/ ٨٩. (٢) المحلى ٧/ ١٢٠، السيل الجرار ١/ ١٤٧، المغنى ١/ ٤٦٤، القرطبى ٣/ ٨٨، أحكام ابن العربى ٢/ ٢٢٨، أحكام الجصاص ١/ ٤٧٦، تفسير أبى مسعود ١/ ٢٢٢. (٣) راجع هذه الأدلة فى المراجع السابقة. (٤) أحكام ابن العربى ٢/ ٢٣١.

1 / 26

اشترط لإباحة الوطء شرطين انقطاع الدم والاغتسال فلا يباح إلا بهما كقوله تعالى: وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ [النساء: ٦] لما اشترط لدفع المال إليهم بلوغ النكاح والرشد لم يبح إلا بهما وأيضا يقول تعالى: فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة: ٢٣٠] ثم جاءت السنة باشتراط الوطء فوقف التحليل على الأمرين جميعا وهما انعقاد النكاح ووقوع الوطء فكذا هاهنا. ٤ - أن فعل (تطهر) لا يستعمل إلا فيما يكتسبه الإنسان وهو الاغتسال بالماء فأما انقطاع الدم فليس بمكتسب وقراءة (حتى يطّهّرن) والتشديد يدل على المبالغة فى الطهارة وذلك إنما يكون بالاغتسال بالماء فعلا لا بانقطاع الدم وأصله (يتطهرن) فقلبت التاء طاء لقرب مخرجيهما وأدغمت التاء فى الطاء فصارت (يطهرن). ٥ - كلمة (إذا) فى قوله (فإذا تطهرن) تفيد الشرط والمعلق على الشرط عند عدم الشرط فوجب أن لا يجوز الإتيان إلا بعد التطهر فدل ذلك على أن المراد ب (يتطهرن) الاغتسال. ٦ - إن ظاهر قوله: (فإذا تطهرن) حكم عائد إلى ذات المرأة فوجب أن يحصل هذا التطهر فى كل بدنها لا فى بعض من أبعاض بدنها وهذا لا يتحقق إلا بالاغتسال. مناقشة الأدلة: بعد عرض أدلة الفريقين يتبين لنا ضعف أدلة الحنفية وإليك بيان ذلك: ١ - أما قولهم بوجوب الوقف على قوله تعالى: حَتَّى يَطْهُرْنَ والاستئناف بقوله: فَإِذا تَطَهَّرْنَ غير مسلم به لأن هذا خلاف الظاهر فإن المعاد فى الشرط هو المذكور فى الغاية بدليل ذكره (بالفاء)، ولو كان غيره لذكره (بالواو)، وأما الزيادة فلا تخرجه عن أن يكون بعينه كما فى قوله: لا تعط هذا الثوب زيدا حتى يدخل الدار فإذا دخل فاعطه الثوب ومائة درهم لكان هو بعينه ولو أراد غيره لقال: لا تعطه حتى يدخل الدار، فإذا دخل وجلس فافعل كذا وكذا هذا طريق النظم فى اللسان «١». ٢ - قولهم بأن (حتى يطهرن) بالتخفيف والتشديد تدل على انقطاع الدم غير مسلم به أيضا

(١) أحكام ابن العربى ١/ ٢٢٩.

1 / 27