46

Al-Wajiz fi Fiqh al-Imam al-Shafi'i

الوجيز في فقه الإمام الشافعي

Editor

علي معوض وعادل عبد الموجود

Penerbit

شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم

Nombor Edisi

الأولى

Tahun Penerbitan

1418 AH

Lokasi Penerbit

بيروت

Genre-genre

Fiqh Shafie

‏الإمام الغزالي وعلم الكلام:

لقد منَحَ اللهُ الغَزَّاليَّ طبيعةً قادرةً على البَذْلِ والعطاءِ، وأودَعَهُ ذهناً صافياً، لا يلوثه شيءٌ، ووفرَ له التربَةَ الدينيّة السليمةَ التي ينشأ فيها ويترغْرَعُ، حتى نَضِجَ تفكيرُهُ، وعلا على كلِّ المذاهبِ والفرق المختلفة.

ولما فتح الغَزَالِيُّ عينَهْ على الحَيَاةِ، ووجَد نَفْسَه في بَحْر متلاطم الأمواج، ظلماتُهُ بعْضُها فوْقَ بعْضٍ، كلَّما توغَّل في مُظْلِمَةٍ خرجَ إلَى أُخْرَى، وكلما حَلَّ مشكلةً، عنَّت له أخرَى، ووجد نفْسَهُ بين أربَعَةِ فَرَقٍ مختلفةٍ، كلٌّ يجذبُهُ إِلَيْهِ، وهو يُصَارِعُ هذا وذاك، وصولاً إلى اليقينِ الَّذِي يَنْشُدُهُ، خلالَ هذا الرُكَامِ المكدَّسِ.

هذه الفِرَقُ الأربعة تتمثلُ في: المُتَكَلِّمينَ البَاطِنَّةِ الفَلَاسِفَةِ والصُّوفيَّةِ

ولما كان الإمامُ الغَزَّاليُّ يبغي الحقيقةَ لا سوَاهَا، ويسعَى نحو اليقين لا غَيْرِهِ، أَخَذَ يدرُسُ هذه الفرَقِ الأربَعَةَ، ويرتشفَ كلَّ ما عندها، ويَسْبُرُ غوْرَها، حتَّى تيسَّرَ له كلُّ ما أراده.

فأمَّا علْمُ الكلام، فلمْ يَكُنْ متطوِّراً بَعْدُ، بل كان في حَاجَةٍ ماسَّةٍ إلى النموِّ والتجْديدِ؛ نظراً لتطوُّر وتجدُّد الأسئلةِ والشُّبَهِ؛ تبعاً لاختلاف الأزمنةِ وتغيرّها، كما أن العقْلَ الإنسانيَّ يتطوّر، وتتطوَّر معه المشاكلُ والحاجيَّاتُ.

فنجد علمَ الكلامِ قد جَمَدَ جمودَ العُلُومِ النقليَّة، وغَلَبَ عَلَيْهِ التقليدُ، وأصبح يتناقَلُ كروايَةٍ، غير أن الغزاليَّ لم يخضعْ لهذا التفكيرِ، وها هو يتحدَّث عن دراستِهِ لعلْمِ الكلامِ، فيقول:

ثُمَّ إِنِّي ابتدأْتُ بعلْمِ الكَلام، فحصَّلْته، وعقَلْتُه، وطالعت كُتُبَ المحقّقين منْهُمْ، وَصَّفتُ فيه ما أردتُ أن أصنِّف، فصادَقْتُهُ عِلْماً وافياً بمقصُودِهِ، غيْرِ وافٍ بمقْصُودِي وذلك لأنَّ مقصودَ الغزّاليِّ ومرادَهُ هو حفظُ عقيدة أَهْلِ السُّنَّة، وحراسَتُهَا عن تهويش أهل البِدَعِ.

ومنْهَجُ المتكلِّمين لا يفي بمقصُودِ الغَزَّاليِّ وغايتِهِ، وإنْ كان ذلك لا يقدَحُ في غاية علْمِ الكلامِ نفْسِهِ عند أصحابه؛ من حيثُ هو عندَهُمْ وسيلَةٌ لِنُصْرَةِ مَذْهَبِ أهْلِ السُّنَّة بكلام مرتَّب يكشفُ عن تلبيَاتِ أهْل البِدَعِ المحدَ ثة على خلافِ السُّنَّة المأثُورة، علَىُ حدِّ تعبيرِ الإمَامِ الغَزَّاليِّ.

كما أنَّ هذا المنهَجَ الَّذِي اتَّبَعَهُ المتكلِّمون لا يُعْجِبُ فِكْرَ الإمَامِ الغَزّاليِّ؛ وذلك لأنَّهم عمدوا عَلَى مقدِّمات تسلَّموها من خصومهمْ، إمَّا تقليداً لإجماع الأُمَّة، أوَ مجرَّد القَبُولِ من القرآنِ أو الأخبارِ؛ ولذلك كان أكثَرُ ما يهتمُّ به المتكلِّمون هو استخراجُ متناقضَاتِ الخُصُوم، وإظهارُ قصورِهِمْ بالنَّظَرِ من لوازِمٍ مُسَلَّمَاتِهِم.

وبهذا كان علْمُ الكلامِ قليلَ النَّفْعِ، غيْرَ وافٍ بمقصودِ الغَزَّاليِّ. ولما جاء الإمامُ الغَزَّالِيُّ، وعلْمُ الكلام على هذه الحالِ اجتهدَ - رضي الله عنه - أن ينمو هذا العلْمُ ويتطوَّر، فتكلَّم في مؤلّفاته العظيمةِ

46