48

Al-Wajiz fi Fiqh al-Imam al-Shafi'i

الوجيز في فقه الإمام الشافعي

Editor

علي معوض وعادل عبد الموجود

Penerbit

شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم

Nombor Edisi

الأولى

Tahun Penerbitan

1418 AH

Lokasi Penerbit

بيروت

Genre-genre

Fiqh Shafie

خصومِهِ ؛ إذ لا يجد بين نفسه وبين سائر المقلِّدين المخالِفِينَ له فرقاً وفضلاً، ولعلَّ صاحبه يميلُ مِنْ بين سائرٍ المذاهِبِ إلى الأشعرِّي، ويزعُمُ أن مخالفته في كلِّ وِزدٍ وصَدَرٍ كُفْرٌ من الكفرِ الجَلِيِّ، فأسألْهُ: مِنْ أين ثَبَتَ له كونُ الحقِّ وفقاً عليه؛ حتَّى قضى بكفر الباقِلاَنِيِّ، إذ خالفه في صفة البَقَاءِ لِلَّهِ تعالَى، وزعم أنَّه ليس هو وصفاً للَّه تعالَى زائداً على الذات؟ ولِمَ صار البَاقِلاَّنِيُّ أولَىْ بالكُفْر؛ لمخالفته الأشعريّ، من الأشعريِّ؛ بمخالفتِهِ البَاقِلانِيَّ، ولِمَ صار الحقُّ وقفاً على أحدِهِمَا دون الثاني؟ أكانَ ذلك لأجْلِ السَّبْقِ في الزَّمَان؟ فقد سبق الأشعريّ؛ غيرُهُ من المعتزلَةِ، فليكن الحقُّ للسابِقِ علَيْهِ، أم لأجل التفاؤُتِ في الفضْلِ والعلْمِ؟ فبأيِّ ميزانٍ ومكيالٍ قَدَّرَ درجاتِ الفضْلِ؛ حتى لاَح لَهُ أنْ لاَ أفضلَ في الوجودِ من متبوعه ومقّلده؟

فإنْ رخّص للبَاقِلاَّنيِّ في مخالفته، فلِمَ حَجَر على غيره؟ وما الفَرْقُ بين البَاقِلاَّنِيِّ، والكَرَابِيسيِّ، والقَلاَنِسيِّ، وغيرهم؟ وما مَدْرَكُ التخصيصِ بهذه الرُّخْصَة؟ وإنْ زعم أنَّ خلاف البَاقِلاَّنيِّ يرجع إلَى لفظٍ لا تحقيقَ وراءه، كما تعسّف بتكلُّفه بعضُ المتعصِّبين؛ زاعماً أنهما متوافقَانِ علَى دوام الوجودِ، والخلافُ في أنَّ ذلك يرجعُ إلى الذاتِ أو إلَى وصفٍ زائدٍ عليه خلافٌ قريبٌ لا يوجب التشديد، فما باله يشدِّد القولَ على المعتزليِّ في نفيه الصِّفات ..))

ثم استمر مخاطباً تلميذه بقوله:

((ولعلك ان انصفت علمت أن من جعل الحق وقفاً على واحد من النظار بعينه فهو إلى الكفر والتناقض أقرب، أما الكفر، فلأنه نزله منزلة النبي المعصوم من الزلل الذي لا يثبت الايمان إلا بموافقته، ولا يلزم الكفر إلا بمخالفته، وأما التناقض فهو أن كل واحد من النظار يوجب النظر، وأن لا نرى في نظرك إلا ما رأيت، وكل ما رأيته حجة، وأي فرق بين من يقول قلدتي في مجرد مذهبي، وبين من يقول قلد في مذهبي ودليلي جميعاً، وهل هذا الا التناقض.))

نَقْدُ الغَزَّالِيِّ لطَائِفَةِ المُتَكلِّمِينَ:

يُعَدُّ الغَزَّاليِّ من أكبر متكلِّمي الإسْلام ومع كونه هكذا، فإنَّه - رضي الله عنه - لا يوافقُ علْمَ الكلامِ في جميع اتجاهاتِهِ، ولا يَقْنَعُ به في كثيرٍ منْ مسَائِلِهِ؛ ولذا كثيراً ما نراه يُؤَاخِذُ مقولاتِهِمْ، وينتقدُ كثيراً من مسائلِهِمْ، وينعَى عليهم الغُلُوَّ والإسْرَاف فيه، ومؤاخذتَهُمْ عَوَامَّ المُسْلِمين بعلْمِ الكَلام، وتكليفَهُمْ معرفة الدَّلائل الكلاميَّة، والتَقْسِيمَاتِ المرئَبة، ووضعَهُمْ من لم يَعْرِفُ ذلك مِنَ العَوَامِّ بالنقصان في الدِّين.

يقولُ الإمامُ الغَزَّالِيُّ في كتابه( فَيَصَلِ التَّفْرِقَة)؛ ناقداً للمتكلِّمين:

((من أشدِّ الناس غُلُوّاً وإسرافاً طائفةٌ من المتكلِّمين كفَّروا عوامَ المسلمين، وزعمُوا أنَّ من لا يَعْرفُ الكلامَ معرفتَنَا، ولمْ يعرفِ العقائدَ الشرعيَّةَ بأدلَّتنا التي حرَّرنَاها، فهو كَافِرٌ، فهؤلاء ضيَّقوا رحمةَ الله الواسعةَ علَى عباده أولاً، وجعلوا الجنَّةَ وقْفاً علَى شِرْزِمَةٍ يسيرةٍ من المتكلِّمين، ثم جَهِلُوا ما تواتَرَ من السنَّة ثانياً؛ إذ ظهر لهم في عهد رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وعصْرِ الصحابةِ - رضي

48