Al-Siraj Al-Wahhaj to Erase Shalabi's Falsehoods about Isra and Mi'raj
السراج الوهاج لمحو أباطيل الشلبي عن الإسراء والمعراج
Penerbit
مكتبة المعارف
Lokasi Penerbit
الرياض - المملكة العربية السعودية
Genre-genre
السراج الوهاج لمحو أباطيل الشلبي عن الإسراء والمعراج
تأليف
الفقير إلى الله تعالى حمود بن عبد الله بن حمود التويجري
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين
مكتبة المعارف
Halaman tidak diketahui
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، وحجة على أهل الزيغ والضلال أجمعين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرًا.
أما بعد فقد رأيت نبذة صغيرة في الإسراء والمعراج، ألفها الدكتور أحمد شلبي الأستاذ بجامعة القاهرة. وزعم أنها دراسة تصحيح للقضاء على الشطحات والخيال، وهي الجزء الثالث من مائة جزء مما سماه «بالمكتبة الإسلامية المصورة لكل الأعمار» وقد نشرتها مكتبة النهضة بالقاهرة، وفيها من التخبيط والتقول على رسول الله ﷺ وإنكار ما ثبت عنه في الإسراء والمعراج ما لا مزيد عليه في الضلال والإضلال، وقد تواتر عن النبي ﷺ أنه قال: «من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار». وفيها أيضًا تقرير رأي الجهمية الكافرة في إنكار علو الله على خلقه واستوائه على عرشه الذي هو فوق جميع المخلوقات. فهي في الحقيقة دراسة
1 / 3
إفساد لعقيدة أهل السنة والجماعة فيما يتعلق بالإسراء والمعراج وإثبات علو الله على خلقه وسأنبه على ما فيها من الشطحات والأقوال الباطلة والآراء الفاسدة إن شاء الله تعالى، وأسأل الله تعالى أن يريني وإخواني المسلمين الحق حقا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلًا ويرزقنا اجتنابه، ولا يجعله ملتبسا علينا فنضل.
1 / 4
فصل
قال الشلبي في صفحة ٤: فقد أسري بالرسول من مكة إلى بيت المقدس وعرج به إلى السماء ثم عاد قبل أن يبرد فراشه.
والجواب أن يقال: لم يأت في شيء من أحاديث الإسراء أن رسول الله ﷺ عاد إلى مكة قبل أن يبرد فراشه، ولم أر أحدًا من أهل السير والتاريخ ذكر ذلك ولا شك أن هذا من توهمات الشلبي وتخرصاته فلا يلتفت إليه.
وقال الشلبي في صفحة ٤: وقد التصقت بالإسراء والمعراج خرافات وأوهام نريد أن نزيلها لنعيد لهذين الحدثين جلالهما وصفاءهما.
والجواب أن يقال: أما الأحاديث الثابتة عن النبي ﷺ في الإسراء والمعراج فكلها حق وصدق، ومن أنكر شيئًا مما جاء فيها وزعم أنها خرافات وأوهام فهو ممن يشك في إسلامه، لأنه لم يحقق الشهادة بالرسالة. ومن تحقيقها تصديق ما أخبر به رسول الله ﷺ من أنباء الغيب وما وقع له في ليلة الإسراء من ركوب البراق وربطه بالحلقة التي يربط بها الأنبياء وعروجه مع جبريل إلى السموات السبع وما رآه في السموات السبع من الأنبياء، وأنه سلم
1 / 5
عليهم فردوا ﵇ ورحبوا به ودعوا له بخير، وأنه رأى البيت المعمور ورفع إلى سدرة المنتهى، وأنه رأى جبريل في صورته، وله ستمائة جناح كل جناح منها قد سد الأفق، وأنه رأى الجنة والنار، ورأى مالكا صاحب النار وأن مالكا سلم عليه، وأنه صلى بالنبيين في بيت المقدس. إلى غير ذلك مما أخبر النبي ﷺ أنه رآه في تلك الليلة، وما أخبر به أيضًا عن رفعه فوق السموات السبع إلى المستوى الذي كان يسمع فيه صريف الأقلام، وأن الله تعالى أوحى إليه وفرض عليه وعلى أمته خمسين صلاة في كل يوم وليلة، فلم يزل يتردد بين ربه وبين موسى ﵊ في طلب التخفيف لأمته حتى جعلها الله خمس صلوات وقال: يا محمد هن خمس صلوات في كل يوم وليلة بكل صلاة عشر فتلك خمسون صلاة، وفي رواية هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لدي. فكل ذلك حق وصدق، ومن أنكر شيئًا من ذلك أو شك فيه فهو ممن يشك في إسلامه.
