السنة ومكانتها للسباعي ط المكتب الإسلامي
السنة ومكانتها للسباعي ط المكتب الإسلامي
Penerbit
المكتب الإسلامي
Nombor Edisi
الثالثة
Tahun Penerbitan
١٤٠٢ هـ - ١٩٨٢ م (بيروت)
Genre-genre
وَسَلَّمَ - حَدِيثًا وَاحِدًا»، وكان أنس بن مالك يُتْبِعُ الحديث عَنْ النَّبِيِّ ﷺ بقوله: «أَوْ كَمَا قَالَ» حَذَرًا مِنَ الوُقُوعِ فِي الكَذِبِ عَلَيْهِ. فما صنعه الزبير وزيد بن أرقم وأمثالهما من المُقِلِّينَ، إنما كان خَوْفًا من الوقوع في خطأ لم يقصدوه، ويظهر أن ذاكرتهم لم تكن من شأنها أن تسعفهم بإيراد الحديث على لفظه أو وجهه الذي سمعوه من النَّبِيِّ ﷺ، فكان من الاحتياط في دين الله عندهم أن لا يكونوا من المُكْثِرِينَ.
ولقد أضيف إلى هذا رغبة عمر ﵁ ألاَّ يكثروا من التحديث عن الرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - كي لا ينشغل الناس بالحديث عن القرآن، والقرآن غَضٌّ طَرِيٌّ. فما أحوج المُسْلِمِينَ إلى حفظه وتناقله، والتثبت فيه، والوقوف على دراسته!!
رَوَىَ الشَّعْبِيُّ عَنْ قَرَظَةَ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: «خَرَجْنَا نُرِيدُ العِرَاقَ فَمَشَى مَعَنَا عُمَرُ إِلَى «صِرَارٍ» فَتَوَضَّأَ فَغَسَلَ اثْنَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: " أَتَدْرُونَ لِمَ مَشَيْتُ مَعَكُمْ؟ " قَالُوْا: " نَعَمْ نَحْنُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ ﷺ مَشَيْتَ مَعَنَا "، فَقَالَ: " إِنَّكُمْ تَأْتُونَ أَهْلَ قَرْيَةٍ لَهُمْ دَوِيٌّ بِالقُرْآنِ كَدَوِيِّ النَّحْلِ فَلاَ تَصُدُّوهُمْ بِالحَدِيثِ فَتَشْغَلُوهُمْ، جَوِّدُوا القُرْآنَ وَأَقِلُّوا الرِّوَايَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَامْضُوا وَأَنَا شَرِيكُكُمْ "، فَلَمَّا قَدِمَ قَرَظَةُ قَالُوا: " حَدِّثْنَا "، قَالَ: " نَهَانَا عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ "» (١).
ومن الصحابة من كان يكثر الحديث عن الرسول ويستكثر منه أيضًا، فأبو هريرة ﵁ كان من أوعية الحديث التي فاضت على المُسْلِمِينَ فملأت بأخبار رسول اللهِ ﷺ وأحاديثه صدورهم ومجالسهم، وعبد الله بن عباس كان يطلب الحديث عند كبار الصحابة ويتحمل في سبيل ذلك عناء مشقة، أخرج ابن عبد البر عن ابن شهاب أن ابن عباس قال: «كَانَ [يَبْلُغُنِي] الْحَدِيثُ عَنِ الرَّجُلِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ فَلَوْ أَشَاءُ أَنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ حَتَّى [يَجِيئَ] فَيُحَدِّثَنِي فَعَلْتُ وَلَكِنِّي كُنْتُ أَذْهَبُ إِلَيْهِ فَأَقِيلُ عَلَى بَابِهِ حَتَّى
(١) " جامع بيان العلم ": ٢/ ١٢٠.
1 / 63