Al-Ta'rif bima 'Anasat al-Hijrah min Ma'alim Dar al-Hijrah
التعريف بما أنست الهجرة من معالم دار الهجرة
Penyiasat
أ د سليمان الرحيلي
Penerbit
دارة الملك عبد العزيز
Lokasi Penerbit
الرياض - السعودية
Genre-genre
تقديم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن من أهداف دارة الملك عبد العزيز التي أنشئت من أجلها تحقيق الكتب التي تخدم تاريخ الجزيرة العربية وجغرافيتها وآثارها الفكرية والعمرانية، وترجمتها ونشرها، وكذلك تاريخ وآثار الجزيرة والبلاد العربية والإسلامية بشكل عام.
وقد سعت الدارة بخطوات متعددة من أجل تحقيق هذا الهدف الكبير، وأخرجت في هذا المضمار عددًا من الكتب التي سدت بها فراغًا في المكتبة العربية، وأسهمت في خدمة الباحثين والدارسين بما وضعت بين أيديهم من كتب ودراسات متنوعة.
وإيمانًا من الدارة بأهمية الكتب التاريخية المخطوطة لكونها من المصادر التي يكثر البحث عنها وتزداد الرغبة في تداولها، ويحول بين الباحثين وبينها مكوثها حبيسة في أرفف المكتبات، فقد قامت بإصدار سلسلة تختص بنشر مصادر تاريخ الجزيرة العربية المخطوطة.
ويأتي كتاب «التعريف بما أَنْسَت الهجرة من معالم دار الهجرة» لجمال الدين المطري أحد الكتب التي تنشر ضمن هذه السلسلة، وذلك لأسباب كثيرة، أبرزها ارتباطه بتاريخ المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة
1 / 7
والسلام، وعنايته بوصف معالمها البارزة، وتحديد مواقعها، وإشارته إلى زوال بعضها وبقاء بعضها الآخر.
وعلى الرغم من كثرة الكتب التي صنفت عن المدينة المنورة إلا أن هذا الكتاب تزداد قيمته بمعاصرة مؤلفه لعدد من الحوادث المسجلة فيه، ووقوفه على بعض المعالم، ولاعتماد عدد من المؤلفين التالين له عليه.
وقد سبق طبع الكتاب سنة ١٣٧٣ هـ، ثم أعيد طبعه عام ١٤٠٢ هـ. وحيث توفرت أربع نسخ أخرى للكتاب المخطوط، ونظرًا لما بذله المحقق من جهد في تحقيقه وتدقيق أسمائه، وتوضيح معالمه، وتخريج أحاديثه، والعناية به بصورة عامة، فقد رأت الدارة نشر هذا التحقيق.
نسأل الله أن ينفع به من يطلع عليه، وأن يحقق الأهداف المرجوة من وراءِ نشره والعناية بتحقيقه.
والله الموفق.
دارة الملك عبد العزيز
1 / 8
المقدمة
الحمد لله العلي القدير ذي الفضل والمهابة، والصلاة والسلام على ساكن طابة، وعلى آله وأصحابه، أما بعد:
فقد عني العلماء بتاريخ المدينة قديمًا وحديثًا، وسجلوا أحداثها، ودونوا أخبارها، وعنوا بتراجم أعلامها، ووصفوا معالمها، وسجلوا آثارها، حتى غدت المكتبة المدنية التاريخية من أغنى مكتبات تواريخ المدن وأثراها، وما زالت المؤلفات تترى حولها، فهذا كتاب يتناول تاريخ مسجدها، وآخر يتتبع معالمها، وثالث يدرس عقيقها، ورابع يرصد المؤلفات حولها … وهكذا.
وما من قرن إلا وحظيت فيه المدينة بمؤلف أو أكثر، ففي القرنين السابع والثامن الهجريين مثلًا ظهرت كتب عدة في تاريخ المدينة مثل: كتاب التعريف بما أَنْست الهجرة من معالم دار الهجرة لجمال الدين المطري.
وتعود صلتي بهذا الكتاب إلى أكثر من عشر سنوات عندما اعتمدت عليه في بعض أبحاثي المتعلقة بالمدينة، وأدركت منذ ذلك الوقت أن هذا الكتاب يحتاج إلى دراسة وتحقيق، فقد خلت النسخة المطبوعة منذ قرابة خمسين عامًا (١٣٧٢ هـ) باعتناء الأستاذ أسعد درابزوني من أي تحقيق أو ضبط أو دراسة، بل زيد فيها نصف صفحة (ص ٦٠) ليست من الكتاب، حتى إنه حذفه عندما أعيد طبعه مرة أخرى عام ١٤٠٢ هـ. كذلك زيدت كلمة «دار» في عنوانه، حيث كررت
1 / 9
مرتين ثم حذفت بعد إعادة طبعه، كما اشتملت على العديد من الحذف والأخطاء والتصحيفات الكثيرة.
