42

Al-Wajiz fi Fiqh al-Imam al-Shafi'i

الوجيز في فقه الإمام الشافعي

Editor

علي معوض وعادل عبد الموجود

Penerbit

شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم

Nombor Edisi

الأولى

Tahun Penerbitan

1418 AH

Lokasi Penerbit

بيروت

Genre-genre

Fiqh Shafie

ولما أجال الطَّرْفَ في هذا الذَّرْب أو ذاك، وقَفَ واجماً حائراً، تَعْبَثُ به الدَّوائرُ، وتتربَّصُ به المَنُونُ، وسأل نفسَهُ مندهِشاً: أيَّ الدُّروبِ يَسْلُكُ؟ بل أيَّ القفارِ يجتازُ؟

لقد شَكَّ الغَزَّالِيُّ في العلوم جميعاً، وفي المناهِجِ والمذاهب على اختلافِها، بلْ شكّ في الحياةِ التي يعيشُها، شَكَّ في معانِيها وأهدافِهَا.

غير أننا في سبيل الكلام على الشَّكِّ عند الغزّاليِّ، يجبُ أن نلحَظَ نقطةً مهمَّة، وهي أنَّ الشكَّ نوعان:

أوَّلاً: الشَّكُّ المذْهَبِيُّ ثانياً: الشكُّ المَنْهَجِيُّ

وأن أصحاب النزعةِ الشَّكِّيَّةِ Scism، حُّوا من شأنِ العقْلِ الإنسانيِّ، واتهموه بالعجزِ المطلَقِ عن الوصول إلى أيِّ علْمٍ، أو أيَّة معرفَةٍ.

لذا يجبُ أنْ نقف قليلاً أمامَ هذه النُّقْطَة، ونفرِّق بين هذَيْن النوعَيْن من الشَّكِّ.

فأصحابُ الشَّكِّ المذهبيِّ، يشُكُون شكّاً مطْلَقاً، إذ يتخذُونَ الشكَّ مذهباً وطريقاً؛ فيبدءُونَ بالشَّكِّ، وينتهون إلى الشَّكِّ؛ وعليه فهُمْ ينكرون وجودَ أيَّة حقيقَةٍ، فالشكُّ عندهم وسيلةٌ وغايَةٌ وهَدَفٌ.

أما أصحابُ الشَّكِّ المنهجيِّ، فهم يتخذونَ من الشَّكِّ طريقاً للوصولِ إلى اليقين؛ إذ الشكُّ عندهم مجرَّدُ وسيلةٍ، أو منهجٍ؛ للوصول إلى الصوابِ، ولَيْسَ غايةً أو هدفاً.

إذَنْ، فالشكُّ المنهجيُّ هو أن نختبرَ ونَفْحَصَ كلَّ فَرْضٍ من الفروضِ، حتَّى نصل إلى مبْدٍء أو حقيقة لا يتطرّق إليها الشكُّ من قريبٍ أو بعيدٍ، ثم نبني كلَّ تفكيرنا على هذا المبدأ الأساسيٍّ، أو هذه الحقيقةِ التي توصَّلْنا إليها.

والشكُّ المنهجيُّ وسيلةٌ يَتَّخذها الباحثُ من أوَّل طَريقِ البَحْث، ليبعد الآراءَ الموروثَةَ والمُسَبَّقة مِنْ طريقٍ بَحْثِهِ؛ ليكون خالياً من المؤثِّرات الذَّاتِيَّة وموضوعيّاً.

وقد مارس الشكَ المنهجيَّ قديماً و((سُقرَاط)) كما لجأ إلَيْهِ ((الإمامُ الغَزَّالِيُّ)) في العَصْرِ الوسيط، والفيلسُوفُ الفَرَنْسِيُّ ((ديكَارت)) في العصرِ الحديث [١٥٩٦ م - ١٦٥٠ م].

فسُقْرَاط يعتمدُ في منهجه الشَّكِّيِّ على الطريقة التهكُّميَّة التي توقع الخَصْمَ من التناقضِ، عن طريق إثارة الشكوكِ فيما يقولهُ، وتوجيه الأسئلة إلَيْه مع اصطناع الجَهْل بالموضوعِ الذي يسألُ عَنْه؛ لِكَيْ ينتهيَ بمَنْ يحاورُهُ إلى إدارك جهْلِهِ.

ودائماً ما كان يقُولُ سُفْرَاط: ((إنَّنِي أَعْرِفُ شَيْئاً وَاحِداً هُوَ أنني لا أعْرِفُ شَيْئاً)).

أما الشَّكُّ المنهجيُّ عند الغَزَالِيِّ ودِيكَارت، فهو شكِّ إراديٍّ، لأنَّ الباعثَ علَيْه هو إرادةٌ

42