16

Al-Wajiz fi Fiqh al-Imam al-Shafi'i

الوجيز في فقه الإمام الشافعي

Penyiasat

علي معوض وعادل عبد الموجود

Penerbit

شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم

Nombor Edisi

الأولى

Tahun Penerbitan

1418 AH

Lokasi Penerbit

بيروت

Genre-genre

Fiqh Shafie

زِنْدِيقاً معطّلاً إلا وأتجسَّسُ وراءَهُ للتبُّه لأسبابِ جراءته؛ في تعطيلِهِ وَزْنَدَقَتِهِ، وقد كان التعُّش إلى دَرْكِ حقائق الأمور دَأَبِى ودَيْدَنِى من أول أمري، وَرَيْعَانِ عمري؛ غريزة، وفطرة من الله - تعالى - وُضِعَتَا فِي جِبِلَّتِى، لا بأختباري وحيلَتي؛ حتى أنحلَّتْ عني رَابِطَةُ التقليدِ، وانكسرتْ عليَّ العقائدُ الموروثةُ علَىْ قُرْب عَهْدٍ بسن الصّبًا؛ إذ رأيتُ صبيانَ النَّصَارَىْ لا يكونُ لهم نُشُوءٌ إلا على التنصُّر، وصبيانَ اليهودِ لا نَشُوءَ لهم إلا على التهؤُّد، وصبيانَ المسلمِينَ لا نُشُوءَ لهم إلا على الإسْلامِ، وسمعتُ الحديثَ المَزْوِيَّ عن سيِّدنا رسول الله - صلَّى اللَّه علَيْه وسلَّم -؛ حيثُ قال: ((كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ وَيَمُجِّسَانِهِ)).

فتحرَّك باطِنِي إِلَىْ حقيقةِ الفِطْرةِ الأصليَّة، وحقيقةِ العقائدِ العارِضةِ، بتقليد الوالِدِيْنَ والأستاذين، والتَّميُّز بين هذه التقليدات، وأوائلها تلقينات، وفي تميُّز الحقِّ منها على الباطل، ثم يظهر ما خامره من الشَّكِّ، كما هو ظاهر في قوله.

فإذا أُورِدْتَ تلك الحالةَ، تيقَّنْتَ أن جميعَ ما توهَّمْتَ بعقلكَ خيالاتٌ لا أصل لها، ولعلَّ تلك الحالة ما يدَّعيها الصُّوفيَّة؛ أنها حالتهم؛ إذ يزعمون أنهم يشاهدون في أحوالهم التي إذا غاصُوا في أنفسهم، وغابوا عن حواسِهِمْ أحوالاً لا توافِقُ هذه المَعْقُولاتِ، ولعلَّ تلك الحالة هي الموتُ؛ إذْ قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم: ((النَّاسُ نِيَامٌ، فَإِذَا مَاتُوا أَنْتَبَهُوا))(١)، فلعلَّ الحياة الدنيا نَوْمٌ، بالإضافةِ إلى الآخرة، فإذا ماتَ، ظهرَتْ له الأشْيَاءُ على خلافِ ما شاهَدَهُ الآن، ويقالُ له عند ذلك: ((فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ، فَبَصَرُكَ اليَوْمَ حَدِيدٌ)) [ق: ٢١].

فلمَّا خَطَرتْ لي هذه الخواطِرُ، وأنقدحَتْ في النّفْسِ حاوَلْتُ لذلك علاجاً، فلم يتيسّر، إذ لم يمكنْ دفْعُه إلاَّ بالدليلِ، ولم يمكنْ نَصْبُ دليلٍ إلا من تركيبِ العلومِ الأوليَّة، فإذا لم تكنْ مسلَّمة، لم يمكن ترتيبُ الدليلِ، فأعضَلَ هذا الداءُ، ودَامَ قريباً من شهْرَيْنِ أنا فيهما على مذْهَبِ السَّفَسَطَةِ؛ بحكم الحالِ، لا بحكْمِ المِنْطِقِ والمَقَال.

ولمَّا أردتُ أن أنخرطَ في سلْكِ القومِ، وأشربَ من شرابهم، نظرتُ إلى نفْسي فرأيتُ كثرةَ حُجُبِهَا، ولم يكن لي شيخٌ إذ ذاك، فدخلْتُ الخَلْوَةً، واشتغلتُ بالرياضَةِ والمُجَاهَدَةِ أربعين يوماً، فأنقْدَعَ لي من العلْمِ ما تأكَّد عنْدي أصفَى وأرقَّ مما كنتُ أعرِفُهُ، فنظرْتُ فيه، فإذا فيه قوةٌ فقهيَّة، فرجعْتُ إلى الخَلوَة، واشتغلْتُ بالرياضةِ والمجاهدَةِ أربعينَ يوماً، فأنقدحَ لي علْمٌ آخر أرقُ وأصفَى ممَّا حصل عنْدي أوّلاً، ففرحْتُ به، ثم نظرتُ فيه، فإذا فيه قُوَّةٌ نظريَّة، فرجعْتُ إلى الخَلْوة ثانياً أربَعِينَ يوماً، فانقدحَ لي علْمٌ آخر، هو أرقُ وأصفَى، فنظرتُ فيه؛ فإذا فيه قوةٌ ممزوجةٌ بين علْمٍ الظاهرِ، وعلْمِ الباطِنِ، ولم أَلْحَقْ بأهْلِ العلومِ اللَّدُنَّة، فعلمْتُ أن الكتابة على المَحْوِ ليستْ كالكتابةِ مع الصفاءِ الأوَّلِ، والطهارةِ الأولَى، ولم أتميَّزَ عن النُّظَّار إلا ببعْضِ أمورٍ.

ويتمم حكايتَهُ في المنْقِذِ بقوله: (أقبلْتُ بهمَّتي علَى طريق الصوفيّة، وعلمتُ أنَّ طريقَتَهُمْ إنما

(١) قال الحافظ العراقي في ((تخريج الإحياء)) (٢٠/٤) لم أجده مرفوعاً وإنما يعزى إلى علي بن أبي طالب.

16