كما عمل أحد طلبة الدراسات العليا وهو الأستاذ عبد الله بن سليمان اللهيب على تحقيق الكتاب ضمن متطلبات رسالة الماجستير في قسم التاريخ بكلية الآداب في جامعة الملك عبد العزيز عام ١٤٠٨ هـ ولم ينشره. واعتمد في تحقيقه على نسخة واحدة من مخطوطاته؛ لذا جاء متنه خلوًا من أي مقابلة بنسخ أخرى له، أو ضبط لنصوصه، وقد نص الباحث على ذلك وذكر أنه اعتمد على نسخة وحيدة للكتاب، واطلع على نسخ لها في أماكن مختلفة؛ ولذا نص على أنه لم يجد بينها اختلافًا (ص ٣٠)، هكذا.
ونتيجة لاعتماده على هذه النسخة فقط وعدم اطلاعه على نسخ الكتاب الأخرى ومقارنة نصه بها وتحريره في ضوئها فإنه لم يشر في هوامشه إلى أي مقارنة أو تحرير للنص على الرغم مما في تلك النسخة من أخطاء وتصحيفات لا يمكن قبولها لا سيما أن هذه ليست نسخة المؤلف مما يحتم ضرورة مقابلتها على نسخ أخرى من الكتاب كما هو معروف في منهج التحقيق.
وصدَّره بدراسة في ثلاثين صفحة عن حياة المؤلف، ونسبة الكتاب إليه والمصادر التي اعتمد عليها، وأهمية كتابه ووصف النسخة التي اعتمد عليها في تحقيقه. كما عقد فصلًا لمؤرخي المدينة حتى وفاة المؤلف، وجاء في (٥٢) صفحة، وهو عبارة عن وصف وتلخيص لما ذكره هؤلاء في كتبهم دون تحليل لمناهجهم أو الاطلاع على دراستهم مِن قِبَل مَنْ سبقوه. وقد جاء نص الكتاب في (١٩٦) صفحة غلبت عليها تراجم أسانيد المؤلف الكثيرة.
وقد وقع الباحث في أخطاء منهجية كبيرة في تحقيق الكتاب منها أنه لم يقم بتخريج عدد من الأحاديث الواردة فيه في رسالته كما في ص ٢٢٠، ص ٢٢١، ص ٢٣١، ص ٢٣٢، ص ٢٣٣، ص ٢٤١، ص ٢٧٦، ص ٣١٤. كذلك نسب
1 / 10
حديثًا ضعيفًا في ص ١٥٠ إلى صحيح مسلم. وأيضًا لم يخرج قول الإمام مالك لأبي جعفر المنصور ص ١٥٧ باستقبال القبر عند الدعاء فهو لا يجوز باتفاق، والإمام مالك لا يقرّه، ولم يثبت عنه هذا القول، فالرواية ضعيفة والسند فيها منقطع.
أما التعريف بالمعالم والمواقع في الكتاب فقد خالفه الصواب في المنهج فيها فقد اعتمد على مصادر عامة أو قديمة في ضبطها وتحديد أماكنها. وأغفل الرجوع فيها إلى مراجع حديثة عن المدينة وآثارها ومعالمها التاريخية، أو أنه لم يفد منها بما فيه الكفاية، فضلًا عن عدم الوقوف عليها أو بعضها بنفسه كما فعل المؤلف.
ومن ثم معرفة أوضاعها وأحوالها وما بقي منها أو أزيل أو عرف أو جهل موقعه … وغير ذلك مما ينبغي أن يقرره كل باحث في عصره في هذا المجال، ويحتاج القارئ إلى معرفته في هذا العصر. انظر مثلًا ص ٢٥١، ص ٣١٠، ص ٣١٥، ص ٣٢٤، ص ٣٢٥، ص ٣٥٥، ص ٣٥٦.
وهناك الكثير من المساجد والآبار في الكتاب لم يعرف بها، أو عرف بها وأهمل ذكر حالها في هذا العصر. كما أن عددًا من المواقع وردت في الكتاب ولم يعرف بها مثل شعب علي وورقان ص ٢٣٣، والجرف ص ٢٦١، وحارة الدوس ص ٢٦٢، والنازية ص ٣٢٨، وتلعة ص ٣٣٠، وبيت الحية ص ٣٤٧.