وقد ذكر الحافظ ابن كثير في تفسيره عن الحافظ أبي الخطاب عمر بن دحية أنه قال في كتابه: «التنوير في مولد السراج المنير» وقد ذكر حديث الإسراء من طريق أنس وتكلم عليه فأجاد وأفاد ثم قال: وقد تواترت الروايات في حديث الإسراء
1 / 6
عن عمر بن الخطاب وعلي وابن مسعود وأبي ذر ومالك بن صعصعة وأبي هريرة وأبي سعيد وابن عباس وشداد بن أوس وأبيّ ابن كعب وعبدالرحمن بن قرط وأبي حبة وأبي ليلى الأنصاريين وعبدالله بن عمرو وجابر وحذيفة وبريدة وأبي أيوب وأبي أمامة وسمرة بن جندب وأبي الحمراء وصهيب الرومي وأم هانئ وعائشة وأسماء ابنتي أبي بكر الصديق ﵃ أجمعين، منهم من ساقه بطوله ومنهم من اختصره على ما وقع في المسانيد. وإن لم تكن رواية بعضهم على شرط الصحة فحديث الإسراء أجمع عليه المسلمون وأعرض عنه الزنادقة والملحدون ﴿يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون﴾ انتهى كلامه، وما ذكره من إجماع المسلمين على حديث الإسراء يشمل كل ما أخبر النبي ﷺ أنه وقع له في السموات وفي الأرض مما تقدم ذكره قريبًا وما لم يذكر ههنا، وكل ما ثبت عن النبي ﷺ من ذلك فإنه يجب الإيمان به وذلك من تحقيق الشهادة بالرسالة، ومن رد شيئًا مما جاء في الأحاديث الثابتة عن النبي ﷺ في الإسراء والمعراج وزعم أنها خرافات وأوهام فإنما هو في الحقيقة يرد على النبي ﷺ ويكذب أخباره الصادقة ويصفها بالصفات المستهجنة، مع مخالفته لإجماع المسلمين وسلوكه طريق
1 / 7
الزنادقة والملحدين.
1 / 8
فصل
وقد أنكر الشلبي ركوب النبي ﷺ على البراق في ليلة الإسراء، وزعم أن ذلك من الانحرافات والآراء الشائعة، وزعم في صفحة ١٢ وصفحة ١٥ وصفحة ٢٧ أن انتقال النبي ﷺ في رحلة الإسراء والمعراج كان بطرق ووسائل يعلمها الله على نمط انتقال عرش بلقيس بل على هيئة أشرف وأكمل تتناسب مع خاتم الأنبياء، قال: ومن الممكن أن يطوي الله الأرض فيصبح بيت المقدس متصلًا بمكة ويخطو محمد خطوة واحدة ثم تعود الأرض إلى وضعها الطبيعي فيصبح الرسول ببيت المقدس، قال: والمهم أن وسائل الله ﷾ كثيرة لنقل محمد من مكة إلى بيت المقدس في لحظة من الزمان.
