السنة ومكانتها للسباعي ط المكتب الإسلامي
السنة ومكانتها للسباعي ط المكتب الإسلامي
Penerbit
المكتب الإسلامي
Nombor Edisi
الثالثة
Tahun Penerbitan
١٤٠٢ هـ - ١٩٨٢ م (بيروت)
Genre-genre
في عهد الرسول، ولا يختلف أحد في أنها لم تُدَوَّنْ تَدْوِينًا رَسْمِيًّا كما دُوِّنَ القرآن، ولعل مرجع ذلك إلى أن الرسول ﷺ عاش بين الصحابة ثلاثًا وعشرين سَنَةً، فكان تدوين كلماته وأعماله ومعاملاته تدوينًا محفوظًا في الصحف والرقاع من العُسْرِ بمكان، لما يحتاج إلى تفرغ أناس كثيرين من الصحابة لهذا العمل الشاق، ومن المعلوم أن الكاتبين كانوا من القلة في حياة الرسول بحيث يعدون بالأصابع، وما دام القرآن هو المصدر الأساسي الأول للتشريع، والمعجزة الخالدة لرسول الله ﷺ، فليتوفر هؤلاء الكُتَّابِ على كتابته دُونَ غيره مِنَ السُنَّةِ، حتى يُؤَدُّوهُ لمن بعدهم مُحُرَّرًا مضبوطًا تامًا لم ينقص منه حرف واحد.
وشيء آخر أن العرب لأميتهم كانوا يعتمدون على ذاكرتهم وحدها فيما يَوَدُّونَ حفظه واستظهاره، فالتوفر على حفظ القرآن مع نزوله مُنَجَّمًا على آيات وسور صغيرة، ميسور لهم وداعية إلى استذكاره والاحتفاظ به في صدورهم، فلو دُوِّنَتْ السُنَّةُ كما دُوِّنَ القرآن وهي واسعة كثيرة النواحي شاملة لأعمال الرسول التشريعية وأقواله منذ بدء رسالته إلى أن لحق بربه، للزم إنكبابهم على حفظ السُنَّةِ مع حفظ القرآن، وفيه من الحرج ما فيه، عدا خوف اختلاط بعض أقوال النَّبِيِّ الموجزة الحكيمة بالقرآن سَهْوًا من غير عمد، وذلك خطر على كتاب اللهِ يفتح باب الشك فيه لأعداء الإسلام، مِمَّا يتخذونه ثغرة ينفذون منها إلى المُسْلِمِينَ لحملهم على التَحَلُّلِ من أحكامه والتفلت من سلطانه، كل ذلك وغيره - مِمَّا توسع العلماء في بيانه - من أسرار عدم تدوين السُنَّةِ في عهد الرسول، وبهذا نفهم سِرَّ النهي عن كتابتها الوارد في " صحيح مسلم " عن أبي سعيد الخُدري عن رسول الله ﷺ: «لاَ تَكْتُبُوا عَنِّي، وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ».
وهذا لا يمنع أن يكون قد كتب في عصر الرسول شيء مِنَ السُنَّةِ لا على سبيل التدوين الرسمي كما كان يُدَوِّنُ القرآن، وهناك آثار صحيحة تدل على أنه وقع كتابة شيء مِنَ السُنَّةِ في العصر النبوي. فقد أخرج البخاري في " صحيحه " في كتاب العلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ خُزَاعَةَ قَتَلُوا رَجُلًا مِنْ بَنِي لَيْثٍ - عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ - بِقَتِيلٍ
1 / 59