كما عرف ببعض المواقع والمعالم خطأ ومنها: الضبوعة ص ٣١٠ قال عنها بأنها تقع قرب الصفراء والصحيح أنها قرب المدينة وبعيدة عن وادي الصفراء ومن ذلك أيضًا نسب أبيار علي إلى علي ﵁ ص ٣١٦ وهذا غير صحيح. كذلك ذكر أن وادي الصفراء يقع جنوب المدينة بمسافة (٥٤) كيلًا ص ٣٢٩، والصحيح أنه يقع غربها على مسافة (٩٠) كيلًا.
1 / 11
ومنها أيضًا وصفه موضع مبرك ص ٣٣٣ هـ ٤ بأنه مبرك ناقة رسول الله ﵌ وهذا خطأ معيب، فهو هنا موضع في الطريق إلى مكة.
وكذلك ذكر أن «عصر» يقع بين المدينة ووادي الفرع، والصحيح أنه يقع بين المدينة وخيبر.
وهذا كله على سبيل المثال لا الحصر مما لا يتسع المجال لذكره هنا.
وقد ظللت أرقب هذا الكتاب لعل أحدًا يتصدى لتحقيقه كما ينبغي أو يقرب من ذلك حتى قيض الله تعالى لي من الوقت والجهد فقُمت بذلك، وتوفرتُ على جمع أقدم نسخة المخطوطة بعد نسخة المؤلف، ومنها ثلاث نسخ تعود إلى الثلاثين سنة التي أعقبت وفاة المؤلف عام ٧٤١ هـ.
وعلى الرغم من أن المطري مؤلف مقل، وليس له شهرة مؤرخي المدينة الآخرين كابن النجار والفيروزآبادي والسمهودي، إلَّا أن معاصرته لبعض الأحداث ووقوفه بنفسه ميدانيًّا على كثير من المعالم، واعتبار كتابه أحد المصادر المبكرة التي اعتمد عليها من جاء بعده جعلت له أهمية وقيمة تاريخية لا يمكن إغفالها. ثم هو- وقد أدركنا- جدير بالعناية والاهتمام اللذين حظيت بهما مؤلفات في تاريخ المدينة أقل منه قيمة في المعنى والمبنى.
راجيًا أن أكون قد وفقت في تحقيقه وإخراجه بصورة هي أقرب ما تكون إلى الصورة التي كتبها بها مؤلفه، وخدمتها بتخريج أحاديثها، والتعريف بأعلامها ومعالمها، بإيجازٍ وتوازن لا يخل أو يطغى على المتن وغير ذلك مما يتطلبه منهج التحقيق، وبالذات المعالم وهي ما قصدها المؤلف من تأليف كتابه، وأترك لأهل الاختصاص والقراء الحكم والتمييز بين هذا الجهد والجهود السابقة المبذولة نحو هذا الكتاب، ولا أزعم الكمال فهناك هفوات وقصور لا يخلو منها مثل هذا العمل.
1 / 12
وفي الختام أشكر كل من قدم لي خدمة أو ساعدني في معلومة، أو أبدى رأيًا في مراحل تحقيق الكتاب المختلفة. ولا يفوتني أن أشكر دارة الملك عبد العزيز بالرياض على نشر الكتاب ووضعها كشافات للأحاديث والأماكن به حرصًا من الجميع على خدمة طيبة الطيبة وخدمة تاريخها فجزاهم الله خيرًا وأمتع ناظرهم بكل مفيد لها، وجعلها في موازين الأعمال يوم الدين، ورزقنا شفاعة ساكنها عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
المحقق
الأستاذ الدكتور سليمان الرحيلي
المدينة المنورة
رمضان المبارك ١٤٢٣ هـ
1 / 13
حياة المؤلف
مولده ونشأته:
هو محمد بن أحمد بن محمد بن خلف بن عيسى بن عباس بن يوسف بن علي بن عثمان المطري، ومن ألقابه أيضًا الأنصاري والسعدي والعبادي والمدني، وكثيرًا ما يوصف بها أو أحدها (^١). وكنيته أبو عبد الله، ولقب بجمال الدين، والجمال المطري.
عاش جده خلف في الطور في سيناء، ومنها انتقل إلى مدينة المَطَرية (^٢) في مصر وعاش فيها، ثم انتقل ابنه أحمد والد المؤلف إلى المدينة فعاش فيها وعرف بالمطري (^٣). وفي المدينة ولد له ابنه محمد في سنة ٦٧١ (^٤)، ورجح ابن حجر أنه ولد في سنة ٦٧٦ هـ لوجوده بخط ابنه (^٥). وفيها نشأ وتعلم، وأصبح أحد العارفين بالمواقيت حيث ورثها عن والده (^٦).
_________
(^١) ابن فهد: لحظ الألحاظ ص ١١٠؛ السخاوي: التحفة اللطيفة ج ٣ ص ٤٦٦.