والجواب أن يقال: أما ركوب النبي ﷺ على البراق في ليلة الإسراء فهو ثابت في عدة أحاديث صحيحة. الأول منها عن أنس ابن مالك ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «أتيت بالبراق وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه، قال: فركبته حتى أتيت بيت المقدس، قال: فربطته بالحلقة التي يربط بها الأنبياء، قال: ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين» الحديث رواه الإمام أحمد ومسلم.
1 / 9
الحديث الثاني: عن أنس ﵁ أن رسول الله ﷺ «أتي بالبراق ليلة أسري به مسرجًا ملجمًا ليركبه فاستصعب عليه فقال له جبريل: ما يحملك على هذا فو الله ما ركبك أحد قط أكرم على الله ﷿ منه، قال فارفض عرقًا» رواه الإمام أحمد والترمذي وقال هذا حديث حسن غريب.
الحديث الثالث: عن أنس بن مالك ﵁ عن مالك ابن صعصعة ﵁ أن النبي ﷺ قال: «أتيت بدابة أبيض يقال له البراق فوق الحمار ودون البغل يقع خطوه عند أقصى طرفه فحملت عليه ثم انطلقنا» الحديث رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم.
الحديث الرابع: عن حذيفة بن اليمان ﵄ أن رسول الله ﷺ قال: «أتيت بالبراق وهو دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل فلم نزايل ظهره أنا وجبريل حتى انتهينا إلى بيت المقدس» الحديث رواه الإمام أحمد وأبو داود الطيالسي بإسناد صحيح، وقد رواه الترمذي بنحوه وقال: هذا حديث حسن صحيح وصححه أيضا ابن حبان والحاكم والذهبي.
وفي الباب عن بريدة بن الحصيب الأسلمي ﵁ وهو
1 / 10
حديث صحيح وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى، وفيه أيضًا عن أبي سعيد الخدري وشداد بن أوس وعبدالله بن مسعود وأبي هريرة وأم هانئ ﵃، كل منهم روى أن رسول الله ﷺ ركب على البراق إلى بيت المقدس، وأسانيد أحاديثهم لا تخلو من مقال، وفي الأحاديث الأربعة التي تقدم ذكرها مع حديث بريدة ﵁ الذي سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى تأييد لرواياتهم وتقوية لها.
وفيما تقدم ذكره من الأحاديث الصحيحة أبلغ رد على الشلبي وعلى أمثاله من ذوي الجراءة على رد الأحاديث الثابتة عن النبي ﷺ ومعارضتها بالشبه والآراء الفاسدة، وقد قال ابن كثير في تفسيره: والحق أنه ﵇ أسري به يقظة لا منامًا من مكة إلى بيت المقدس راكبًا البراق، فلما انتهى إلى باب المسجد ربط الدابة عند الباب ودخله فصلى في قبلته تحية المسجد ركعتين انتهى.
وأما زعم الشلبي أن القول بركوب النبي ﷺ على البراق ليلة الإسراء من الانحرافات والآراء الشائعة.
فجوابه أن يقال: إن الانحراف في الحقيقة هو إنكار الشلبي
1 / 11
ركوب النبي ﷺ على البراق في ليلة الإسراء وزعمه أن ذلك، من الآراء الشائعة ومعارضته للأحاديث الثابتة عن النبي ﷺ في ذلك، فهذا هو الانحراف الشديد، والضلال المبين لأنه يتضمن الرد على النبي ﷺ وتكذيب ما أخبر به عن نفسه من ركوب البراق في ليلة الإسراء، والرد على النبي ﷺ وتكذيب أخباره الصادقة وجعلها من قبيل الانحرافات والآراء الشائعة ليس بالأمر الهين، بل إن ذلك من قواطع الإسلام ومما يبيح الدم والمال.
وأما زعمه أن انتقال النبي ﷺ في رحلة الإسراء والمعراج كان بطرق ووسائل يعلمها الله على نمط انتقال عرش بلقيس.