(^٢) المطرية: مدينة مصرية قديمة ذكرها ياقوت وغيره كانت على مشارف القاهرة، وقد أصبحت في العصر الحديث إحدى ضواحيها الشمالية، وينسب إليها عدد من الأعلام ومنهم والد المؤلف.
(^٣) السخاوي: التحفة اللطيفة ج ٣ ص ٤٦٦.
(^٤) ابن فرحون: نصيحة المشاور وتعزية المجاور ص ١٥١.
(^٥) ابن حجر: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ج ٣ ص ٣١٥.
(^٦) نفسه.
1 / 15
كما تولى الأذان بالمسجد النبوي وكان من أحسن الناس صوتًا فأصبح فيه من المؤذنين الرؤساء (^١). ويذكر ابن فرحون أنه ناب في القضاء والخطابة والإمامة في المدينة (^٢)، وقد كان حسن الخلق، جامعًا للفضائل (^٣)، محبًا للإحسان مثل رعايته لابن فرحون وإخوانه الذي يقول عنه: لم نجد بعد والدنا مثله في الإحسان إلينا والشفقة بنا، ولي تربيتنا وتعليمنا، والسعي في مصالحنا كأبينا، وكان لكل قادم في المدينة كالأهل في الإسكان والكسوة والتعريف (^٤).
كما كان على دراية بأنساب العرب، ويقرض الشعر أحيانًا (^٥).
شيوخه:
تتلمذ على يد أبي اليمن عبد الصمد بن عساكر وهو أحد علماء الحجاز نزل مكة نحوًا من أربعين سنة ثم نزل المدينة وتوفي بها سنة ٦٨٦ هـ، لذا يلقب بنزيل الحرمين (^٦). له تصانيف عدة واشتهر في علم الحديث، وله مؤلف عن جبل حراء (^٧). وآخر اسمه تحفة الزائر (^٨) ويبدو أن المؤلف أدركه في آخر حياته عندما نزل المدينة، وروى عنه في كتابه.
وكذلك روى عن شرف الدين أبي محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي الذي كان عالمًا بالفقه والأنساب والحديث وصنف كتاب الترغيب
_________
(^١) نفسه.
(^٢) ابن فرحون: نصيحة المشاور ص ١٢٨.
(^٣) ابن فهد: لحظ الألحاظ ص ١١٠.
(^٤) ابن فرحون: نصيحة المشاور ص ١٤٩، السخاوي: التحفة اللطيفة ج ٣ ص ٤٦٨.
(^٥) السخاوي: التحفة اللطيفة ج ٣ ص ٤٦٧.
(^٦) السخاوي: التحفة اللطيفة ج ٣ ص ١٨.
(^٧) الكتبي: فوات الوفيات ج ١ ص ٢٧٥.
(^٨) السخاوي: التحفة اللطيفة ج ٣ ص ٤٦٧.
1 / 16
والترهيب، واختصار صحيح مسلم، وكتاب الخيل والصلاة. وتوفي سنة ٧٠٥ هـ (^١).
وكذلك أخذ عن التاج علي بن أحمد العراقي أحد علماء التفسير والحديث بمصر وتلقى عنه المؤلف بالإسكندرية عند زيارته لها كما سيأتي، وتوفي عام ٧٠٤ هـ (^٢).
وكذلك عن عفيف الدين عبد السلام بن محمد بن مزروع بن أحمد بن عرفة، نزيل المدينة، أصله من البصرة، وهو أحد محدثي المدينة في القرن السابع، وتوفي بها سنة ٦٩٩ هـ (^٣)، وهو ممن أثبت أن جبل ثور المذكور في حدود الحرم جبل معروف بالمدينة، واعتمد عليه المؤلف في ذلك (^٤).
ومنهم أيضًا الشيخ سراج الدين عمر بن أحمد الخضري المشهور بالسراج، أحد قضاة المدينة وقتذاك، وكان جمال الدين المطري يتلقى عنه ويحضر دروسه (^٥).
كما تتلمذ المطري على آخرين مثل أحمد بن إسحاق الأبرقوهي المتوفى في مكة سنة ٧٠١ هـ ودرس عليه الحديث، وكان مجيدًا في الحديث والسيرة النبوية (^٦).
_________
(^١) السيوطي: طبقات الحفاظ ج ١ ص ٥٠٥.
(^٢) الذهبي سير أعلام النبلاء ج ٩ ص ٨٤؛ ابن فهد: لحظ الألحاظ ص ٩٤.
(^٣) السخاوي: التحفة اللطيفة ج ٣ ص ١٧.
(^٤) نفسه.
(^٥) ابن فرحون: نصيحة المشاور ص ٢١٤.
(^٦) الفاسي: العقد الثمين ج ٣ ص ١٥؛ ابن فهد: لحظ الألحاظ ص ١١٠.
1 / 17
وكذلك أخذ المطري عن محمد بن القطب القسطلاني المتوفى عام ٧٠٤ هـ بمكة، وكان أحد علماء الحديث فيها (^١)، ومنهم أيضًا تقي الدين الحسين بن علي بن ظافر المالكي، والعز الفارقي. كما تتلمذ عليه وروى عنه نفر من العلماء مثل ابنه عفيف الدين عبد الله، وأبي محمد عبد الله بن محمد بن فرحون (^٢)، ومحمد بن يحيى الخشني أحد مؤذني المسجد النبوي وقتذاك (^٣).
رحلاته:
عاش جمال الدين المطري حياته في المدينة منذ أن استقرت أسرته فيها، ولم يذكر له المؤرخون رحلات سوى ما ذكره هو في كتابه هذا من أنه سافر إلى مكة لأداء الحج والعمرة، وهناك التقى بعض علمائها.
وفي طريقه إليها وقف على القليل من مساجد رسول الله ﵌ خارج المدينة ومعالم غزواته، ولهذا وصفها بأنها غير معروفة، وهو وصف غير دقيق بالتأكيد.
كما رحل إلى الطائف في سنتي ٦٩٦ هـ و٧٢٧ هـ، مما أتاح له الوقوف على بعض معالمها المتعلقة بكتابه، وبالذات في موضوع مساجد رسول الله ﵌ هناك. كما رحل إلى الإسكندرية مرتين إحداهما في سنة ٦٩٧ هـ وقابل خلالها التاج علي بن أحمد العراقي وتتلمذ عليه. كما زارها مرة أخرى في سنة ٧٢٧ هـ. واقتصاره في رحلاته على مصر يفهم في ضوء صلاته الاجتماعية بها فأصله من هناك (^٤).
_________
(^١) ابن فهد: لحظ الألحاظ ص ١١٠.
(^٢) ابن فرحون: نصيحة المشاور وتعزية المجاور ص ٨٠، ٨١، ١١٠، ١٥١.
(^٣) السخاوي: التحفة اللطيفة ج ٣ ص ٤٦٧.
(^٤) أورد المؤلف أخبار رحلاته في ثنايا كتابه.
1 / 18
مؤلفاته:
نص المؤلف على عنوان كتابه هذا في مقدمته وسماه «التعريف بما أنست الهجرة من معالم دار الهجرة» وجاء ضبط كلمة «أنست» بفتح الهمزة وسكون النون وفتح السين مضبوطًا بهذا الشكل في عنوان نسخة الأصل التي اعتمدنا عليها، ثم ذكر المؤلف ما يوحي بهذا الضبط ويبرر قبوله بقوله: «وقد خلت- أي المدينة- ممن يَعرف معالمها وأخبارها ويعرف معاهدها وآثارها فذكرت في هذا المختصر من ذلك ما عرفته … وسميته التعريف بما أنست الهجرة من معالم دار الهجرة» فكأن المؤلف يريد أن يعرف بما ناله الهجر والنسيان والاندثار من معالم المدينة، وهذا كله يصحح ما شاع من أن اسم الكتاب هو التعريف بما آنست .. أي بمد الهمزة من الأنس، ويظهر أن هذا الخطأ أول ما ظهر كان من أحد النساخ في كتابة عنوان إحدى نسخ مخطوطاته ثم شاع في فهارس المخطوطات ونسخة الكتاب المطبوعة وتابع ذلك كثيرون دون تمعن في دلالة العنوان وإيماء المؤلف إلى مراده منه.
ويشير ابن حجر إلى كتاب «التعريف بما أنست الهجرة من معالم دار الهجرة» للمطري بقوله: «وصنف تاريخًا مفيدًا» (^١)، ويقول السخاوي: «وصنف تاريخًا للمدينة مفيدًا» (^٢)، وهذا من باب الوصف له، وليس النص على عنوانه بينما نص ابن فهد عليه فقال: «وألف لها- أي المدينة- تاريخًا سماه التعريف بما أنست الهجرة من معالم دار الهجرة» (^٣) ولم نجد في المصادر التي ترجمت لجمال الدين المطري ذكرًا لمؤلفات له عدا كتابه هذا، كما لم يشر المؤلف نفسه في ثنايا كتابه إلى رسائل أو كتب أخرى له عدا النص على كتابه هذا بالعنوان ذاته. وهذا يجعل ما ذكره حاجي خليفة من أن للمطري
_________
(^١) ابن حجر: الدرر الكامنة ج ٣ ص ٣١٥.