فجوابه أن يقال: قد أخبر النبي ﷺ في عدة أحاديث صحيحة أن انتقاله من مكة إلى بيت المقدس كان على البراق وأن عروجه إلى السموات السبع وما فوقها كان مع جبريل، فهذا هو الذي يعتقده أهل السنة والجماعة منذ زمن الصحابة ﵃ إلى زماننا. ولا عبرة بمن خالفهم من أهل الزيغ والضلال الذين لا يبالون بردّ الأحاديث الثابتة عن النبي ﷺ ومعارضتها بالشبه الباطلة والآراء الفاسدة.
وأما قوله: ومن الممكن أن يطوي الله الأرض فيصبح بيت
1 / 12
المقدس متصلًا بمكة ويخطو محمد خطوة واحدة ثم تعود الأرض إلى وضعها الطبيعي فيصبح الرسول ببيت المقدس.
فجوابه أن يقال: لا شك أن الله تعالى على كل شيء قدير وأنه لو شاء لطوى الأرض لرسوله ﷺ في ليلة الإسراء، ولكنه ﵎ حمله على البراق الذي لم يكن يركبه أحد من بني آدم سوى الأنبياء، وكان جبريل مصاحبًا للنبي ﷺ في مسراه إلى بيت المقدس وفي عروجه إلى السموات السبع وما فوقها حتى ظهر إلى المستوى الذي كان يسمع فيه صريف الأقلام. وفي هذا من الاعتناء بالنبي ﷺ والتشريف والتكريم له ما لم يحصل مثله لأحد من البشر.
1 / 13
فصل
وفي صفحة ٢٦ وصفحة ٢٧ أنكر الشلبي ثقب جبريل للصخرة بأصبعه وشد البراق بها، وزعم أن الروايات في ركوب النبي ﷺ على البراق وفي ثقب جبريل للصخرة بأصبعه وشد البراق بها موضوعة.
والجواب أن يقال: قد ثبت أن رسول الله ﷺ ركب على البراق إلى بيت المقدس، وتقدم ذكر الأحاديث الصحيحة في ذلك فلتراجع (١). وثبت أيضا أن جبريل خرق الصخرة بأصبعه وشد بها البراق، والحديث بذلك رواه الترمذي والبزار وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه من حديث بريدة بن الحصيب ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: «ليلة أسرى بي انتهيت إلى بيت المقدس فخرق جبريل الصخرة بأصبعه وشد بها البراق» قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي في تلخيصه، وفي هذا الحديث الصحيح أبلغ رد على الشلبي وعلى أمثاله من المنحرفين الذي لا يبالون برد الأحاديث الصحيحة ومعارضتها بالشبه والآراء الفاسدة.
_________
(١) ص٩، ١١.
1 / 14
وقد قال ابن كثير بعد سياقه للأحاديث الواردة في الإسراء: «فائدة حسنة جليلة» روى أبو نعيم الأصبهاني في كتاب «دلائل النبوة» من طريق محمد بن عمر الواقدي حدثني مالك بن أبي الرجال عن عمر بن عبدالله عن محمد بن كعب القرظي قال بعث رسول الله ﷺ دحية بن خليفة إلى قيصر. فذكر وروده عليه وقدومه إليه، وفي السياق دلالة عظيمة على وفور عقل هرقل، ثم استدعى من بالشام من التجار فجيء بأبي سفيان صخر بن حرب وأصحابه فسألهم عن تلك المسائل المشهورة التي رواها البخاري ومسلم وجعل أبو سفيان يجهد أن يحقر أمره ويصغره عنده، قال في هذا السياق عن أبي سفيان: والله ما منعني من أن أقول عليه قولًا أسقطه من عينه