(^٢) السخاوي: التحفة اللطيفة ج ٣ ص ٤٧٣.
(^٣) ابن فهد: لحظ الألحاظ ص ١١٠.
1 / 19
كتابًا آخر اسمه إتحاف الزائر (^١) أمرًا مشكوكًا فيه، حيث إن هذا الكتاب ثابت النسبة لشيخه أبي اليمن ابن عساكر. ويبدو أن هناك لبسًا عند حاجي خليفة حول هذا الكتاب فمرة نسبه لأبي اليمن ابن عساكر، ومرة لتلميذه المطري، وثالثة لأبي اليمن البغدادي الدمشقي (^٢).
وقد توفي المؤلف- رحمه الله تعالى- بالمدينة سنة ٧٤١ هـ ودفن بالبقيع (^٣)، ولم أجد خلافًا في ذلك بين المؤرخين.
_________
(^١) كشف الظنون ج ١ ص ٦.
(^٢) نفسه.
(^٣) ابن فرحون: نصيحة المشاور وتعزية المجاور ص ١٥١؛ ابن حجر: الدرر الكامنة ج ٣ ص ٣١٥؛ ابن فهد: لحظ الألحاظ ص ١١٠.
1 / 20
منهج المؤلف
كان منهج المطري في كتابه هذا واضحًا، فقد اعتمد فيه على الرواية بالسند، وطالت سلاسل بعض الأسانيد عنده، حتى استغرقت أسطرًا كثيرة واستوى في ذلك الخبر الطويل أو القصير، حتى إن إحدى نسخ الكتاب المخطوطة ملّ صاحبها من ذلك وحذف أسانيدها.
كما اعتمد على كثير من المصادر الأصيلة العامة أو الخاصة بتاريخ المدينة، ومثال الأولى الصحيحان، وبعض كتب السنة، وكتب الأنساب والتاريخ، مثل مؤلفات الزبير بن بكار والطبري وابن خلكان وابن كثير.
ومثال الثانية الاعتماد على ابن زبالة في تاريخه عن المدينة. ومحب الدين ابن النجار (ت ٦٤١ هـ) في كتابه «الدرة الثمينة في تاريخ المدينة» الذي اعتمد عليه كثيرًا، حتى إن حاجي خليفة وصف كتاب المطري بأنه ذيل على كتاب ابن النجار. كما أورد عددًا من المصادر الأخرى رجع إليها في الغالب مرة واحدة أو سمعها من أصحابها.
ويمكن رصد ملامح منهج المطري بما يأتي
- أنه يبدي رأيه في محاربة كثير من البدع التي تمارس داخل المسجد النبوي، ويصف مَنْ يقوم بها بالعامة أو الجهال، أو يصعفه بذكره بصيغة: «يقول عوام الناس»، وأحيانًا يقول: «لا يصح ذلك»، أو «كل هذا لم يرد به نقل فلا يعتمد عليه».
1 / 21
- أن سكناه بالمدينة ومعايشته لكثير من أحداثها في عصره أتاحت له معرفة تاريخها ومعالمها عن قرب وكثب، مما أضفى على معرفته بها ومعلوماته حولها بعدًا تميز به عمن كتب عنها من المؤرخين الذين عاشوا خارجها أو الرحالة الذين زاروها في أوقات قصيرة، وإن لم يوظف ذلك بما فيه الكفاية.
- الوقوف بنفسه على كثير من المعالم والآثار الواردة في كتابه دون الاكتفاء بما ورد من وصفها في المصادر السابقة عليه، كما أتاحت له بعض رحلاته الوقوف على بعض المساجد والمعالم في طرق الحج والغزوات. وهي صفة ما زالت تعد مطلبًا مهمًا في الباحث؛ ولهذا نجده يقف ويعاين ويشاهد كثيرًا من الأماكن والمعالم من مساجد وآبار وقصور، ويعمد أحيانًا إلى قياس مسافاتها وأطوالها بذراعه.
- كان كثيرًا ما يميز كلامه من وصف أو شرح أو نقد عن المنقول عمن قبله بقوله: «قلت»، وهو ما سيدركه القارئ بوضوح.
- لم يذكر المؤلف شيئًا عن الأحوال السياسية والاقتصادية والإدارية في المدينة خلال عصره التزامًا بمقصده من تأليف كتاب يعنى بوصف معالمها وتحديد مواقعها وبقائها أو زوالها في عصره.