إلا أني أكره أن أكذب عنده كذبة يأخذها عليّ ولا يصدقني في شيء، قال: حتى ذكرت قوله ليلة أسري به قال: فقلت أيها الملك ألا أخبرك خبرًا تعرف أنه قد كذب. قال: وما هو قال قلت: إنه يزعم لنا أنه خرج من أرضنا أرض الحرم في ليلة فجاء مسجدكم هذا مسجد إيلياء ورجع إلينا تلك الليلة قبل الصباح، قال: وبطريق إيلياء عند رأس قيصر فقال بطريق إيلياء قد علمت تلك الليلة. قال فنظر إليه قيصر وقال: وما علمك بهذا؟ قال: إني كنت لا أنام ليلة حتى أغلق
1 / 15
أبواب المسجد فلما كان تلك الليلة أغلقت الأبواب كلها غير باب واحد غلبني فاستعنت عليه بعمالي ومن بحضرتي كلهم معالجة فغلبنا فلم نستطع أن نحركه كأنما نزاول به جبلًا فدعوت إليه النجاجرة فنظروا إليه فقالوا: إن هذا الباب سقط عليه النجاف والبنيان ما نستطيع أن نحركه حتى نصبح فننظر من أين أتي، قال: فرجعت وتركت البابين مفتوحين فلما أصبحت غدوت عليهما فإذا الحجر الذي من زاوية المسجد مثقوب وإذا فيه أثر مربط الدابة، قال: فقلت لأصحابي ما حبس الباب الليلة إلا على شيء وقد صلى الليلة في مسجدنا، وذكر تمام الحديث.
قلت: وما ذكر في هذه القصة من ثقب الحجر وأثر مربط الدابة يوافق ما تقدم ذكره في حديث بريدة بن الحصيب ﵁ وهو مما يصدق به المؤمنون وينكره الزنادقة والملحدون.
وأما زعمه أن الروايات في ركوب النبي ﷺ على البراق وفي ثقب جبريل للصخرة بأصبعه وشد البراق بها موضوعة.
فجوابه أن يقال: لا يخلو الشلبي في هذه الدعوى من أحد أمرين: إما أن يكون له إلمام بمعرفةِ الحديث وما ذكره المصنفون في فن المصطلح بحيث يكون عنده تمييز بين الصحيح من الحديث
1 / 16
والموضوع منه، ولكنه مع ذلك لم يبال برد الأحاديث الصحيحة والحكم عليها بالوضع حيث خالفت رأيه أو رأي من يعظمهم من شيوخه وغير شيوخه، وإما أن يكون جاهلًا بالحديث بحيث لا يعرف الصحيح منه ولا يميز بينه وبين الموضوع وإنما يتكلم في نقد الأحاديث بمجرد الظن والتوهم وكل من الأمرين ذميم جدًا وعظيم الخطر، فأما رد الأحاديث الصحيحة ومعارضتها بالشبه والآراء الفاسدة فهو من أفعال الزنادقة والملاحدة الذين لا يؤمنون بالله ورسوله، وأما نقد الأحاديث بمجرد الظن والتوهم فهو من أفعال أهل الحمق والتهور الذين ليس لهم دين يردعهم عن الكلام في نقد الأحاديث بغير علم. ومن اجترأ على رد الأحاديث الثابتة في الصحيحين أو في أحدهما وعارضها بالشبه والآراء الفاسدة فقد نادى على زندقته وإلحاده ومشاقته للرسول الله ﷺ واتباعه لغير سبيل المؤمنين الذين يقابلون ما ثبت عن النبي ﷺ بالقبول والتسليم وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾.
1 / 17
فصل
وفي صفحة ١٩ أنكر الشلبي صلاة النبي ﷺ بالأنبياء في بيت المقدس وزعم أن ذلك من الأمور الشائعة والتصوير المنحرف عن الإسراء والمعراج.
والجواب أن يقال: قد جاء في عدة أحاديث بعضها صحيح أن رسول الله ﷺ صلى بالأنبياء في ليلة الإسراء، منها ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربا ما كربت مثله قط، قال: فرفعه الله لي أنظر إليه ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به، وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء فإذا موسى قائم يصلي فإذا رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنوءة، وإذا عيسى بن مريم ﵇ قائم يصلي أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود الثقفي، وإذا إبراهيم ﵇ قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم - يعني نفسه - فحانت الصلاة فأممتهم فلما فرغت من الصلاة قال قائل: يا محمد هذا مالك صاحب النار فسلم عليه فالتفت إليه فبدأني بالسلام».
1 / 18
ومنها ما رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح عن ابن عباس ﵄ قال: «لما دخل النبي ﷺ المسجد الأقصى قام يصلي فالتفت ثم التفت فإذا النبيون أجمعون يصلون معه».
ومنها ما رواه النسائي في سننه عن أنس بن مالك ﵁ أن رسول الله ﷺ قال في حديث الإسراء: «ثم دخلت بيت المقدس فجمع لي الأنبياء فقدمني جبريل حتى أممتهم» وقد رواه ابن أبي حاتم وقال فيه: «ثم انصرفت فلم ألبث إلا يسيرًا حتى اجتمع ناس كثير ثم أذن مؤذن وأقيمت الصلاة قال فقمنا صفوفًا ننتظر من يؤمنا فأخذ بيدي جبريل فقدمني فصليت بهم فلما انصرفت قال جبريل: يا محمد أتدري من صلى خلفك؟ قال: قلت: لا. قال: صلى خلفك كل نبي بعثه الله ﷿».
والأحاديث التي جاء فيها أن رسول الله ﷺ صلى بالأنبياء في ليلة الإسراء كثيرة ولكن أسانيد ما لم أذكره لا تخلو من مقال. وفيما رواه مسلم عن أبي هريرة ﵁ وما رواه الإمام أحمد عن ابن عباس ﵄ كفاية في إثبات صلاة النبي ﷺ بالأنبياء في ليلة الإسراء. وفيهما أيضًا أبلغ رد على الشلبي، وعلى أمثاله من المنكرين لصلاة النبي ﷺ بالأنبياء في ليلة الإسراء. وقد ذكر ابن كثير في تفسيره أن رسول الله ﷺ لما انتهى إلى باب
1 / 19
المسجد ربط الدابة عند الباب ودخله فصلى في قبلته تحية المسجد ركعتين ثم أتي بالمعراج فصعد فيه إلى السماء الدنيا ثم إلى بقية السموات السبع فتلقاه من كل سماء مقربوها وسلم على الأنبياء الذين في السموات بحسب منازلهم ودرجاتهم - إلى أن قال - ثم هبط إلى بيت المقدس وهبط معه الأنبياء فصلى بهم فيه لما حانت الصلاة، ويحتمل أنها الصبح من يومئذ، ومن الناس من يزعم أنه أمهم في السماء، والذي تظاهرت به الروايات أنه ببيت المقدس ولكن في بعضها أنه كان أول دخوله إليه. والظاهر أنه بعد رجوعه إليه لأنه لما مر بهم في منازلهم جعل يسأل عنهم جبريل واحدًا واحدًا وهو يخبره بهم. وهذا هو اللائق لأنه كان أولًا مطلوبا إلى الجناب العلوي ليفرض عليه وعلى أمته ما يشاء الله تعالى، ثم لما فرغ من الذي أريد به اجتمع هو وإخوانه من النبيين ثم أظهر شرفه وفضله عليهم بتقديمه في الإمامة وذلك عن إشارة جبريل ﵇ له في ذلك، ثم خرج من بيت المقدس فركب البراق وعاد إلى مكة بغلس انتهى.
وفي كلام ابن كثير رحمه الله تعالى رد على الشلبي وعلى أمثاله من الذين ينكرون صلاة النبي ﷺ بالأنبياء في ليلة الإسراء ويعارضون الأحاديث الثابتة عن النبي ﷺ في ذلك ويعتمدون
1 / 20
على الشبه والآراء الفاسدة في معارضتهم الأحاديث الصحيحة.
1 / 21