1 / 22
نسخ الكتاب
توجد للكتاب نسخ متفرقة بين دور المخطوطات، وقد اعتمدت في تحقيقه على أقدم ثلاث نسخ منها، كتبت كلُّها خلال الثلاثين سنة التي تلت وفاة المؤلف عام ٧٤١ هـ، وأقدمها كتبت بعد وفاته بسنتين، أما الرابعة فهي تعود إلى القرن الثاني عشر، وهي نسخة نفيسة إلّا أنها متأخرة ومحذوفة الأسانيد، وقد نُص على ذلك في أولها، ولذلك فإنني لم أعتمد عليها وعددتها نسخة ثانوية. أما ما أشارت إليه نسخة الكتاب المطبوعة في آخرها بما يوحي أنها معتمدة على نسخة المؤلف بعبارة «قال المؤلف» وأن تاريخها هو ٧٤١ هـ فهو مصحف عن ٧٤٣ لكي يتوافق مع وفاة المؤلف، فلم يثبت لدي ما أُشير إليه في ذيل النسخة، فيما اطلعت عليه من نسخ الكتاب، ويقيني أنه مجانبٌ للحقيقة.
والنسخ التي اعتمدتها في تحقيق الكتاب هي:
النسخة الأولى:
وهي نسخة مُذهَّبة كتبت بخط معتاد، ويعود تاريخ نسخها إلى يوم الإثنين الخامس من شهر شوال سنة ٧٤٣ هـ أي بعد وفاة المؤلف بسنتين، وقد تمت مقابلتها وقتذاك كما ظهر في آخرها، وعليها عدد من التملكات وعدد صفحاتها (١٦٨) صفحة في كل منها خمسة عشر سطرًا، وهي محفوظة في مكتبة الشيخ عارف حكمت برقم (٣٨١٥) ضمن مكتبة الملك عبد العزيز بالمدينة المنورة وظهر ختم مكتبة الشيخ عارف حكمت عليها في أكثر من ورقة مؤرخًا بعام ١٢٦٧ هـ.
1 / 23
وهي أقدم نسخ الكتاب المتوافرة، وقد خلت من النقص والخرم وأجيزت مقابلة وسماعًا وقتذاك على نسخة المؤلف لقرب تاريخ نسخها فيما يبدو، وقد اعتمدت عليها وجعلتها أصلًا وأشرت لها بذلك في ثنايا الكتاب.
النسخة الثانية:
وهي نسخة خزائنية كتبت بخط نسخ جيد بعناوين كبيرة ملونة يبلغ عدد صفحاتها (١٦٣)، وعدد أسطر كل منها (١٥) سطرًا وشكل كثير من كلماتها. تم نسخها في القاهرة في يوم الأربعاء الرابع من شهر ربيع الأول سنة ٧٥٩ هـ وفي السنة التالية تمت مقابلتها بأصلها بالمسجد النبوي بالمدينة على يد ابن المؤلف عبد الرحمن بن محمد بن أحمد المطري في يوم الأربعاء الخامسِ عشر من شهر شوال سنة ٧٦٠ هـ.
وهي في مكتبة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برقم (٩٣١٦) وقد اعتمدت عليها في كل مراحل تحقيق الكتاب وأفدت منها كثيرًا في ضبط كثير من كلماته ورمزت لها بحرف (ب) في ثنايا الكتاب.
النسخة الثالثة:
وهي نسخة تعود إلى أواخر سنة ٧٧٢ هـ وقد نسخت في البداية بالمدينة المنورة على يد أبي محمد عبد الله الأصفهاني وذيلت بما يفيد قراءتها في مجلس واحد بغرض المقابلة وطلب الثواب للمؤلف فيما يبدو. وقد كتبت بخط معتاد، ثم تعرضت إلى خرم في مواضع كثيرة فأكملت بخط آخر معتاد أصغر حجمًا. يبلغ عدد صفحاتها (١٤٠) صفحة تراوح عدد أسطر صفحاتها بين (١٩) و(٢١) سطرًا، عليها عدد من الأختام الحديثة تُثبت وقف السيد الصافي لها على المكتبة بالمدينة سنة ١٣٢٧ هـ.
1 / 24
كما توجد صور منها في مركز خدمة السنة والسيرة النبوية، ومركز بحوث ودراسات المدينة بالمدينة المنورة، وقد استعنت بها في تحقيق كتاب ورمزت لها بحرف (ص).
والنسخ الثلاث قليلة الاختلاف كما سيلحظ القارئ وهذا يعود إلى حسن مقابلتها وإجازتها وقتذاك، إلّا أنها تتفاوت في إيراد التتمة التي نص على عدم دخولها في السماع فقد وردت في النسخة الأولى في آخر الكتاب وجاءت في النسخة الثانية والثالثة في مناسبتها في وسط الكتاب، إلَّا أنني التزمت بإيرادها وفق مكانها في النسخة الأولى عندما جعلتها أصلًا كما أن نسخًا متأخرة للكتاب سارت على ذلك.
النسخة الرابعة:
وهي نسخة نفيسة الشكل مُذَهَّبة خطها نسخ إلّا أنها متأخرة، وتعود إلى القرن الثاني عشر الهجري فيما يبدو. عليها أختام عدة لمكتبة الشيخ عارف حكمت تعود إلى عام ١٢٦٧ هـ باستثناء ختم صفحة العنوان فهو يعود إلى سنة ١٢٦٦ هـ. وما زالت محفوظة في مكتبته ضمن مكتبة الملك عبد العزيز بالمدينة المنورة. وهي محذوفة الأسانيد الأصلية في الكتاب، وقد نص على ذلك في ورقتها الثانية، وتكرر فيها إيراد تتمة الكتاب المشار إليها آنفًا مرة في وسطها ومرة في آخرها، كما ذيلت بتعليق ذكر أنه يضاهي موضوع الكتاب. وقد عددتها نسخة ثانوية رجعت لها في أحيان قليلة في رسم بعض الكلمات أو شكلها.
1 / 25
منهج التحقيق
اتبعت في تحقيق الكتاب القواعد العامة في تحقيق المخطوطات وبالذات التاريخية، وقمت بالخطوات الآتية:
- أولًا: إخراج نص الكتاب على أقرب مراد للمؤلف بالاعتماد على أقدم نسخة وهي التي تعود إلى عام ٤٣ هـ أي بعد انتهاء المؤلف من كتابه بثلاث سنوات ووفاته بسنتين، ومقابلتها على النسخ الأخرى، وهي نسخ أيضًا قريبة منها جدًّا كما سبقت الإشارة، وأثبتُ الاختلاف بينها في الهوامش.
- ثانيًا: رجعت إلى المصادر التي نقل منها المؤلف، ووثقت معلوماته عنها بالجزء والصفحة وقابلت ما أخذه بمصادره الأصلية، وقد ساعدني في ذلك أن المؤلف اعتمد اعتمادًا كبيرًا على ابن النجار (ت ٦٤٣ هـ) في كتابه الدرة الثمينة.
- ثالثًا: خرجت الأحاديث والآثار الواردة في الكتاب، وقد استغرق ذلك وقتًا وجهدًا، فقد تساهل المؤلف في ذكر كثير من الأحاديث الضعيفة في فضائل الأمكنة والمعالم، وقد اكتفيت بالحكم على نصوص الروايات الواردة في المتن، ولم أُعْن بتراجم رجال السند الواردين في تلك الروايات بعد معرفة حال متونها، وهي سلاسل طويلة أثقلت متن الكتاب مما دعا إلى حذفها من إحدى نسخه المخطوطة. ولم أشأ أن أثقل بها هوامشه.
1 / 27
- رابعًا: عرَّفت ببعض الأعلام وبالأمكنة الواردة في النص وقارنت بين مواقعها وأسمائها القديمة والحديثة وما آلت إليه في هذا العصر، وألحقت به خرائط عدة في الملحق تساعد في تصور المعالم التي ذكرها المؤلف ووقفتُ على العديد منها سواء في داخل المدينة أم خارجها.
- خامسًا: شرحت كثيرًا من المصطلحات والألفاظ التي تصعب على القارئ، وبيَّنت معانيها ودلالاتها، ومناسبتها في المتن.
- سادسًا: ضبطت كثيرًا من كلام النص الصعبة أو التي تحتمل أن تقرأ بصور عدة وكذلك بعض الأعلام وأسماء المواقع، وأشرت أحيانًا في الهوامش إلى طريقة كتابتها في الأصل.
- سابعًا: ورد في المتن مواطن غموض أو زيادة إيضاح أو احتياج رابط ونحو ذلك مما يتطلبه السياق فوضعت ما يناسبه في المتن بين قوسين معقوفتين بالاعتماد على مصادر المؤلف في الغالب.
- ثامنًا: حررت النص وفق ضوابط الكتابة الحديثة المعهودة للقارئ في هذا العصر، واستخدمت الكثير من الفواصل والنقاط وبداية الفقرات وغيرها من علامات الترقيم.
- تاسعًا: أبقيت عناوين الكتاب وترتيب مادته كما وضعها مؤلفه دون تغيير حتى إنني التزمت بحجم بعض أسماء المعالم أو الكلمات بحروف أكبر من سواها تبعًا لما وردت به في الأصل.
وقد بذلت كل خطوة أو مرحلة من مراحل تحقيق الكتاب جهدي قدر الإمكان، واعتمدت على مصادرها المتخصصة التزامًا بالمبدأ المنهجي الثابت وهو أخذ المعلومة المناسبة من المصدر المناسب.
1 / 28